أي ارتباط ذاك الذي يجمع بين الإرهاب والبوليساريو في ظل الانفصال عن كل سلطة مركزية؟ كيف يمكن إثبات هذا الارتباط؟.. هل هو اختراق للتنظيمات الإرهابية للمخيمات أم تواطؤ لقياديين بارزين؟.. ماذا يستفيد القياديون في تندوف من هذه الأنشطة؟.. كيف يؤثر هذا التهديد على دول الجوار؟...أسئلة عديدة يلتمس هذا التحقيق الإجابة عنها، وفك تشابك خيوطها، وتعقب آثارها على رمال صحراء متحركة. عندما اعتقل مصطفى القضاوي على الحدود المغربية الجزائرية في أكتوبر 2012، أثرى التحقيق معه بنك المعطيات الخاص بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي كانت آنذاك تتعقب أثر المقاتلين المغاربة شمال مالي. غير أن هذا الكنز الثمين الذي وقع بين يدي مصالح الأمن المغربي، كشف عن معطيات كثيرة حول عدد من المقاتلين الذين جاؤوا للجهاد من عش البوليساريو. لقد تمكن المعتقل من التعرف على عدد من الصور التي عرضتها عليه مصالح الأمن وهي لعناصر من الانفصاليين الذين استطاعوا الوصول إلى قيادة حركة التوحيد والجهاد رفقة عدد من الإرهابيين الجزائريين الذين احترفوا اختطاف الرهائن. التحقيقات التي تعقبت خيوط الشبكة كشفت أن مخيمات تندوف كانت مرحلة أساسية لدى بعض المستقطبين للوصول بأمان إلى شمال مالي وليبيا في مرحلة أخرى. "مِيدْ إِينْ » بوليساريو لم يكن دور الجبهة يتوقف عند حدود تأمين العبور فقط، وإنما أيضا إعداد هويات مزورة والإعداد اللوجستيكي للالتحاق ببؤر التوتر والنزاع، حيث كانت آنذاك القوات الفرنسية تفكك عش دبابير التنظيمات الإرهابية بمالي. الاستقطاب الذي يبدأ بجنوبالجزائر حيث يرحل الشبان إلى مدارس قرآنية هناك لإتمام تكوينهم النظري والتشبع بمبادئ السلفية الجهادية، ينتهي بالعبور من مخيمات تندوف. يحكي أحد المتهمين أنه حصل على تأشيرة سفر موريتانية مكنته من الوصول إلى نواذيبو ثم إلى تندوف المعبر الرئيسي للمقاتلين نحو شمال مالي للالتحاق بحركة التوحيد والجهاد المنضوية تحت تنظيم لواء القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. المتهم سافر على متن شاحنة إلى نواكشوط وهناك أقام مدة أسبوع لدى أحد أقاربه وحصل على بطاقة إقامة موريتانية مقابل 20 ألف وقية. وخلال إقامته بنواكشوط التقى ب(ع. ب)، وهو وسيط مالي على علاقة بانفصاليين، وهو الذي نصحه بالتوجه إلى مخيمات البوليساريو بتندوف كمرحلة ثانية وإنجاز بطاقة تعريف خاصة بالمخيمات بتزكية من أحد عناصر الجبهة المدعو «بابا» المستقر بتندوف والذي التحق فيما بعد بجماعة كانت تنشط شمال مالي وتدعى «راية الإسلام .« أكثر من ذلك، كانت بعض العناصر المتورطة في الاستقطاب بجبهة البوليساريو تستغل البرنامج الأممي للزيارات بين تندوف والعيون للبحث عن مجندين.أحد المتهمين فور وصوله إلى تندوف سحبت وثائق هويته وتوصل بوثائق تعريف تحمل هوية جبهة البوليساريو وبعد تجنيده قام شخص على دراية بالمسالك الصحراوية على تيسير دخوله إلى شمال مالي عبر الجزائر. هنا تبدأ آثار تدخل انفصاليي جبهة البوليساريو تتضح، فالحصول على وثائق خاصة بالجبهة لا يمكن أن يتم على مستوى المحتجزين في المخيمات، لأن الجبهة وبتنسيق مع المخابرات الجزائرية تحرص على إنجاز وثائق الهوية للمقيمين بالمخيمات بشكل دقيق ولاتسلم إلا بعد التدقيق في هويات الأشخاص المحتجزين بتندوف، الواقعة على التراب الجزائري، أو بعض الملتحقين من دول الجوار، وهو مؤشر على أن هناك تواطؤ واضح من لدن بعض سماسرة الجبهة أو قيادييها في التلاعب بوثائق الهوية وتزويرها أو المتاجرة فيها. ومن خلال شهادات بعض منظري السلفية الجهادية المرتبطين بتنظيم القاعدة، يتضح أن اختراق المتطرفين والإرهابيين لمخيمات تندوف كان سابقا لظهور تنظيم الدولة الإسلامية وإعلان أبو بكر البغدادي قيام دولة الخلافة. وقد تأكد ذلك لدى المخابرات المغربية المتابعة لتطور التنظيمات الإرهابية في دول الساحل والصحراء منذ سنة 2004 عندما أعلنت وزارة الداخلية التي كان يقودها أنذاك شكيب بنموسى السفير الحالي للمغرب في فرنسا بأن ثمة مثلث للإرهاب يتشكل بمنطقة الساحل والصحراء، وهي المعطيات التي أثبتت الأيام صحتها بعد أن أصبحت التنظيمات الإرهابية تعيث فسادا في دول المنطقة لا سيما مع انفصال عدة جماعات مسلحة عن التنظيم "الأم" القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهو التنظيم الحامل للهوية الجزائرية إذا علمنا أنه كان يسمى في الأصل الجماعة السلفية للدعوة القتال. ألوية إرهابية داخل المخيمات لقد كانت الانقسامات المتوالية داخل الجماعة تعبير عن طموح عدد من قيادييها في الحصول على مكاسب ومنافع عديد لاسيما بعد اكتشاف طرق جديدة للتهريب والتحالف مع العصابات الدولية للمخدرات، ثم عمليات اختطاف الرهائن، وتناسلت الجماعات بعد إعلان البغدادي دولة الخلافة فكون عددا ممن بايعوه جماعات مرتبطة بالتنظيم، في حين ظل آخرون يعملون تحت جناح القاعدة والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ممن بايعوا الظواهري بعد مقتل أسامة بن لادن. ومن بين منظري الجهاد المشارقة ممن تابعوا تطور الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء يبرز اسم أبو سعد العاملي. وتتضح أهمية هذا الاسم في كونه نَظَّر لعمليات الاستقطاب في تندوف التي خصص لها جزء هاما من مقالته الصادرة تحت عنوان "قاعدة المغرب الإسلامي: حقائق الواقع ووعود المستقبل"، وهو ما أشارت إليه دراسة يابانية ركزت على تغلغل التطرف في مخيمات تندوف. واستشهدت الدراسة بتنظيرات أبو أسعد العاملي التي لخص فيها نشاط عناصر التنظيمات المتطرفة في تندوف بقوله "كان للحركة الإسلامية في مخيمات اللاجئين دور بارز في إحداث نقلة في أفكار العديد من المقاتلين الصحراويين الشباب وعقائدهم ووعيهم السياسي"، معتبرا أن "جبهة جديدة ونقطة قوة أخرى تضاف إلى جيوب المجاهدين، لاشك أنها ستعزز صفوف القاعدة وستلعب دوراً مهماً في المنطقة من أجل تحرير الأراضي الإسلامية وتنصيب مواقع أقدام للمجاهدين تكون بمثابة النواة الأولى لدولة الخلافة القادمة. وتستفيض الدراسة في تحليل السياقات العامة التي تحدث فيها العاملي عن اختراقات القاعدة لمخيمات تندوف، ضمن خطة محكمة لتحويلها لبؤرة خلافة إسلامية. ولتمثل خطورة هذا القيادي في تنظيم القاعدة، تشرح الدراسة كيف أن العاملي يعتبر واحدا من أنشط المنظرين للحركات الجهادية لفترة مابعد مقتل أسامة بن لادن، علاوة على دوره التحريضي-التوجيهي لفترة مابعد "الربيع العربي" ، بل واعتباره من أوائل أعضاء القاعدة الحركيين الذين مهدوا للرحيل من القاعدة نحو تنظيم الدولة الإسلامية، قد كتب الرجل "أضواء وبيانات شرعية حول الثورتين الليبية والسورية"، و"تحذيرات ونصائح أمين لأهل السنة في البحرين"، و"دور الأنصار والمجاهدين في ثبات دولة العراق الإسلامية وبقائها"، ليخلص إلى الحديث علنا عن ولائه ودعمه لمشروع البغدادي كما يشير كتابه الجديد "في سبيل ثبات الدولة الإسلامية وبقائها". ولم تقف متابعة العاملي منظر تغلغل المقاتلين في مخيمات تندوف، لنشاط هذه التنظيمات بمنطقة فزان جنوب ليبيا بل أيضا متابعته للوضع التونسي من خلال تبنيه عمليات إرهابية في تونس، وهو ما يشير إليه الكاتب التونسي طارق الكحلاوي في مقالة حول العاملي عندما سجل إصداره لبيان حول ما أسماه غزوة اولاد مناع التي استهدفت الحرس الوطني في الشمال الغربي لتونس بولاية جندوبة. يقول الكحلاوي في مقال تحت عنوان: ابو سعد العاملي: المنظر اللغز وقاعدة المغرب الإسلامي "بدا البيان غريبا من عدة زوايا منها أن يتبنى منظر من المرجح أنه يقطن بعيدا في المشرق عملية إرهابية في إحدى القرى في الشمال الغربي التونسي. مضاف إلى ذلك أن عمليات المجموعات الإرهابية الناشطة في تونس بقيت حتى فترة أخيرة يتيمة إذ لم يتبناها رسميا حينذاك أي تنظيم محدد. أن يتبنى منظر وليس تنظيما عملية محددة في مكان لا يوجد فيه تبني للعمليات الإرهابية أحاط البيان بشكوك كثيرة. عكفت حينها على التنقيب في كل ما كتبه العاملي بمعزل عن البيان والذي تم نشره على كل حال على الرابط منسوب إلى حسابه في تويتر ولم يصدر تكذيب من أي جهة للبيان. وهكذا تبين لي بوضوح بأنني إزاء أحد المنظرين المركزيين الجدد للقاعدة والتيار "الجهادي" عموما وبشكل خاص تنظيم ."القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" اختطاف الرهائن اهتمام عناصر الفرقة الوطنية بشبكة القضاوي لم يكن وليد الصدفة، إذ أن هذه الشبكة كما ذكرنا كانت تضم بين صفوفها مقاتلين مروا من مخيمات تندوف، ولم يكن قد مر أنذاك سوى سنة على اختطاف ثلاثة عمال إغاثة: إسبانيين وإيطالية من المخيمات وعلى الأراضي الجزائرية. العملية التي تبنتها حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا كشفت بالملموس تغلغل التنظيمات الإرهابية داخل مخيمات البوليساريو، ولكي تبعد عنها كل الشبهات سارع قياديون بالجبهة الانفصالية إلى اتهام المخابرات المغربية بكونها وراء العملية، ولأن العملية ليست بكل هذه السذاجة فإن أكبر دليل يفند هذه الادعاءات هو الطوق الذي يضربه الجيش الجزائري ومخابرات بوتفليقة ثم ميليشات محمد عبد العزيز وولد البوهالي وزير دفاعه على المخيمات يجعل كل المراقبة مشددة ليس فقط على الدخلاء ولكن على سكان المخيمات أنفسهم. لقد عملت الميلشيات المسلحة والعسكر الجزائري في أكثر من مناسبة على إحباط عمليات فرار من المخيمات نحو الأقاليم الجنوبية المغربية، وبالتالي فالحراسة المشددة على المخيمات تبرز أن كل التحركات مراقبة اللهم تلك التي تغض قيادة البوليساريو عنها الطرف وهي في المستوى الأول عمليات التهريب التي تستفيد القيادة من ريعها، وتشمل المتاجرة في المساعدات الإنسانية وتهريب السجائر والممنوعات، ثم في المستوى الثاني تحركات الانفصاليين الموالين للقيادة الذين يتنقلون بين الجزائر وإسبانيا وكوبا، ثم في مستوى ثالث تجار ووسطاء تجارة الأسلحة خاصة الذين برزوا بشكل كبير بعد سقوط نظام معمر القذافي وتفكك عسكره وترسانته من السلاح. فكيف إذن في ظل هذا الطوق المضروب على تندوف تتسلل عناصر حركة التوحيد والجهاد إلى المخيمات وتقوم باختطاف ثلاثة أجانب؟ عملية الاختطاف تمت ليلة السبت الأحد 22 و23 أكتوبر من سنة 2011 عندما هاجم مسلحون تم تحديدهم في خمسة أشخاص مسلحين في الساعات الأخيرة من الليل مكان وجود الأجانب واختطافهم على متن سيارة رباعية الدفع. لم تقدم وزاة الخارجية الجزائرية أنذاك أية معلومات عن الخاطفين لكن قيادة البوليساريو قالت حينها بأن الاعتداء تم من طرف إرهابيين من داخل مخيم الرابوني، محددة بدقة توقيت الاختطاف الذي قالت إنه تم في منتصف الليل إلا الربع. تصريحات المسؤول عما يسمى بالإعلام الصحراوي لوسائل الإعلام الأجنبية كانت تورط الجبهة، خاصة حينما أعلن أن الإرهابيين المنتمين للقاعدة كانوا "واضحين جدا بشأن ما يحتاجون القيام به" أي أن هدفهم كان واضحا ومدروسا بدقة. المختطفون قيل إنهم قد تسللوا من التراب المالي وبعد تنفيذهم العملية فروا في اتجاه شمال موريتانيا، وهو ما تأكد بعد شهرين عندما أعلنت الشرطة الموريتانية عن اعتقالها شخصين متورطين في عملية الاختطاف أحدهما يعتبر مدبر العملية. وكانت عملية التوقيف قد تمت بفندق وسط مدينة نواديبو شمال شرقي موريتانيا بعد أن تمت مداهمة الفندق الذي قضى به المختطفان عشرة أيام. أحد الصحراويين المعتقلين يسمى مامينا لفقير أحمد بابا ويبلغ من العمر34 سنة وهو هاجم المخيم وكان يعرف مسبقا مكان وجود الأجانب. خلال التحقيق مع القضاوي الذي اعتقل في الحدود مع الجزائر، عرض المحققون عليه صورة شخص طويل القامة، نحيف البنية، أسمر البشرة، فتعرف عليه كونه كان يرافق المتطوعين للقتال شمال مالي وكانوا يلقبونه بالفاروق. وخلال استنطاق مع المتهمين سيتضح فيما بعد أنهما من المقيمين في مخيم الرابوني بتندوف، وهو ما سيتأكد بعد إعلان الجزائري أحمد تليمسي المدعو «عبد الرحمان ولد العامر» أحد الزعماء العسكريين للحركة تبنيه العملية، والذي سبق له أن اعتقل في الجزائر عدة مرات بسبب تهريب السجائر وتمتع بالسراح. ثلاث سنوات بعد ذلك ستعلن القوات الفرنسية قضاءها على تليمسي شمال مالي مع مجموعة من مرافقيه بعد أن ظل على رأس المطلوبين بسبب وقوفه وراء العديد من عمليات اختطاف الرهائن الأجانب. غير أن السؤال المطروح هو ماذا كان يفعل المعتقل الانفصالي مامينا ولد لفقير في مالي عاما بعد اعتقاله؟ والجواب هو أنه كان جزء من الثمن الذي تم تقديمه للحركة مقابل الإفراج عن الرهائن الذين قام الخاطفون بتهريبهم من الجزائر إلى شمال مالي، وقد تم إطلاق سراح مامينا مقابل الإفراج عن الرهائن طبعا مع فدية مالية ضخمة، وهو ما مكن مامينا من العودة إلى مالي كزعيم عسكري لحركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا. أما الشخص الثاني الذي كان قد أعلن عن اعتقاله مع مامينا ولد لفقير فلم يكن سوى ابن أحد أبرز القياديين في جبهة البوليساريو وهو ابن ممثل الجبهة في إسبانيا أغضفنا أحمد باب (والده حمادي أحمد باب)، والذي اعترف لدى الشرطة الموريتانية بتورطه في اختطاف الإسبانيين والإيطالية من مخيم الرابوني بتندوف. التواطؤ لا يقف عند هذا الحد بل يظهر حتى في صياغة بعض الأخبار التي يتم الترويج لها منها مثلا ما نشره موقع إخباري موريتاني في حول اعتقال المفتي محجوب محمد سيدي داخل في مخيمات تندوف في 2010إذ قال الموقع بأن الاعتقال لم يتم إلا "تحت تأثير الضغط الشديد" الذي دفع الأمن العسكري إلى توقيف المعني بالأمر وهو بالمناسبة أحد زعماء حركة أنصار الشريعة المرتبط بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، حيث تم حجز بحوزته أسلحة وأموال وعشرين كلغ من مادة تي إن تي الشديدة الانفجار. وقائع تؤكد الارتباط في سنة 2012 جاء مقال فرانسوا سودان الصادر في مجلة "جون أفريك" ليؤكد من خلال وقائع محددة تقاطع انفصاليى جبهة البوليساريو بالتنظيمات الإرهابية في المنطقة. وقد الكاتب الصحافي الفرنسي بسرد مجموعة من الأحداث كان أبطالها عناصر من البوليساريو وأقارب قياديين في الجبهة ممن تورطوا في عمليات إرهابية أو في المتاجرة في الأسلحة لفائدة إرهابيين. واستطاع فرانسوا سودان أن يثبت ما أشارنا إليه سابقا وهو التكوين الذي يخضع له متطرفو البوليساريو في الجزائر الشيء الذي يظهر بشكل لا غبار عليه تورطا على مستوى معين بالنظر للمراقبة الشديدة بالمخيمات. يقول في مقاله: «من غير الخفي، على الإطلاق، بالنسبة لانفصاليي جبهة البوليساريو والإعلام الجزائري وجود السلفية الجهادية في مخيمات تيندوف، فليس الأمر ظاهرة جديدة، الجديد فقط هو أن السلفية باتت تمثلها بالفعل حركة ."أنصار الشريعة" نهايات تسعينيات القرن الماضي؛ توجه عدد كبير من الطلبة الصحراويين إلى الجزائر للدراسة في جامعاتها التي كانت تعرف وجودا قويا للتيار السلفي، وتوجهوا أيضا إلى معهد جامعة الإمام محمد بن سعود (المعهد السعودي) في العاصمة الموريتانية نواكشوط (أغلق في العام 2003)، وبذلك وجد الإسلام الراديكالي صدى واسعا له، وبشكل سريع، في ثلاثة مساجد في مخيمات اللاجئين الصحراويين وهي: جامع عمر ابن الخطاب (مخيم السماره)، وجامع أبوبكر الصديق (مخيم أوسرد)، وجامع الكتاب والسنة (مخيم العيون). وكان ثلاثة أئمة اكتتبوا في المخيمات هم: محمد سالم لحبيشي، آبه ولد صالح، وإلياس أبو سلمان. وكانت أول مشاركة معروفة للتيار السلفي الراديكالي المنحدر من البوليساريو، خلال محاولة عملية إرهابية في ديسمبر 2003، حين أوقفت الشرطة الموريتانية في نواذيبو، جنديا سابقا في الجيش الشعبي لتحرير الصحراء التابع للبوليساريو، بتهمة سرقة متفجرات. بدت العملية وكأنها حادث معزول، لكن تبين سريعاً أن المعني بابا ولد محمد باخيلي يعمل لحساب الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي أصبحت تحمل اسم القاعدة في بلاد المغرب .الإسلامي، منذ يناير 2007 الصلة بين أعضاء في البوليساريو والسلفية الجهادية، تأكدت أيضا قبل أربعة أشهر من خلال تفكيك خلية لاكتتاب جهاديين، في موريتانيا، اعتقل خلالها زعيم الخلية محمد الأمين ولد لوليد الملقب معاوية، المنحدر من مخيمات تيندوف. قبل ذلك؛ وتحديداً في يونيو 2005، تجسدت تلك العلاقة بشكل دراماتيكي، حين وقع هجوم على قاعدة للجيش الموريتاني في منطقة لمغيطي على الحدود مع الجزائر، نفذته كتيبتان تابعتان للجماعة السلفية للدعوة والجهاد، الأولى كتيبة الملثمين بقيادة الجزائري مختار بلمختار، والثانية كتيبة طارق بن زياد، التي تضم عددا من الصحراويين. أثارت تلك العلاقة المزيد من الريبة خلال السنوات اللاحقة، وخلال عدة مواجهات عنيفة، في الجزائر ( الهجوم على كتيبة الدرك الوطني في بلدة المنية عام 2006). وفي موريتانيا تم تفكيك خلية تابعة للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، هاجمت السفارة الإسرائيلية في نواكشوط مطلع 2008. وفي النيجر وقعت مواجهة بين كتيبة طارق بن زياد والجيش النيجري في منطقة "تلميس" ديسمبر 2009. وشارك في كل تلك الأحداث صحراويون تلقوا تكوينهم العسكري في المعسكرات التابعة لجبهة البوليساريو، وجندهم أمراء القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، انطلاقا من مخيمات البوليساريو. بالنسبة لعبد المالك درودكال، زعيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، والأمراء الذين تعاقبوا على زعامة التنظيم في المنطقة الجنوبية: يحيى جوادي، نبيل مخلوف، ومؤخرا جمال عكاشة معروفون بأنهم قاموا بعلميات تجنيد واسعة في مخيمات البوليساريو، لتعويض النقص الحاصل في صفوفهم، وللحصول على محاربين مدربين بشكل جيد وعلى دراية كبيرة بالمجال الصحراوي. في نوفمبر عام 2007، أوقفت السلطات المالية، المدعو حكيم ولد أمبارك، وهو ابن موظف في البوليساريو، بعد أن ضبطت معه كمية كبيرة من حامض النتريك، وقامت مالي بتسليمه لموريتانيا، حيث حكم عليه بالسجن مدة عشر سنوات. وجه آخر للتعاون بين الطرفين: التهريب، حيث كان المدعو محمد ولد لوليد المعروف بمعاوية ضالعا في سرقة مخزونات المواد الطبية، والذخائر، وقطع الغيار، من مخيمات اللاجئين الصحراويين، وبيعها للجماعات الجهادية، من خلال استخدام نقاط مخفية، ومحددة عبر إحداثياتها بجهاز تحديد المواقع GPS». عمر الصحراوي ووثائق الجبهة إذا قلت لشخص إن الصحراء هي المنطقة التي توجد فيها الرمال فإنك لن تضيف شيئا إلى معارفه، وكذلك فإن عمر الصحراوي كان يوجد في كل دول الصحراء. الرجل الذي خبر المسالك الصحراوية يمكن أن يقطع آلاف الكيلومترات في مدة قياسية، متنقلا بين موريتانياوماليوجنوبالجزائرتشاد والسينغال، وذلك بفضل اللوجستيك الذي يملكه والسيارات رباعية الدفع التي يغيرها بين محطة وأخرى. غير أن العارفين بالرجل يقولون إن تندوف كانت محطته الرئيسية حيث كان يغير هويته ليصبح رجلا ثريا فقط بامتلاكه قطعان الإبل والماعز، متزوجا بفتاة من المخيمات. وهوية الصحراوي هي تلك التي تترجمها وثائق رسمية صادرة عن الإدارة الوهمية لجبهة البوليساريو تحت مسمى الجمهورية، خاصة بميلاده وبعنوانه وهي وثائق تحمل خاتم وتوقيع مسؤولين في الجبهة كما تحمل ترويسة إدارة البوليساريو ورقم هويته (79692146 ). اسم عمر ولد سيدي أحمد ولد حمة المشهور بعمر الصحراوي يمثل نقطة تقاطع في العديد من خيوط الشبكات النشيطة في مسالك الصحراء سواء المختصة في تهريب الكوكايين أو السجائر أو الأسلحة، كونه يملك أسطولا مستعدا لنقل أي بضاعة غير مشروعة عبر رمال الصحراء كما أنه وسيط فعال عمل في القواعد الخلفية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والجماعات الموالية له. لكن الصحراوي صاحب النفوذ داخل مخيمات تندوف سيصبح دوره فعالا في عمليات اختطاف الرهائن ونقلهم من منطقة إلى أخرى وتقمصه أحيانا أخرى دور الوساطة بين الجماعات الإرهابية والدول التي يتحدر منها المختطفون. وكانت أبرز عملية خطط لها عمر الصحراوي هي تلك التي تم خلالها اختطاف ثلاثة إسبان ينتمون لمنظمة غير حكومية تشتغل في إطار العمل التضامني. وتم اختطاف الإسبان بموريتانيا في 29نونبر 2009 على الطريق الرابطة بين نواديبو ونواكشوط. وخلال عملية الاختطاف أصيب أحد الرهائن برصاصة في ساقه، ورغم إعراب الديبلوماسية الإسبانية آنذاك عن استعدادها للتفاوض إنقاذا لحياة الرهينة المصابة إلا أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ظل يرفض العرض، إلى أن برز معطى جديدا يؤكد أهمية عمر الصحراوي. المعطى الجديد لم يكن سوى اعتقال الصحراوي في عملية استخباراتية دقيقة بقلب الصحراء. هذا المعطى غير موقف التنظيم الإرهابي وأصبح مستعدا للتفاوض بشروط أولها فدية مالية تراوحت ما بين سبعة وعشرة ملايين أورو، والشرط الثاني كان هو تسليم عمر الصحراوي في شمال مالي حيث كان التنظيم يبسط نفوذه في بعض المناطق. ورغم أن القضاء الموريتاني كان قد أدان عمر الصحراوي بالسجن المؤبد إلا أنه استجاب لعملية تبادل الرهائن وتسليمه المعتقل الانفصالي لمالي في غشت 2010 الذي عانق الحرية من جديد. ولا تنتهي قصة عمر الصحراوي عند هذا الحدود إلا لتبدأ قصص أخرى لارتباط الجبهة بشبكات الإرهاب والاتجار في السلاح، إذ أن مسالك الصحراء مليئة بأشباهه ممن تدربوا في مخيمات تندوف ويشتغلون لفائدة قادتها ويرعون مصالحهم لدى شبكات التهريب. ولأن السلطات الموريتاني قد طفح كيلها فقد باشرت مؤخرا عملية واسعة أدت إلى سقوط العديد من عناصر جبهة البوليساريو المتورطين في تهريب الأسلحة والكوكايين، وهي عملية نوعية تم خلالها حجز سيارات خاصة بالبوليساريو وأسلحة ومخدرات. وفي عملية ثانية مرتبطة بالأولى تمت خلال بداية هذا الشهر تعرضت قوات الجيش الموريتاني لإطلاق النار من طرف مهربي البوليساريو في منطقة قريبة من الحزام الأمني المغربي تدعى «بئر أم غرين». تقاطع الإرهاب وتجارة الأسلحة غير أن أهم عملية كشفت عن العلاقة الوطيدة بين جبهة البوليساريو والتنظيمات الإرهابية هي تلك التي أماط عنها المكتب المركزي للتحقيقات القضائية اللثام، موازاة مع تفكيك موريتانيا لشبكة الأسلحة وتهريب الكوكايين المرتبطة أيضا بعناصر من الجبهة. عملية البسيج أوقعت ثلاثة أشخاص من مراكشوالعيون بوجدور كانوا يستعدون لتسلم أسلحة من وسطاء مافيات مرتبطة بجبهة البوليساريو بل أكثر من ذلك فإن عددا من المتهمين كان متورطا في أحداث كديم إيزيك التي فضحت تورط الجزائر في العملية بحجز مبالغ مالية داخل المخيم بالعملة الجزائرية. التحقيقات كشفت أن المعتقلين خططوا لاستهداف أعوان سلطة وأمنية وأفراد من عائلاتهم واغتيالهم على طريقة داعش والتمثيل بجثثهم. مافيات الأسلحة المرتبطة بالجبهة نشطت بشكل كبير بعد انهيار نظام القدافي وبدأت في تزويد التنظيمات الإرهابية والجماعات المنتشرة بالساحل والصحراء بالأسلحة المهربة من ليبيا. ويتم التزود بهذه الأسلحة انطلاقا من الجنوب الليبي الذي يحتضن عدة معسكرات تابعة للإرهابيين والتي تعمل على تجنيد المقاتلين وتدريبهم، وفيها يتم عقد صفقات الأسلحة بين الوسطاء والتنظيمات الإرهابية الناشطة بالمنطقة. وكانت أكبر شحنة من الأسلحة اعترضتها السلطات الأمنية المغربية هي تلك التي تم حجزها قرب أمغالا سنة 2011 عقب تفكيك خلية إرهابية على صلة بتنظيمات إرهابية نشيطة في مالي. وتم ضبط هذه الأسلحة مخبأة في ثلاث مواقع متفرقة وتضم حوالي 33 بندقية رشاشة وراجمتين مضادتين للدبابات ومدفع هاون وذخائر. كل هذه الشبكات تنشط بعيدا عن المراقب في مناطق صحراوية صعبة المسالك ولا يعرفها سوى الراسخون في رمال الصحراء أمثال عمر الصحراوي وآخرون من عناصر البوليساريو، وهو ما جعل هذه الشبكات متشعبة ومتشابكة وتشكل تهديدا لدول المنطقة خاصة في غياب سلطة مركزية على الأراضي التي منحتها الجزائر لقيادة البوليساريو كي تقود منها هجومها على المغرب. هذه التقاطعات هي التي تستفيد منها قيادة البوليساريو من أجل مواصلة استمرارها وتمويل نشاطاتها، ومضاعفة ثروات رموزها.