يتوالى مسلسل الإساءة للدين الإسلامي في الغرب بوتيرة أسرع هذه الأيام . قبل فترة عرض فيلم “فتنة” المسيء للإسلام للنائب اليميني الهولندي المتطرف (جيرت فيلدرز) و الفليم يربط الإسلام بالعنف و الإرهاب بحيث يبدأ الفليم بتلاوة آية { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } ومن ثم تتبعها لقطات من الهجمات التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة في أحداث سبتمبر/أيلول 2001. ويظهر الفيلم أيضا صورا للتفجيرات التي تعرضت لها كل من لندن ومدريد و صورا لمرأة تتعرض للرجم و مشاهد من عملية قطع رأس شخص و صورا للمخرج الهولندي(ثيو فان جوخ) الذي قتل على يد مسلم .. هذه المرة ، يستعد التيار المعادي للإسلام في الغرب في 20 إبريل المقبل لبثّ فيلم كارتوني يحمل عنوان “حياة محمد” ، يسيء ل”أمهات المؤمنين” زوجات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، و يحتوي على مشاهد فاضحة ومشينة..
قبل الخوض في إشكالية فيلم " فتنة " الذي أخرجه اليميني الهولندي المتطرف (جيرت فيلدرز) و قبل الحديث عن من وراء تلك الحملة العنصرية ضد الإسلام و الإساءة للنبي الأعظم " محمد " صلى الله عليه وآله وسلم فهناك مسألة مهمة جداً و يجب مناقشتها وتوضيحها حتى لا نعطي لهؤلاء العنصريين الذريعة في التمادي في عنصريتهم و حقدهم الأعمى وهي سبل الرد المناسب والحضاري على هؤلاء .. أولا : لا يمكن هزيمة العنصرية بعنصرية و تحريض المسلمين على القيام بأعمال عدائية ضد مواطنين هولنديين و المساس بمصالحهم ، لأن مثل هذه الأفعال تخدم تلك القوى االعنصرية و تسيء أكثر إلى الإسلام .. ثانيا : تلك الفئة العنصرية لا تمثل عموما رؤية الشعوب الأوروبية والدليل على ذلك ، وجود استنكار جماعي في هولندا ضد عرض الفيلم ، فقد ندّد هانس فان دين بروك وزير الخارجية الهولندي الأسبق بالفيلم، وقال: “هذا الفيلم من خلال الصور التي رأيتها لا يبعث إلا على الكراهية، ولا يحل أي مشكلة إنما يعقدها”. أما رئيس الوزراء الهولندي فكان تعليقه على فيلم " فتنة " : “إن الفيلم يساوي بين الإسلام والعنف.. نحن نرفض هذا التفسير.. ونأسف لأن فيلدرز بث هذا الفيلم . أما أهداف هذه الحملات العنصرية : إشاعة الكراهية وأجواء التخويف من الإسلام و المسلمين بسبب مزاعم و مخاوف من تزايد أعداد المسلمين في أوروبا . فقد نشرت دراسة في الولاياتالمتحدة أعدها اليهودي المتطرف ( دانيل بايبس ) وهو صحفي وأستاذ جامعي و دَرَسَ التاريخ الإسلامي في جامعة هارفارد ، وأمضى بضع سنين في دراسة اللغة العربية والقرآن في الشرق الأوسط ، و مؤسس ما يسمى بمنتدى الشرق الأوسط التابع لإدارة المحافظين الجدد والذي يعد أحد المنابر الرئيسية لرسم سياسات المنطقة العربية والإسلامية وهو من أشد اليهود الأمريكيين المدافعين عن تل أبيب ومن الكتاب الدائمين في الصحافة الصهيونية والداعمين ل "مشروع القرن الأمريكي الجديد" الذي تقوم فكرته على أساس القوة العسكرية المتفوقة والمفرطة ضد الشعوب والأنظمة العربية والإسلامية، بالإضافة إلى كونه الأبرز في دعم مخطط شارون في إقامة الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن ، يحذر فيها من تزايد أعداد المسلمين في أوروبا ، وهو الأمر الذي يمثل تهديدا حقيقيًّا للولايات المتحدة ويمهد للقضاء على ما اعتبروه مسيحية أوروبا ، ويُنذر بأسلمة القارة العجوز . ويزعم المتطرف دانيل بايبس: "إن تزايد أعداد المسلمين في أوروبا يمثل خطرا ومشكلة حرجة على مستقبل القارة الأوروبية ، وأن هذا التزايد من شأنه أن تكون له نتائج هائلة على الإنسانية، خاصةً الولاياتالمتحدة ، التي تربطها بأوروبا روابط اقتصادية حساسة". أما أبرز الكتاب الأمريكيين المؤيدين لطرد المسلمين من أوروبا فهو ( رالف بيتر ) الذي يعتبر أوروبا أفضل مكان للإبادة الجماعية والتطهير العرقي ، ويرى أن مسلمي أوروبا سوف يكونون محظوظين إذا تم طردهم ولم يقتلوا.. من تلك المزاعم بدأت تتسرب أفكار بأن مستقبل أسلمة أوروبا بات وشيكا في ظل انخفاض معدل المواليد، وزيادة عدد المهاجرين المسلمين . وهذا ما حذر منه بابا الفاتيكان "بنديكت السادس عشر" من انحسار الهوية المسيحية لأوروبا ، و طالب في خطاب القاه في قداس اقيم بالعاصمة النمساوية بضرورة تاكيد الهوية المسيحية لأوروبا في العصر الحديث خاصة وأنها تعاني من هجر الطقوس الكنسية وقلة المواليد و ثقافة تجاوزت السيطرة. هذه الأفكار وجدت من يغذيها ويروج لها ، لهذا بدأت أصوات عنصرية تطالب بطرد المسلمين من أوروبا، مثلا طالب السياسي البلجيكي ( فيليب دي فنتر) و الذي يترأس "حزب المصالح الفلامية" وهو حزب يميني متطرف بإغلاق أبواب أوروبا نهائيا في وجه المهاجرين المسلمين وقد نشر أفكاره في كتاب بعنوان "أسلمة أوروبا إن شاء الله"، مدعيا أن الديانة الإسلامية تحمل في جذورها إيديولوجية تقوم على العنف و العدوانية، وتتنافى مع الحضارة الغربية وأن الإسلام "مهما اختلفت مظاهره فانه يحمل نفس الأفكار الأساسية القائمة على السماح لأتباعه بقتل غير المسلمين، وممارسة التمييز ضد النساء والأقليات العرقية والدينية". في مقابلة مع جريدة "جازيت دي أنتفربن" حول كتابه قال ( فيليب دي فنتر) : " المسيح كان نبيا يدعو قومه دون استخدام للعنف فيما كان محمد ينشر دينه بالسيف ولو عاد ليعيش بيننا الآن لاعتبره المسلمون بطلا مدافعا عن الحرية، لكن الآخرون ومن بينهم أنا سأعتبره بالتأكيد إرهابيا، فالإسلام يشبه الحيوان الضخم المتوحش الذي يلتهم صغار الحيوانات الضعيفة". من تلك الطروحات نستطيع أن نفهم أن المستهدف الأول وراء تلك الحملات المسمومة ضد الإسلام و الإساءة لرسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ، الجاليات العربية والإسلامية التي تعيش في أوروبا و تفجير "صراع الحضارات والأديان" لصالح تلك القوى العنصرية و ذلك بتصوير الإسلام بأنه دين يقزم الفرد ليجعله في حالة عبودية و يحتقر المرأة و حقوقها و يستعمل العنف و يقف حاجزا أمام التطور الإنساني ، وهذه المفاهيم تتناقض مع الحضارة الغربية و بالتالي فإن الصراع بينهما هو صراع حتمي. ولكي نكون موضوعين و منصفين ، ولا نلقي بالمسؤولية كاملة على هؤلاء العنصريين ، نحن نتحمل الجزء الأكبر في هذا المسلسل أو المؤامرة أو المخطط الشيطاني . فهناك جهات متطرفة تدعي الإسلام وتمارس الإرهاب و قتل الأبرياء باستخدام الدين لتبرير ما تقوم به من أعمال وحشية ، و هؤلاء قد غذوا العدواة ضد الإسلام و المسلمين ، وهناك مسؤولية أخرى تقع على الجاليات الإسلامية في أوروبا التي جلبت معها صورة النظام الاستبدادي العربي ، وعجزها عن الانخراط في الحياة الثقافية في أوروبا، بل أكثر من ذلك ، فبعضهم يهاجم الحضارة الغربية و قيمها و يحرض المسلمين المصلين في خطبهم يوم الجمعة ، متناسين هؤلاء بأنهم فروا من بلاد العرب حيث الفقر و الفساد و الظلم و الاضطهاد السياسي و الاجتماعي و الثقافي بعدما وفرت لهم أوروبا العيش و العمل و حياة كريمة و الضمانات الاجتماعية و الصحية و حرية العبادة و بناء المساجد و بدلا أن يكونوا رسل حوار و سلام و تعايش الأقوام و الأديان والثقافات المختلفة تحولوا إلى طلائع صدام الحضارات . ناهيك عن وجود قطيعة بين المثقف العربي المقيم في أوروبا وبين دول العربية . فالدول العربية لا تستمع للمثقفين و المفكرين العرب المقيمين في الغرب و تنظر لهم بعين الريبة و بأنهم عملاء ، والحقيقة أن الأنظمة العربية تكره سماع ، الديموقراطية ، و حقوق الإنسان ، الانفتاح الثقافي و الاجتماعي و السياسي ، لان تلك المفاهيم تعري فساد هذه الأنظمة التي ساهمت بشكل كبير جداً في تنامي ظاهرة التطرف وانتشار ثقافة الموت و انتشار الجهل و اتساع رقعة الفقر و اضمحلال الطبقة المتوسطة و الزيادة في معدل البطالة ، وهذه كلها شرارات لتفجير " صراع الحضارات " .. إذن علينا الاعتراف بأن أي صراع يحتاج إلى قوتين ، فهناك قوة إسلامية أو عربية عنصرية و قوة غربية عنصرية ، وكلاهما يجران العالم إلى " صراع الحضارات " ، من خلال تغذية الحقد و العنصرية وإشعال الفتنة ، و لأجل سد الطريق على هؤلاء ، لا بد من التواصل الثقافي والحضاري والإنساني بين العالم الإسلامي و الغرب ، وهذه المسؤولية تقع على المثقف العربي والغربي وذلك برفض مفاهيم العنصرية أو الانسياق وراء تلك المفاهيم التي لا تخدم أحدا سوى فئة عنصرية بغيضة ، هكذا كمسلمين ننتصر و ندافع عن قيم ديننا العظيم و سيدنا و نبينا العظيم محمد صلوات ربى وسلامه عليه .. وفي الختام، هذه الرؤية وهذا الحوار الثقافي والإنساني الذي سعيت بوضع نواة له في الأردن إلا أن قوى التطرف والإرهاب " عصابة رابطة الكتاب الأردنيين " وبالتعاون مع النقابات المهنية واحزاب سياسية أردنية عنصرية والتي تمارس الإنغلاق والإرهاب الفكري بالتخطيط بعقلية إجرامية وبالعمل بحملة منظمة لتدمير هذا الحوار .. فأنا ك منير مزيد ، و كمثقف عربي موجود في الغرب وعشت حياة كريمة هنا ، أذهب إلى اداء صلواتي بحرية و أكتب بحرية ، ولم أتعرض يوما لأي مضايقة من أحد بسبب كتاباتي بل التقدير والاحترام ، اللهم إلا عدة محاولات بالأعتداء علي ، كانت من قبل أبناء الجالية العربية " طلائع صراع الحضارات " ..