بقلم الأستاذ والصحفي: بوشعيب حمراوي إنها فتنة الإعلام ....عندما يتحول النقيب إلى منقب سياسي يلهث وراء التموقع والجاه، ولا يجد أدنى حرجا في الركوب على من نصبوه نقيبا، من أجل الدفاع عنهم.. ولا يخجل من لهثه وراء الحقائب والمناصب الحزبية والسياسية، ناسيا أنه يقود قطارا ملكيا، وأن عليه أن يرعى ويراعي صاحبة الجلالة التي بوأته مكانة رفيعة، ما كان ليحلم بها ولا حتى يتخيلها للحظات... نقيب حول مسار القطار من على سكته، وعرج بصاحبة الجلالة إلى داخل المتاهة والمجهول.. إنها حرب الأقلام والكلام التي يقودها سعادة النقيب، قائد لسان حزب الميزان والموازنة.. حرب مدعمة من طرف أعداء الإعلام والصحافة.. فجأة برزت عيون وشلالات حرية التعبير والتفكير متدفقة هنا وهناك في الأزقة والشوارع والمدن والقرى والمداشر...حرية هدفها ضرب الجسم الصحفي.. حبيسة الأقلام والأوراق والأفواه داخل مملكة الإعلام... لا تجد لها مخرجا ولا فضاء في أرض الواقع... لعل سعادة النقيب عبد الله البقالي لم يدرك أبعاد تلك التهم التي كالها للجرائد الوطنية (الأخبار، الصباح، الأحداث المغربية)، أو لعله كالها لها عن قصد، وعن سبق إصرار وترصد..ولو أنه حاول تنقية وتطهير سمعة وشرف الصحفيين العاملين بتلك الجرائد، وتحميل تهمه للمشرفين عليها.. لكن التهم التي تضرب الجرائد، لاشك ستصيب العاملين بها. ولاشك أنها ستسيء أولا وأخيرا إليهم. لأن الجرائد، وقبل أن تكون شركات ومقاولات ومؤسسات إعلامية، فهي كثلة من الصحافيين.. كما أن ضرب مؤسسة إعلامية، هو ضرب في العمق لمجموعة العاملين بها، ماديا ومعنويا.. قال البقالي إن الدولة تسخر تلك الجرائد للتصدي لحراك الريف.. وهو كلام يدخل في إطار التسويق السياسي، ومن العيب والعار أن يصدر عن نقيب للصحافيين.. ناسيا أن قلم النقيب لم ينقب شيئا يذكر بخصوص هذا الحراك المؤيد من طرف كل الشعب، باعتباره حراكا من أجل انتزاع مطالب اجتماعية واقتصادية.. وأن تلك الخرجة الاستعراضية للنقيب، لن تدخل إلا في إطار البحث عن التموقع الحزبي والسياسي بالمغرب وبمدينة العرائش.. وفي كلتا الحالتين فإن تلك التهم الصادرة على لسان من نصب نقيبا للصحافيين، تدخل في إطار الخراف السياسي الذي بات يسيطر على البقالي، والذي أبان من خلاله أنه اختير نقيبا بالخطأ، وبات من المفروض إقالته. والكف عن تنصيب سياسيين ومتحزبين على رأس نقابة تخص قطاع الإعلام والصحافة. وبات من الضروري وقف مهزلة تناوب بعض الأحزاب على مقعد الصدارة الصحفية. كما بات من الضروري تعامل الحكومة بالتساوي مع كل النقابات الإعلامية. والتوقف عن مغازلة نقابة باعتبار أن قائدها له تموقعات حزبية وسياسية. هل يعلم نقيب آخر الزمن، أن من يخدمهم.. هم تركونا نفكر ونعبر ونحرر بكل حرية وبدون خطوط حمراء... لعلمهم أننا لا نحاربهم، ولكننا نحارب أنفسنا وذواتنا... نعيش حربا أهلية... أشعل فتيلها صحافيون من طينة النقيب، ومعهم كتاب ومذيعين ومعلقين و.... هؤلاء الذين تركوا الفساد والاستبداد جانبا... يتغذى من دموع ودماء وعرق الفقراء والأبرياء من الشعب المغربي... وقرروا الدخول في نزالات وصراعات واهية للإطاحة ببعضهم البعض... ناسين أو متناسين أنهم جسم واحد، وأن كل عضو منهم فسد أو أفسد...لاشك سيصيب باقي الأعضاء بنفس العدوى، وأن كل أعضاء الجسم الصحفي ستعاني من حمى مرض فساد ذلك العضو...حرب زادت من توسيع نطاقها داخل مملكة السلطة الرابعة، لتطال الشعب كل الشعب...الشعب الطيب الذي فقد الثقة في الأحزاب والنقابات وكل السلط ، ولازال متمسكا ببعض خيوط الثقة التي تربطه بالإعلام... تلك الخيوط التي بدت الآن كالسراب... خيوط دخان أو سحابات ماضية في طريقها إلى رمي الصحافة المغربية في مزبلة التاريخ...هذا التاريخ الذي سيسجل بحسرة وألم أن الصحافة المغربية التي كان يعول عليها الشعب من أجل تنقية وتطهير كل السلطات، تحولت في زمننا إلى مصدر للتعفن، ومصنع لصناعة النفوذ وحماية الفساد والاستبداد...سيكتب التاريخ بدموع الشعب ودمائه وعرقه وكل سوائله البشرية... عن خيبة آمال الضعفاء والفقراء والمظلومين في صحافة، بات بعد روادها وقادتها يمتهنون السخافة، والاسترزاق بأقلامهم وأفواههم... إنها الحرب داخل مملكة الإعلام المغربي... أرادها من فشلوا في تنفيذ مخططات السطو على أموال الشعب والظفر بقيادته...فرصدوا لها الموارد المالية والبشرية اللازمة لزرع العبث والفوضى ونشر اليأس والإحباط في نفوس المغاربة الطيبين... أليست حربا أهلية ....عندما يصبح الصحفي والنقيب (يا حسرة) خصما وعدوا لزميله... عندما يتحول إلى عميل مدسوس داخل منبر إعلامي مكتوب أو مسموع أو مرئي أو الكتروني...عندما يفضل المساومة والتواطؤ والمزايدة على زميل له أو على منبر إعلامي منافس... بدلا من الجرأة في فضح الفساد والمفسدين والمهنية والحياد في نقل الأحداث والوقائع، والديمقراطية في التواصل والتحاور واستقاء الآراء والشروحات والتعليلات...عندما تهتم المنابر الإعلامية بتحليلات وآراء وأفكار زملائهم، وانتقادها دفاعا عن شخصيات وقطاعات تتغذى من أموالها، بفيض من الإعلانات الإشهارية والرشاوي المقننة بغطاء الدعم والتحفيز والتشجيع... عندما يتجرأ مفسدون ومسخرون وسباحون في المياه العكرة، وأعداء الوطن على الاجتماع بصحافيين وصحافيات وناشرين، لضرب زملاء لهم في نفس القطاع... عندما يقبل هؤلاء بالتعاقد والتوافق مع الشر من أجل النيل من سمعة وشرف صحفي أو جريدة أو إذاعة أو قناة أو موقع الكتروني... عندما يكتب أو يصرح زميل في منبره الإعلامي، بهراء يهدف من وراءه ضرب مقال أو تصريح لزميل له في منبر آخر... أليست حربا أهلية ....عندما تتحول حرب الإعلام اتجاه الفساد والاستبداد، المعلنة باسم السلطة الرابعة، إلى حرب أهلية بين الكتاب والصحفيين والمذيعين، وتتحول المنابر الإعلامية إلى غرف للكراء، والدعارة السياسية، ويصبح الصحافيين أقلام وأبواقا مأجورة، لمن يدفع أكثر... عندما تؤسس الجرائد والإذاعات والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية... ومختلف المنابر الإعلامية من أجل الرد على مقال أو تصريح، ومن أجل الدعاية والإشهار السياسي... عندما يصبح الصحفي سجين جريدة أو إذاعة أو قناة أو موقع الكتروني... ينادي بالشفافية والديمقراطية النزاهة و... ولا يجد لتلك الكلمات الفلكورية أثرا ولا صدى داخل منبره الإعلامي... عندما يصبح الصحفي حريصا على وظيفته داخل الجريدة وراتبه الشهري، أكثر من حرصه على المهنية والمسؤولية التي تطوقه... ويصبح مرغما على العمل بتوجيهات من هم أعلى درجة منه في سلم المنبر، ومقيدا بخطوط منبه الحمراء وخط تحريرها الغامض... عندما تفرض عليه التغطية أو التعرية ويتحول إلى مجرد ببغاء أو ناسخة. يعيد سرد أو كتابة ما يسطر له في الخفاء... فمتى ستتحرك تلك الأقلية القليلة من شرفاء هذا البلد، من داخل عالم الإعلام أو خارجه، من أجل وقف نزيف دم الجسم الصحفي، وإعادة الاعتبار إلى الصحافة ودورها في إبراز الحقائق وفضح المفسدين...متى نكف عن مصارعة بعضنا البعض، ونتحد من أجل المهنية والمصلحة العامة...ونصوب مدافعنا المتمثلة أساسا في أقلامنا وأصواتنا صوب قضايا البلاد ومشاكله.. متى ندرك أن الحكم الأول والأخير لكل منبر إعلامي هو القارئ والمشاهد والمستمع ... هو الشعب ... فاتركوا الشعب يختار واتركوا القضاء يصحح كل مسار .. واتركونا في سلام يرحمكم العزيز الجبار ....