يظل تفكير الإنسان في ماهيته ومصيره جوهر وجوده وقد اكتسى ذلك طابع "الفلسفة " في الحضارة الإنسانية اليونانية التي تناولت بالتأمل علاقة الإنسان بالطبيعة ولم يكن حضور الإله إلا لتبرير قضايا تفلت من المنطق أو تزعج الطبقة السياسية الحاكمة التي لم تعرف نوعا من الجمود بل كانت تنقلا بين الاستبداد والطغاة وحكم الأقلية والديموقراطية أيضا. لن ينتظر مني القارئ أن أدخل في البحث عن التعريفات المدرسية لكلمة فلسفة ،وأين ظهرت،وهو مايؤدي في النهاية إلى نوع من الشوفينية تجعل الغربي كائنا عقليا يرفض الميتوسMythos بينما إنسان الحضارات الأخرى غارق في تفكير خرافي يقصي اللوغوسLogos.بل سأركز على علاقة الإنسان بالطبيعة في تفكير الإنسان المغربي،وبأي حال يكون حضور الله.وماهو نموذج العلاقة التي ينبغي أن ينسجها الإنسان مع الطبيعة في أفق تجاوز التخلف كحالة وليس كمصير ؟ إن التفوق الغربي اليوم يفرض نمط تفكير منبهر بأشكال عيش المواطن في هذا المجتمع.لذلك تنحو التحليلات نحو اعتبار الحضارة الغربية كما نعاصرها هي الشكل الأرقى الذي ينبغي للإنسانية الطموح إليه،رغم أن السبق التكنولوجي لايدل مطلقا على الامتياز الحضاري . ولعل مايبهر في النموذج الغربي هو التكريس المتعالي للفكر الديموقراطي وكأنه المسار الوحيد الذي يجب على الشعوب الخضوع له كانتخابات تتحول في الساحة السياسية المغربية مثلا إلى مسرحية ممللة تتأرجح بين الكوميديا والتراجيديا. من البديهي أن الديموقراطية تدبير للصراع بأخف الأضرار،لكنها ليست أوج ماوصل إليه الإنسان خاصة في مسارها اللاجئ لصناديق الاقتراع .ولنعد لعلاقة الإنسان المغربي بالطبيعة: إن الملاحظة الأولية هي أن الإنسان المغربي تغيب عنه التأملات في الطبيعة إلا بقدر ما يخدم حاجاته وغرائزه،وبقدر كذلك ما تقوي إيمانه في أفق تحقيق المصلحة الأخروية.ومن ثم فهو لاينظر إليها كمادة أولية يمكن تسخيرها،فضلا عن غياب كتابات في التفكير (لاحظوا أنني أستبعد كلمة فلسفة ليس تنقيصا وإنما حتى لايقال أن الإنسان لايفكر إلا عندما يتفلسف وفق النمط الغربي -اللاتيني) في الطبيعة ،تتناولها بالتفسير والتحليل ومحاولة الفهم بعيدا عن القراءة الدينية. هنا يصبح السؤال عن حرية الإنسان مشروعا؟ لعل مايزخر به الفكر الإنساني عموما لايطرح لدى الإنسان المغربي أي مشكل ،اللهم إلا إذا كانت له مصلحة في مناهضة قيم التحرر الإنساني الكونية.وبذلك فعلاقة هذا الإنسان بتسخير الطبيعة ينبغي أن تراعي فقط حدود البحث،لا السعي وراء التفسير اللاهوتي الذي يؤول لأغراض معروفة. إن الحرية تحضر كبعد ممارساتي وليست كبعد نظري سابق عن مشاريع العمل والتجربة.مع استحضار شرطين أساسيين: -ليس النمط الحضاري الغربي هو النموذج الذي يجب أن تخضع له الإنسانية. -مادامت التقنية هي آلية إنسانية ابتكرها الإنسان وهو يسعى للتحرر من التفسير اللاهوتي للكون،فإن الإنسان المغربي يمكنه إبداع آليات أخرى يمكنها قلب موازين القوى ،خاصة لو وضعت خطة تربوية محكمة تروم ابتكار رياضيات أخرى وفيزياء أخرى.(للتأمل :الفكر الغربي مبني على مفهوم الذرة.فهلا نفكر في ما يقابلها ليبدو يوما أن ماصنعه الغرب مجرد حلقة من تطور الإنسان تظهر مضحكة كما تظهر لنا اليوم تجربة عباس بن فرناس؟). تصبح علاقة الإنسان المغربي بالطبيعة علاقة مباشرة ،في محاولة لتسخيرها.وهنا يصير الدين شرطا تاليا وليس شرطا مسبقا(أي يكيف نفسه مع الجديد لا عائقا أمام روح البحث والمبادرة).وطبعا ستقفز السياسة لتنتصر للدين ،ليتحالفا في وجه الإنسان الذي يريد تملك مصيره،فرجل الدين توفر له حراسة القيم فرصة للاغتناء المادي والحضور الرمزي.بينما رجل السياسة يجد في رجل الدين مبررا لتوسيع ثرواته تحت طائلةممارسة حكم يقصي الإنسان تماما ويحد من قدرته على الإبداع والتفكير. إن هذه العلاقة بين رجل الدين ورجل السياسة هي ماينبغي اليوم هدمها،في أفق بناء "وعي طبيعي" لدى الإنسان المغربي يجعله مؤسسا لنمط تفكير جديد غير منبهر بأنماط الحضارات الأخرى،التي ستظل رغم ذلك جزءا من كيانه باعتبارها إنجازا عظيما من إنجازات بني نوعه.