كل أسرة لملمت أشتات أفرادها للمشاركة جماعة في «الخرجة» الأسبوعية. الأب والأم والأبناء بصغارهم وكبارهم، استعدوا للتحرك بعيدا عن حيهم الصفيحي. شباب في كامل عنفوانهم البدني، وكهول وشيوخ أخذ منهم الوهن جزء من لياقتهم، ونساء مثقلات بأعباء الأشغال المنزلية. الجميع كانوا على موعد زوال أول أمس الأحد للسير على الأقدام عدة كيلومترات، انطلاقا من مدار إقامة اليقين بسيدي مومن إلى وسط البرنوصي. كل من حضر في الموعد والمكان المحددين، زحف جنبا إلى جنب لمدة أكثر من ساعة ضمن المئات من قاطني «كاريان الرحامنة»، الذين شقوا طريقهم عبر إقامة الجوهرة، وقنطرة الطريق السيار والتجمع السكني الضحى، وصولا لشارع الباعمراني، ثم انعطافا إلى شارع أبي در الغفاري، والمرور في خضم زحمة الباعة والمتسوقين بحي طارق. هذا التحرك لكتل بشرية، لم يكن غايته القيام بنزهة «الويكاند» في يوم مشمس، أو من أجل جولة للتبضع أو قتل وقت الفراغ في بعض الأسواق الشعبية. بل هي مسيرة احتجاجية، انطلقت في حدود الساعة الرابعة زولا من يوم الأحد 19 فبراير الجاري، شارك فيها حوالي ألفين من قاطني «كاريان الرحامنة»، الذين قرروا تنظيم وقفة واعتصام أمام مقر عمالة البرنوصي للتعبير عن معاناتهم المستمرة من السكن تحت سقف براريك بئيسة، وللمطالبة بصوت الهتافات والشعارات وصورة الافتات والمجسمات بحقهم في الاستفادة من مشاريع إعادة الإيواء. هذه المسيرة التي وصفها شهود عيان بأنها كانت حاشدة عدة وعددا، ونابضة بحناجر المشاركين فيها، وشهدت تنظيما محكما أطره شباب من أبناء «كاريان الرحامنة»، حيث تكلفت مجموعات منهم بتنظيم حركة السير تجنبا لعرقلة مرور السيارات، وأخرى كان دورها ضبط مسار المسيرة من جوانبها وحماية المحلات التجارية المحاذية للأرصفة من أي احتكاك قد يطال بضائعهم. ورغم المسافة الطويلة والعابرة لعدة أحياء وشوارع، فقد ظلت حشود المحتجين تهتف ملء حناجرها بشعارات مطالبة بتسريع عملية إعادة الهيكلة، ورافضة بصيغة تعبيرها ل «التماطل والتسويف الذي تنهجه السلطات المعنية، التي لا تراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية للساكنة». كما عبر المشاركون بنسائهم ورجالهم وأطفالهم من خلال عدة لافتات وشعارات المكتوبة على قطع ورقية وثوبية عن رفضهم لما يسمى «لجنة الحكماء»، التي حسب رأي بعض المنظمين «لا تمثل إلا نفسها لأن عدد من المنتمين لها لا علاقة لهم بالسكان، وأنهم يبحثون عن مصالح شخصية ولبعضهم سوابق في تفريخ البراريك...». ومن بين الشعارات التي رفعت في هذا السياق لافتة جاء فيها بالحرف « سكان كاريان الرحامنة لا يعترفون بلجنة الحكماء، ونقول للسلطة أنهم إذا كانوا هم الحكماء فنحن أغبياء». أحد المشاركين اختار مسجما مصغرا ل«براكة» من الصفيح، وضعها خلف دراجته الهوائية، بعد أن خط على واجهتها عبارة «واش هادي دار يسكن فيها البشر». وبعد الوصول المشاركين في المسيرة إلى الساحة المقابلة للمدخل الرئيسي لعمالة البرنوصي، اعتصموا لمدة نصف ساعة، رددوا خلالها قائمة من الشعارات والهتافات، التي يصرون فيها على حقهم في السكن اللائق، ويؤكدون لكل من يعنيهم الأمر أنهم عازمون على الاستمرار في تنظيم مسيرات مماثلة نهاية كل أسبوع إلى أن تتحقق مطالبهم، ثم انصرفوا في هدوء نحو مساكنهم وفي قلوبهم غصة الانتظار وحرقة تجاهل السلطات المحلية لملفهم الساخن.