AHDATH.INFO- نيويورك – خاص وسط مؤامرة إرهابية أُحبطت الأسبوع الماضي في الولاياتالمتحدة واعتقالات واسعة لِمن يُشتبه في أنهم أعضاء "داعش" في جميع أنحاء أوروبا، تطورت المناقشة الحادة العامة حول الإسلام السياسي المتطرف في الغرب. في البداية، تم التركيز في نطاق ضيق على مشكلة "المقاتلين الأجانب" – المسلمين الأوروبيين والأمريكيين، المتطرفين والمُتدربين في سوريا والعراق، الذين يعودون إلى أوطانهم لمهاجمة بُلدانهم الأصلية. ولكن في الأيام القليلة الماضية، أُثيرت مخاوف بشأن حركةٍ في الاتجاه المعاكس: جالية المسلمين المهاجرين الذين يُعتبرون مُصَدِّرين محتمَلين للتطرف لوحدِهم، والذين قد يشكلون تهديدا حتى على أمن الدول العربية. فقد قال لي مؤخرا صديقٌ من المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، أنه بعد عقودٍ خشِي خلالها الغرب تصدير الأيديولوجيات المتطرفة من بلادهم، أصبح بعض العرب الآن قلقين بشأن المتحولين الغربيين للإسلام الذين قد يسافرون شرقًا – بجوازات سفر أوروبية أو أمريكية – ويشنون هجمات عليها. وعلى نطاق أوسع، لاحظ المراقبون العرب وكذلك الأمريكيون أن العديد من الحركات الإسلامية السياسية التي تم حظرها في العالم العربي تتمتع بحرية التنظيم والعمل مع الإفلات من العقاب في الغرب. وعلى الرغم من أن هذه المنظمات قد لا تشن هجمات عنيفة بنفسها، فإن نشاطها السياسي يدعم انتشار الأيديولوجيات التي تحرض على أعمال العنف – كما أنها تُحبط جهود الإصلاح الاجتماعي التدريجي التي تعتبر أساسية في معالجة أسباب الإرهاب. ولكن، في حين أن هذه المخاوف عقلانية ومفهومة، فهي تحجب اتجاهًا أكبر بموجبه يساعِدُ العربُ المسلمون في الغرب بلدانَهم الأصلية أكثر بكثير من إلحاق الأذى بها.. نجد مثالا على ذلك في دراسة حول "الهجرة والتنمية الدولية"، صدرت في عام 2005 من قبل الأمانة العامة للأمم المتحدة. تمت ملاحظة أنه على مدى السنوات القليلة السابقة، بدأت معدلات الولادة في تونس والمغرب في الانخفاض – ويُعتبر ذلك جيدًا من حيث آفاق التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة – في حين أن معدل الولادات في مصر قد استمر في التسارُع، مما أسهَم في زعزعة الاستقرار في ذلك البلد. وفي محاولة لفهم أسباب اختلاف معدلات الولادة، فحصت الدراسة بيانات إحصائية عن العمال من هذه الدول الذين هاجروا إلى الخارج للعمل و قاموا بارسال المال لأسرهم. أصر التونسيون والمغاربة، والذي كان معظمهم يعمل في أوروبا، أن تقوم قريباتُهم بتأخير الإنجاب حتى إنهاء الدراسة – وأحيانا كانوا يطالبهن بذلك كشرط لتلقي أموالهن. على النقيض من ذلك، فإن معظم المصريين، المهاجرين للعمل في دول الخليج وليبيا، لا يبذلون أي مطالب مماثلة. بل على العكس من ذلك، فهم يمتثلون للقيم الأبوية التقليدية التي تسود البلدان التي يعملون بها. كان استنتاج الباحث أن الملايين من العرب المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا قد أصبحوا، في الواقع، أجهزة لإرسال المُثُل الأوروبية لبلدانهم الأصلية – مع الأثر الديمغرافي الشاسع على المدى البعيد والذي استفادت منه الدول العربية على غرار المغرب وتونس إلى حد كبير. ومن المؤكد أن الغرب يستضيف معاقل قوية من الإسلام السياسي المتطرف، وكذلك جيوبًا صغيرة من التطرف العنيف. ولكن تم تعليق الآمال، بعد مآسي هذا الشهر، على حملة منسقة لمواجهة هذه الاتجاهات الخبيثة، من خلال مجموعة من الإجراءات الأمنية والاستراتيجيات السياسية. وفي الوقت نفسه، نجد أبناء وبنات الجالية المسلمة تخدم بلدانها الأصلية بالعديد من الطرق، الكبيرة منها والصغيرة: فهم يشاركون في بعض المبادرات غير الربحية الأكثر جدارة بالثناء في الغرب والتي تخدم العالم العربي. فهُمْ جسورٌ فكرية وثقافية تستفيد منها كل من المجتمعات العربية التي أنتجتهم والدول الغربية التي قبلتهم كمواطنين. وفي النهاية, بعدما تفشل وتسقط إيديولوجيات اليوم المتشددة، سيستمر المهجر العربي الإسلامي ليكون قناةً للقيم وأدوات للتنمية مفيدة حقا لبلدان ال"ضاد".