أحمد بابا مسكة.. أول المتطوعين وأول الضحايا أعرف أن مثلي يكتب عن علاقة أحمد باب مسكة مع وطنه ومع البوليساريو كالأصلع الذي يناطح صخرا يروم تفتيته، أو كالمقعد الجائع الذي يجلس عند جذع النخلة يرقب الرطب كيف تطاله يده، فالحديث عن الموضوع يضر الحي والميت كما وصفه مثقف موريتاني مشهور، لما لحياة الرجل ومواقفه السياسية من إثارة للجدل. فهو وإن اشتهر عنه دعمه لدعاة انضمام موريتانيا للمغرب فقد احتل مناصب رفيعة في الدولة الناشئة، كان آخرها شغله مقعد في الأممالمتحدة قبل أن يغادره طواعية ويصبح عضوا بارزا في قيادة البوليساريو ومقربا من مؤسسها الولي مصطفى السيد، الذي كان ينزله منزلة رفيعة تقديرا لثقافته الواسعة وتجربته السياسية الطويلة، حتى أن بعض من عناصرها يروي أن هذا الأخير لم يكن يتحدث في اجتماع قبل أن يفتتحه أحمد باب مسكة. وكان كتابه المشهور (البوليساريو روح شعب) من الوثائق المهمة التي تدل على أن الرجل ظل هو أهم المنظرين الأيديولوجيين للحركة حتى رحيل رفيقه الولي مصطفى السيد، وفشل المحاولة التي قيل إن البوليساريو، وبدعم من المخابرات الجزائرية، كانت تخطط لها والهادفة إلى تنصيبه رئيسا لموريتانيا بعد الإطاحة بنظام المختار ولد داداه. رغم الجدل الكبير الذي أثير حول الرجل والصمت المطبق الذي واجه به هو نفسه هذا، فإنه يظل شخصية موريتانية أصيلة لها وزنها السياسي والفكري وحتى الاجتماعي، وأنا هنا لا أحيد عن هذا المعنى لأقول إنه كان أول المتطوعين الموريتانيين في صفوف البوليساريو وأكبرهم وزنا على الإطلاق من حيث مكانته السياسية كدبلوماسي محنك ومفكر مثقف لا يشق له غبار، ولأقول كذلك إنه كان أول الضحايا أو على الأقل أول من تمت التضحية به من الموريتانيين بعد رحيل الولي مصطفى السيد رحمة الله عليه. خلال الفترة الأولى لتدفق المتطوعين الموريتانيين على المخيمات سنة 1979 كان الحديث في الأوساط الشعبية وفي وسط شبه المثقفين يدور حول أحمد بابا مسكة، البعض ينعته بالصحراوي الذي خان القضية أو بالذي تخلى عن المبادئ كتلطيف للفظ الخيانة، بينما يرى البعض الآخر أنه أجنبي عاد إلى وطنه حين لم يجد ما كان يطمح له، وهو قيادة أهل الصحراء. غير أن المعلومات الشحيحة التي تم تداولها بعد استبعاده من عضوية المكتب السياسي للبوليساريو خلا مؤتمرها، الذي عقدته عقب رحيل رفيقه الولي تفيد بأنه فرضت عليه إقامة جبرية وكان سيتم اعتقاله لولا تحرك زوجته الفرنسية من أصل جزائري، مما دفع المخابرات الجزائرية للتدخل وإبعاده إلى فرنسا. خلال مرضه رحمه الله ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لناشطات من البوليساريو وهن يرفعن شارة النصر فوق جسده المسجى على فراش المرض أياما قليلة قبل وفاته ليجسدن بذلك صورة غير إنسانية تتنافى مع الذوق العام في مثل تلك اللحظات الحزينة ويحكين قصة استغلال قيادتهن لمكانة الرجل، وهو على فراش الموت من أجل مآرب دعائية رخيصة ثم يرحل هو دون أن تنصفه تلك القيادة التي ترك وطنه يوما من أجل مناصرتها، ودون أن ينصفه وطنه الذي لم يمنعه من العودة إليه ما أثير عن ولائه له. فله نرجو رحمة الله التي وسعت كل شيء.