تميزت بداية الألفية الثالثة الميلادية بتصاعد الإسلاموفوبيا بشكل كبير، وربما تكون هجمات 11 سبتمبر 2001 على رموز القوة الاقتصادية والعسكرية في أمريكا قد عجّلت بتفشي هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية، لكن هاجس الخوف من الإسلام وتأجيج الكراهية ضد المسلمين لم يختف أو يضعف مع تقادم العهد على ذلك الحدث المروع (مرور أكثر من عقد من الزمن)، لكنه يسجل انتشارا مقلقا في الأوساط الشعبية والرسمية معا. ويعتبر انتشار الإسلاموفوبيا، مؤشرا مقلقا على مدى تراجع القيم، حيث باتت الظاهرة تشكل خطرا على الاستقرار والسلم داخل المجتمعات الأوروبية. إن أكبر التحديات التي تواجه أوروبا اليوم هو إدماج الإسلام نظرا لتواجد جالية كبيرة جدا تعتنق الدين الإسلامي. وقد أظهر استطلاع للرأي أن حوالي 70% من الفرنسيين يمتلكون تصورا سيئا عن الإسلام، كما أن التصرفات الإسلاموفوبية اللفظية والجسدية ارتفعت في فرنسا بنسبة 25% في سنة 2013 مقارنة بما كانت عليه في سنة 2012، وكانت التصرفات الإسلاموفوبية في فرنسا ارتفعت بين سنوات 2010 و2012 بأكثر من %57 وفي بريطانيا, بلد الحريات وحقوق الإنسان, نشرت صحيفة ”ديلي ستار”، استطلاعا يظهر أن أكثر من ربع البريطانيين الشباب يعتقدون أن بلادهم ستكون أفضل من دون المسلمين، كما أن 60% منهم يعتقدون أن الرأي العام في بلادهم يحمل صورة سلبية عن المسلمين. هذه الأرقام المقلقة تؤكد تحول الإسلاموفوبيا من توجه عنصري تتبناه أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، والتي ارتفع رصيدها الانتخابي في العشرية الأخيرة بسبب ضغوط الأزمة الاقتصادية وتوجيه اللوم والكراهية إلى المهاجرين، خصوصا من ذوي الأصول العربية والديانة الإسلامية، إلى سياسة تتبناها بعض الحكومات والهيئات الرسمية الأوروبية، وأصبح الكثير من السياسيين المنتمين إلى الأحزاب السياسية التقليدية الكبيرة والديمقراطية في أوروبا يزايدون بورقة الإسلاموفوبيا على عناصر اليمين المتطرف في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة. في تفسير المصطلح الإسلاموفوبيا هو لفظ حديث نسبيا و هو مصطلح يتكون من كلمتين : إسلام و فوبيا. و تعد الفوبيا فى علم السيكولوجيا هى خوف مرضى يسيطر على وجدان الانسان. لكن الإسلاموفوبيا ليست خوف أو مرض نفسى أو شخصى لكن هى صورة نمطية مسبقة عن الإسلام و المسلمين تخلق كراهية و عداء للإسلام و المسلمين و تروجها فى المجتمعات الغربية أجهزة الإعلام للإثارة أو التوظيف السياسى و الحركات العنصرية المتطرفة و الأحزاب و المنظمات اليمينية المتطرفة بهدف تخويف الناس من زيادة عدد المسلمين فى المجتمع و التأثيرات السلبية التى يمكن أن تحصل من جراء ذلك, و فى نفس الوقت تهدف إلى تبرير الحروب العسكريه التى يشنها الغرب على بلاد المسلمين. انتقل مصطلح إسلاموفوبيا بمعنى الخوف من الإسلام من اللغة الأنجليزية إلى لغات العالم المختلفة بدون استثناء. يعود أول تأريخ لهذا المصطلح إلى سنة 1987 و تعود أول محاولة لتعريف هذا المصطلح إلى عام 1997 عندما حدد البريطاني, رونيميد تروست, الإسلاموفوبيا "كالخوف غير محدد للإسلام، وبالتالي الخوف الذي قد يخلق الكراهية تجاه كل أو معظم المسلمين". لكن استخدامه زاد بعد الهجمات الإرهابية فى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001 و عمليات إرهابية أخرى كانت أوربا مسرحا لها هذه المرة, منها تفجير قطارات مدريد فى إسبانيا و كذا تفجيرات محطة مترو فى لندن. و يستخدم علماء الاجتماع كفيلهلم هايتماير مصطلح الإسلاموفوبيا جنبا إلى جنب مع ظواهر مثل العنصرية وكراهية الأجانب ومعاداة السامية أو حتى "ظاهرة" كراهية مجموعات من الناس كما هو الحال أن تكون في موقف سلبي من عامة الشعب المسلم ومن جميع الأديان والرموز الدينية، وممارسات الشعائر الإسلامية. و تختلف المذاهب بشأن تفسير ظاهرة العداء للإسلام في أوروبا، بين من يرى فيها تجليا لصراع ديني وثقافي ممتد عبر العصور، ومن يعتبرها أحد مظاهر الاستهداف السياسي والإعلامي الذي يتعرض له العالم الإسلامي,في حين يميل البعض الآخر إلى إلقاء اللوم على طوائف من العرب والمسلمين متهمة باستفزاز الغرب واستعدائه بمواقف وتصرفات توصم بالطيش. الإسلاموفوبيا: الظاهرة المتزايدة أكدت تصريحات مسؤولين أوروبيين في فترات سابقة وعيهم بحقيقة وإشكالية هذه الظاهرة، حيث طالب وزير الخارجية الإسباني السابق ميغيل أنخيل موراتينوس، في المؤتمر الدولي لمنظّمة الأمن والتعاون في أوروبا حول التعصب والتمييز ضد المسلمين في أكتوبر,2007 باتخاذ خطوات حاسمة ضد ظاهرة العداء المَرَضي للإسلام التي قال عنها إنها آخذة في التنامي، مشيراً إلى أن التقارير التي يعدّها المرصد الأوروبي لمكافحة العنصرية وكراهية الأجانب منذ 2001 تدلّ على تنامي المواقف والتصرفات المعادية والرافضة للمسلمين في مجال العمل والسكن والتعليم. الأمر نفسه أكده الائتلاف ضد الإسلاموفوبيا، حيث سجل حصول 80 عملاً مناهضاً للإسلام والمسلمين في فرنسا خلال عام ,2008 تمثلت في الإساءة لأشخاص واعتداءات على مساجد، ومقابر المسلمين التي لم تسلم هي الأخرى من هذا العداء, وسجلت رابطة مسلمي فرنسا أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تفشت بشكل سريع في المجتمع الفرنسي، حيث قفزت الشكاوى بالظاهرة من 1500 شكوى سنة 2002 إلى 9 آلاف سنة .2008 و عرفت إسبانيا بدورها و التي تعرف استقرار جالية مسلمة كبيرة و تسامحا أكبر من دول أوربية أخرى, فصولا تعكس تأثرها بما يجري على الساحة الأوربية من تزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا, حيث وصل عدد البلديات التي قررت حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة إلى 13 بلدية, مع فرض غرامة مالية تتراوح بين 50 إلى 200 يورو على كل من ارتدى النقاب في الأماكن العامة, غير أن المحكمة العليا في إسبانيا عمدت إلى إبطال قرارات حظر ارتداء النقاب في المباني العامة استنادا الى حرية العقيدة وقالت أن المخاوف الأمنية التي تمت سياقتها لا أساس لها, وقالت المحكمة في حكمها الصادر أن قرار الحظر يمكن ان يعمق مشكلة التمييز العنصري لا أن يساهم في القضاء عليها لانه قد يجبر بعض النساء على ان يمكثن في منازلهن ولا يندمجن مع المجتمع الاسباني. بكل تأكيد هناك عوامل سياسية واقتصادية وراء مظاهر العداء للمسلمين الذين ارتفع عددهم من مئات الآلاف في الخمسينيات من القرن الماضي, إلى ما يقرب من 16 مليون مسلم في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يبرر رغبة التيار اليميني المتطرف في التضييق على الجاليات المسلمة وربما السعي في المدى المتوسط أو البعيد للضغط عليها في اتجاه العودة لبلدانها الأصلية في ظل أزمة مالية واقتصادية عالمية خانقة. و كان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي, أكمل الدين إحسان أوغلو, قد صرّح : إن ظاهرة ما يعرف بالإسلاموفوبيا أو العداء للإسلام "آخذة في الازدياد"، مجددًا تحذيره من صعود اليمين المتطرف عبر صناديق الاقتراع في بعض الدول الأوروبية. وبحسب أوغلو في بيان له، فإن "الظاهرة في صعود ودخلت بالفعل مرحلتها الثالثة"، مشيرًا إلى أن المرحلتين الأوليين هما "استغلال حرية التعبير للإساءة إلى الإسلام كما حدث في الرسوم الكاريكاتورية وفيلم فتنة المسيئين للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والثانية من خلال مأسسة العداء للمسلمين، كما جرى في الاستفتاء الشعبي الذي شهدته سويسرا وأسفر عن قرار منع بناء المآذن. وأوضح أن "المتطرفين في العالم الإسلامي يقدمون صورة خاطئة عن الإسلام وهو ما قد يختزل الإسلام في ممارسات ليست من صلبه في شيء"، وأن "التطرف في الجهة الأخرى يتجسد في إنكار قيم الإسلام السمحة مع التركيز على المظاهر التي يقدمها المتشددون من الجانب المسلم. و من جهتها, أصدرت منظمة العفو الدولية, تقريرًا أكدت فيه ازدياد حالة العداء التي تواجهها الأقليات المسلمة في بعض الدول الأوروبية وغيرها، مثل الدنمارك وهنغاريا وهولندا وأستراليا والسويد وسويسرا, وأشارت المنظمة إلى أن حالة العداء تزداد من خلال منع ارتداء النقاب، والتوظيف الذي يستثني مسلمين، إضافة إلى حظر بناء المساجد، فضلاً عن التشريعات الداخلية التي تستهدف التضييق على المسلمين. و كان لواقع الأزمة الاقتصادية انعكاسات ملحوظة على أوضاع شرائح اجتماعية واسعة وعلى أداء المؤسسات الحكومية وصورة الطبقة السياسية وعموم النخب الأوروبية التي تبين عجزها -سواء من مواقع الحكم أو المعارضة أو غيرهما من دوائر الفعل والتأثير- عن صياغة حلول أو تصور بدائل ملائمة لمواجهة التحديات التي فرضتها الأوضاع الاستثنائية الناجمة عن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية, و لتعويض هذا العجز عن الاستجابة لمطالب وتطلعات المواطنين، اتجه طيف واسع من النخب الأوروبية إلى صناعة خطاب من شأنه أن يصرف اهتمام المواطنين عن المشكلات القائمة فعلا والمستعصية على الحل، باعثا في نفوس هؤلاء هواجس لها جذور في ثقافة أوروبا وتاريخها. ولأن استغلال مشاعر الكراهية بدا ذا مردود سياسي سريع، تم توجيه الأنظار نحو الإسلام باعتباره عدوا أزليا لأوروبا وخطرا داهما يتعين صهر طاقات الجميع للتصدي له, حيث ارتكز الرهان على تقديم الوجود الإسلامي المتنامي نسبيا في القارة الأوروبية بفعل ظاهرة الهجرة، باعتباره خطرا ماثلا سيقوض مستقبل أوروبا ونظامها الاجتماعي وهويتها الثقافية والدينية. لقد تم استغلال ظاهرة الإرهاب العابر للأوطان بشكل فج وغير مسؤول لتشويه صورة الجاليات الإسلامية والتضييق عليها، وجرى اللعب على عواطف المواطنين الأوروبيين بالإلحاح المغرض على جملة من المزاعم وأنصاف الحقائق، من قبيل ربط ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمعات الأوروبية بالحضور المتزايد للأجانب، وتبرير تراجع مستوى الخدمات الاجتماعية وتدهور سوق العمل بالضغط الإضافي الذي يمثله الأجانب وتزايد منافسة هؤلاء للطبقات الدنيا من المواطنين, كما بدأت بعض الحكومات تنحو منحى شموليا لم يكن مألوفا من قبل، عبر التوسع في سن قوانين واعتماد إجراءات تجرّم بعض مظاهر الوجود الإسلامي وتحاصرها بدعوى مخالفتها للقيم الأوروبية. و في هذا الاتجاه استغلت تيارات اليمين المتطرف، بفعالية المناخ الاجتماعي السائد لتضع برامجها المعادية للإسلام و المسلمين في موقع متقدم على المستوى المؤسسي، سواء بحضورها الانتخابي المباشر أو من خلال مضامين خطابها المتطرف التي تسربت إلى برامج الأحزاب التقليدية بعدما أصبحت هذه الأخيرة حريصة على التنافس مع القوى المتطرفة في معركة مفتوحة لكسب قلوب ناخبين تزداد نسبة التطرف بينهم يوما بعد يوم. ختاما, إن تنامي ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين في أوروبا، ظاهرة مقلقة جدا، ومسؤولية محاربتها والحد منها مسؤولية مشتركة بالأساس بين الجاليات المسلمة والحكومات الأوروبية، ولكن المسؤولية الكبرى تقع على هذه الأخيرة سواء فيما يتعلق بسن قوانين، أو صياغة ميثاق إعلامي يمنع تشويه الأديان والإساءة ومنطق الحملات المغرضة التي لا تفرق بين الشخص وطريقة فهمه لدينه وبين الدين نفسه، والتأسيس لحوار حقيقي يوفر السلم الاجتماعي المبني على احترام القانون وحقوق وواجبات المواطنة، والتعايش الحضاري, و إذا كانت أوربا قد عالجت مشاعر الكراهية لليهود واضطهادهم والتمييز العنصري ضدهم بإصدار تشريعات صارمة، وتجريم الممارسات والأفكار اللاسامية، فهل سيأتي يوم تجرم فيه الممارسات والدعوات الإسلاموفوبية؟