صفحة طويت من كتاب العلاقات الفرنسية المغربية، و أخرى تفتح مع أنباء عن زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي فرونسوا هولاند للرباط شهر شتنبر، زيارة تكتسي أهمية بالغة و ذات حمولة رمزية كبيرة. تأتي هذه الزيارة بعد عاصفة امتدت لسنة كاملة، تضررت معها الآلة الفرنسية المغربية بشكل هائل لدرجة توقف معها التعاون القضائي بين البلدين، و لحسن الحظ، و بمبادرة من المغرب، تم حل الخلاف عن طريق اعادة النظر في بنود اتفاقية التعاون القضائي التي تجمع البلدين. ولقول الأشياء كما هي، مغرب محمد السادس لم يقم سوى بطلب اقامة علاقة متوازنة مع فرنسا، و لنتذكر على كل حال أن فرنسا هي من كانت وراء الأزمة بقرارها توقيف رئيس مكافحة التجسس الداخلي عبد اللطيف الحموشي بباريس. و قد كان للمغرب كل الحق في اعتبار هذا القرار انتهاكا صريحا لسيادته و كرامته، بالاضافة الى كرامة الشخص المعني بالأمر، و الذي وشحته اسبانيا في عز الأزمة، اعترافا له بمجهوداته في مكافحة التطرف و الارهاب. اليوم، و بعد أن وافق برلمان كل من الدولتين على النسخة الجديدة من اتفاقية التعاون القضائي بينهما، ستكون زيارة فرونسوا هولاند مناسبة لدفن نزوعات هذا الصراع، و الذي لم يكن من الضروري أبدا أن يرى النور أصلا. ووفقا للمعلومات التي نشرتها وسائل اعلام عديدة، و من بينها جون أفريك، سيقوم الرئيس الفرنسي بتوشيح عبد اللطيف الحموشي، بالوسام الفرنسي الرفيع، وسام جوقة الشرف، توشيح يعيد فقط الأمور الى نصابها، و لكنه أيضا رسالة للوبي المعادي للمغرب، و الذي ينشط كثيرا في فرنسا ليضرب قوة العلاقات المغربية الفرنسية، و ليزعزع مرتكزات الشراكة الاستثنائية بين البلدين. و بالمناسبة، و حتى نقتنع بالأهمية القصوى لهذه الشراكة، لنعد ببساطة لتصريحات بعض السياسيين الفرنسيين عقب العملية الارهابية لشارلي ايبدو، و التي خلفت ذكرى حزينة، فقد صرح وزير الداخلية الأسبق شارل باسكوا بأن هذه العملية لم تكن أبدا لتقع لو تم الحفاظ على العلاقات المغربية الفرنسية في مستواها، شارل باسكوا لم يكن طبعا لوحده، سياسيون فرنسيون آخرون قاموا باعطاء تصريحات تسير في نفس المنحى. هل تعني زيارة فرانسوا هولاند المقررة للمغرب أن فرنسا قد فهمت الدور المهم الذي يلعبه المغرب كعامل استقرار ? ليس فقط في المغرب العربي، و لكن في كل مكان يشكل فيه التطرف الاسلامي خطرا و تهديدا، اسبانيا فهمت هذا الأمر منذ مدة، و أرست سياستها الأمنية ضد الارهاب بادخال التعاون المغربي الاستخباراتي كمعطى أساسي. تصريحات المسؤولين الاسبان، سواء كان وزير الداخلية، أو وزير العدل، أو القاضي المكلف بقضايا الارهاب، و التي تم نشرها في مجلة لوبسيرفاتور دي ماروك اي دافريك (L'Observateur du Maroc et d'Afrique)، أو في الموقع لوبسيرفاتور.أنفو (lobservateur.info)، تؤكد في كل مرة على الأهمية البالغة و المزدوجة التي للمغرب ، بصفته أولا، يدعو و يشجع الاسلام المعتدل، و ثانيا، باعتباره آلة امنية و قضائية فعالة ضد الارهابيين. في خطاب عيد العرش لهذه السنة، أكد الملك محمد السادس على هذا الاسلام السني على مذهب مالك، الاسلام السلمي و المنفتح على كل الثقافات و الديانات، و الذي يتميز بعدم وصايته على ايمان الآخرين، بمن فيهم المسلمين. هذا هو تصور و مفهوم الاسلام الذي يسمح للمغرب بأن يكون صديقا للجميع، أو تقريبا، فالمتطرفون و الارهابيون لا يحبون انفتاح المغرب و لا أداءه الأمني و لا انجازاته الاستخباراتية، و ضد هؤلاء جاء تنبيه ملك المغرب لمواطنيه: «فلا تسمح لأحد من الخارج أن يعطيك الدروس في دينك. ولا تقبل دعوة أحد لاتباع أي مذهب أو منهج، قادم من الشرق أو الغرب، أو من الشمال أو الجنوب، رغم احترامي لجميع الديانات السماوية، والمذاهب التابعة لها». هناك الدين، و لكن هناك أيضا القيم الكونية التي يؤمن بها الملك، و قد تمت الاشارة الى هذا الأمر في خطاب العرش نفسه، و قد قال الملك موصيا المغاربة ألا ينسوا: «لماذا ضحى المغاربة بأرواحهم في الحرب العالمية الأولى والثانية، وفي مختلف بقاع العالم»، و لا نسيان سبب نفي جده محمد الخامس، و قد أشار لذلك بالقول: «لقد كان ذلك من أجل نصرة القيم الروحية والإنسانية، التي نؤمن بها جميعا. كما نحارب اليوم ضد التطرف والإرهاب». لهذا يعتبر المغرب شريكا للعالم الغربي، و يجعله الوحيد في العالم العربي على هذا المستوى، العلاقات مع الدول الأخرى ينبغي أن تكون متوازنة ومبنية على الكرامة دون أن ننسى المصالح المتبادلة. و هذا ما يمكن المغرب أيضا من التقدم في تنافسيته الاقتصادية، و المضي قدما في السباق الاقتصادي العالمي. و يستضيف المغرب على أراضيه عددا من المجموعات الصناعية الكبرى العاملة في صناعة الطائرات والسيارات، والتكنولوجيات الجديدة.. وهذا ما سمح له أيضا أن يكون واحدا من أكبر المستثمرين والشركاء في أفريقيا. بالتأكيد، المغرب بحاجة للعالم الغربي، و فرنسا هي الأقرب اليه، لكن علينا أن ندرك أكثر فأكثر، أن العالم الغربي أصبح بحاجة للمغرب أكثر من أي وقت مضى، و سياسة فرنسا اتجاه هذا البلد لا يجب، لهذا السبب، أن تكون رهينة للتجاذبات السياسية الداخلية الفرنسية.