من الرّئيس "الجنرال" هواري بومدين إلى عبد المجيد تبون، الذي وصلَ إلى القصر الرّئاسي في الجزائر مدعوماً من طرفِ الجيش، لم تتغيّر العقيدة الجزائرية في مُعاداة المغرب واسْتهدافِ مصالحهِ، من خلال استغلال نزاع الصّحراء ودعْمِ "البوليساريو"؛ وهو ما يعكسُ اسْتمرار البنية "الدّولتية" نفسها التي تكنُّ العداء التّاريخي للمملكة في الجار الشّرقي. ومع وصول سعيد شنقريحة إلى رئاسة الأركان الجزائرية لا يبدو أنّ التّوجه الذي ستسلكهُ الجارة الشّرقية للمملكة سيسير في اتجاه "تليين" المواقف وتجاوز الخلافات، بقدرِ ما ستتعاظمُ المشاكل التي يكون باعثها "الأول" نزاع الصّحراء، خاصة في ظل وجودِ طبقة حاكمة تعاني من ضعفِ الشرعية في الداخل وقد تبادر إلى المغامرة في محيط الجوار. وبدون رهانات كبرى يطرحها انتخاب تبون، ستظل العلاقات المغربية الجزائرية حبيسة الجمود إلى حين، خصوصا أن المؤسسة العسكرية الجزائرية ترفض التنازل عن أدنى هامش من صلاحياتها، بالإضافة إلى الاحتفاظ بالأوجه نفسها التي تدبر الشأن الخارجي الجزائري في الواجهة، خصوصا على مستوى رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية. كما أنّ الطبقة الحاكمة في الجزائر ما زالت تواجهُ ضغطاً شعبياً ناتج عن الحراك الذي يتزايد ويتمسك بذهاب تبون وانتقال الدولة من عسكرية إلى مدنية، حيث إنّ "تبون وشنقريحة لا يعرفان حاليا إلى أين يتجهان داخل مشهد جزائري بدأت فيه مسلسل تصفيات الحسابات داخل المؤسسة العسكرية"، وفقَ متتبعين. عداء تاريخي ويرى عبد الرحيم منار السليمي، الأستاذ الجامعي والمُحلّل السياسي المغربي، أنّ "عداء رؤساء وجنرالات الجزائر للمغرب، من الهواري بومدين إلى عبد المجيد تبون، باتَ حاليا يمثّل ورطة جزائرية داخلية؛ لأن قادة الجيش الذين صنعوا الدولة الجزائرية قاموا ببناء حكمهم للجزائريين على قاعدة العداء للمغرب". ويعتبرُ مدير مركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني أنّ "هذا العداء الذي عملوا على تسريبه في التنشئة السّياسية لجيل جديد بدأ ينتبه الآن إلى هذه اللعبة العدائية التي صنعها قادة الجيش. ويضافُ إلى دور قادة الجيش في صناعة هذا العداء للمغرب دور آخر لعبه "مغاربة الجزائر"؛ ويؤكّد السليمي أنّ "رؤساء مغاربة حكموا الجزائر وعلى رأسهم عبد العزيز بوتفليقة، الذي عمل على الانتقام من المغرب والجزائر لأسباب شخصية سيكولوجية يشرحها مسار بوتفليقة المغربي الجزائري". ويرى الأستاذ الجامعي أنّه "من الصعب اليوم أن يستمر جنرالات الجزائر والرئيس عبد المجيد تبون، الذي أنتجه القايد صالح قبل موته في حكم الجزائريين باستعمال ورقة العداء للمغرب لكون المعادلة اليوم في الجزائر هي وجود شعب جديد بنظام قديم يوجد فيه مشكل تواصل وثقة داخلية وصراع حول الشرعية". حرب بالوكالة ويفسّر السليمي أنّ "تبون ارتكب خطأ قاتلا بهجومه على المغرب في خطاب تنصيبه لأنه أضعف ورقة العداء بهذا الهجوم، لذلك توجد ورقة العداء للمغرب كإحدى الأوراق الجزائرية التي يحكم بها الجيش والرؤساء الذين صنعوا في آخر مراحلها"، مورداً أنّ "الحراك يطالب بالانتقال من دولة عسكرية إلى دولة مدنية". هذا الانتقال يعتبره المصرّح لهسبريس لن يقبل بأن يستعمل تبون وشنقريحة نفس ورقة العداء للمغرب التي استعملها الجنرالات والرؤساء السابقون؛ لكن هذا لا ينفي إمكانية أن يغامر شنقريحة وتبون بالمغامرة بالجزائريين بصناعة حرب بالوكالة ضد المغرب عن طريق استعمال مليشيات "البوليساريو". وزاد المحلّل والخبير في النّزاعات الدّولية والإقليمية: "شنقريحة متشبّع بعقلية الحرب ضد المغرب وتبون سيكون من أضعف رؤساء الجزائر إذا لم يبادر إلى الابتعاد عن الجيش؛ وهي عملية صعبة لكون الجيش صنع الدّولة الجزائرية وصنع أوراق حكمها التي يوجد من بينها العداء للمغرب".