ليلة الجمعة 10نونبر 2017، لم تكن عادية للمكتبة الوطنية. كانت استثنائية بكل المقايسس. فقد كانت مجددا على موعد مع "ليلة الفلاسفة"، التي أضحت تحتضنها منذ نسختها الثانية . عشرات الفلاسفة والمفكرين والباحثين ( 30 فيلسوفا وباحثا أكاديميا وفنانا من المغرب وفرنسا) ومئات الشباب أدفؤوا أرجاء المؤسسة الثقافية المغربية الأبرز على مدى تقريبا ثلاث ساعات من السادسة والنصف إلى الثانية عشرة ليلا. وهم يصنعون ألق عرس الفكر وفرح الفلسفة.
والالتئام كان حول الفلسفة ولنقاش 3تيمات رئيسة هي "هل ولى زمن الحقيقة؟"، و"الشعب والشعوب"، ثم "التفكير في الصورة". وهي التيمات، التي قال القائمون على التظاهرة إنها " تيمات فلسفية كلاسيكية أو قديمة لكنها غير متقادمة بل تتجدد بتجدد السياقات والراهن وحاضرة بقوة في حاضر إنسان القرن الواحد والعشرين بالنظر إلى مختلف التغيرات، التي تعرفها الإنسانية".
وتتغيي التظاهرة، تعميم الفلسفة وتقريبها للمتلقي، وخاصة الجمهور الناشئ، المتعطش للمعرفة والمسكون بأسئلة وجودية حارقة تفرضها عليه سياقات راهنه المتوثب والمتغير بقوة.
المسشتار الملكي، أندري أزولا، الذي كان الوجه البارز الذي حضر الدرس الافتتاحي لليلة، والتي ألقاه الفيلسوف الفرنسي، جان كلود مونو حول موضوع :" الكتاب والكتب"، عبر عن الفرح من الحضور المكثف للشباب . وقال في هذا السياق:"جد فرح بهذا الحضور الشبابي المكثف في ليلة ستكون بالتأكيد طويلة . لكني جد مرتاح وسعيد أن قناعتني بقدرات الشباب وكذلك الأشخاص الأقل شبابا في الالتحام حول الثقافة والفكر والفن . هذه القدرة والرغبة الجامحة في الاقتراب من الفكر النقدي ومن التساؤل المستمر ومن الوعي الشقي بإشكالات الحياة والكون كما تتيحه النقاشات الفلسفية". نفس الطرح، عبر عنه أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الحي المودن، الذي قدم محاضرة حول موضوع "الشعبوية والشعبويات". إذ قال للجريدة :"جميل هذا التفاعل الشبابي مع الفلسفة. وخاطئ من يعتقد أن الفلسفة ترف فكري بعيد عن اجتذاب الشباب".
وزاد الجامعي المغربي قائلا :"تمنيت حضور أكاديميين ومسؤولين ثقافيين مغاربة للوقوف عن قرب عن كيفية تنظيم مثل هذه التظاهرات. الفكرة جيدة والمبادرة لها قيمتها في راهننا ونحن بحاجة لها . فالأسف كل الأسف ألا يكون هناك اهتمام بمثل هذه المبادرات التي تعكس تعطش الشباب هنا بالمغرب للحدث الثقافي، الذي يجعلهم يناقشون مواضيع من صلب ما يعيشونه ويواجهونه من إشكاليات". ويضيف الأستاذ الجامعي موضحا :"هذه التظاهرة تعكس التحولات التي يعيشها المجتمع المغربي والتي لا بد من الانتباه لها . فمثلا الجمهور الشاب نصفه أو أكثر من نصفه فتيات شابات قدمن من بيوتهن في هذه الساعة من الوقت لحضور نشاط ثقافي لن ينتهي قبل منتصف الليل. هذا معطى جد هام يتعين الوقوف عليه. أيضا، هناك طلبة وطالبات قدموا مصحوبين بأساتذتهم وهذا يبين تحول العلاقة بين الأستاذ وطلبته من علاقة فيها استبداد إلى علاقة مرنة تتسم بالتبادل المشترك".
"ليلة الفلاسفة"، التي بلغت هذا العام نسختها الرابعة، هي تظاهرة من تنظيم المعهد الفرنسي بالمغرب. وامتدت يومي 10 و11 نونبر الجاري بكل من المكتبة الوطنية للرباط ومقر المعهد الفرنسي بالبيضاء. فبعد نجاح الدورات السابقة، التي استقطبت حضورا فاق 9000 شخص، عرف هذا النشاط المندرج في إطار الموسم الثقافي الفرنسي بالمغرب 2017، والذي استغرق التحضير له قرابة 6 أشهر مشاركة 30 من المفكرين والفلاسفة والفنانين الفرنسيين والمغاربة. وقد افتتح "ليلة الفلاسفة" بالرباط، الفيلسوف والسينمائي ومدير البحث بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، جان كلود مونو، وهو مندوب التظاهرة عن الجانب الفرنسي، بمحاضرة بعنوان "الكتاب والكتب"، بينما دشن التظاهرة في الدارالبيضاء من طرف فانسون دولاكروا. ونشط المتدخلون محاضرات ونقاشات باللغتين الفرنسية والعربية حول ثلاثة مواضيع كبرى هي : "هل ولى زمن الحقيقة؟" و"التفكير في الصورة" و "الشعب/الشعوب". واشتمل برنامج الأمسيتين نقاشات بين الفنانين والفلاسفة حول مواضيع مثل "الصورة، الإقصاء والميز" و "اليوتوبيا وصورةالفكر". وتوزعت فقرات" ليلة الفلاسفة "على 32 حلقة فلسفية، اشملت على مداخلات من 30 دقيقة حول موضوع محدد، تليها 15 دقيقة من النقاش والتفاعل مع الجمهور. مندوب التظاهرة ، من الجانب المغربي، ادريس كسيكس ، في تقديمه ل ( ليلة الفلاسفة) قال إن "البشرية تمر حاليا بأحلك أوقاتها مع تراجع مكاسب الديمقراطية التمثيلية وصعود الأوليغارشيات و عودة التسلط وندرة فضاءات الجدال. ويصدر فتح فضاءات رحبة من قبيل هذه الليلة عن وعي ثاقب بضرورة إيجاد فلتات و إن عابرة لئلا تنغلق الآفاق كليا في وجه الناس". وشدد على أن "الفلسفة ليست ترفا فكريا يمكن الاستغناء عنه كما يحلو لبعض التقنوقراط و المحافظين التلويح له بل هي ضرورة ملحة، كلنا في حاجة إليها لفهم معنى أفعالنا وتفاعلاتنا ووجودنا و تصوراتنا للعالم" وذلك في وقت كثر فيه "الاستهلاك و السرعة و الجري وراء المكاسب الآنية وما يواكب ذلك من عنف و تزمت و ارتكان إلى المسلمات".