مسلسل الإساءات للدين الإسلامي في الغرب يتوالى، ولكن بوتيرة أسرع هذه الأيام توحي بوجود مخطط من التيار المعادي للإسلام في الغرب؛ لإشاعة الكراهية وأجواء التخويف من الإسلام والمسلمين. "" فبعد عرض فيلم "فتنة" المسيء للقرآن الكريم الذي أنتجه البرلماني الهولندي اليميني المتطرف جيرت فيلدرز مساء الخميس 27-3-2008، يستعد التيار المعادي للإسلام في الغرب في 20 إبريل المقبل لبثّ فيلم كارتوني يسيء هذه المرة ل"أمهات المؤمنين" زوجات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. وقبل يوم من عرض "فتنة" الخميس الماضي، ظهر على شاشة القناة الثانية للتلفزيون الهولندي، السياسي المنتسب للإسلام إحسان جامي (الصورة) عضو المجلس البلدي بمدينة ليدشنيدام القريبة من لاهاي العاصمة السياسية لهولندا وهو يتعهد ببث هذا الفيلم الكارتوني الذي يحمل عنوان "حياة محمد". واتفق خبير هولندي في شئون التيارات المتطرفة بأوروبا وقيادي مسلم بهولندا على أن هذا الفيلم، مثل "فتنة"، يهدف ل"استعداء الأوربيين على الإسلام والمسلمين"، ويأتي في سياق موجة "التخويف من الإسلام" في الغرب. وفي محاولة استباقية لمنع عرض الفيلم الجديد، تعهدت منظمة إسلامية هولندية برفع دعوى عاجلة أمام القضاء لإيقاف مثل هذه الإساءات المتكررة، وبالتواصل مع الحكومة الهولندية لنزع فتيل الأزمة التي قد يثيرها الفيلم. وعرض برنامج "نيتفيرك" الذي تبثه القناة الثانية في التلفزيون الهولندي نهاية الأسبوع الماضي صورًا كارتونية سيتضمنها الفيلم المسيء الذي يتم إعداده حاليًّا. وبرغم أن العرض الدعائي لفيلم جامي جاء قبل عرض "فتنة" بيوم، فإن التركيز الإعلامي الذي انصبّ على فيلم فيلدرز، لم يتح الفرصة لفيلم جامي ليلفت أنظار الإعلام إليه، غير أنه أثار اهتمام الأقلية الإسلامية. "الإساءة لعائشة" وتصور الرسوم في هذا الفيلم ما تخيل القائمون عليه الرسول الكريم وزوجته السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها عندما تزوجها وهي في سن مبكرة، و"هما يذهبان للمسجد لكي..."، بحسب قول جامي في تصريحات للبرنامج التلفزيوني. وقال جامي: إنه بصدد إجراء حوار مع إحدى القنوات الشرق أوسطية، رفض ذكر اسمها، في محاولة لعرض الفيلم خارج هولندا "حتى يأخذ النقاش حول الفيلم إطارًا دوليًّا"!. وذهب بعض المحللين إلى أن القناة الشرق أوسطية التي يقصدها قد تكون قناة إسرائيلية. وجامي من أصول إيرانية وقدم لاجئًا إلى هولندا مع والديه وعمره 11 عامًا، وسبق أن كتب مع النائب اليمني جيرت فيلدرز مقالات مشتركة يستهزئ فيها بالإسلام والمسلمين. وأساء السياسي الهولندي إحسان جامي عدة مرات في السابق إلى الإسلام والمسلمين، حيث وصف الرسول الكريم بأوصاف غير لائقة، وقارن بينه وبين أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، كما اعتبر الشريعة الإسلامية "قمة التخلف". استنكار جماعي واستضاف برنامج "نيتفيرك" الذائع الصيت 4 من المهتمين بالشأن الإسلامي والسياسيين في هولندا، وأبدى جميعهم استهجانهم للفيلم والمشاهد التي احتواها. وقال إيهان تونجا، المسلم الهولندي ذو الأصول التركية وعضو مجلس التنسيق بين الحكومة الهولندية والمسلمين: إنه يعجز عن التعليق على مثل هذه المشاهد، وتساءل "عما يريد أن يصل إليه القائمون على مثل هذه البرامج المهينة للآخرين؟". وتابع إيهان تونجا "لم يَعُد لديّ ما أقنع به أتباعي (من أبناء الأقلية المسلمة في هولندا) عندما تصل الإهانات إلى هذا المستوى، لم يَعُد لديّ ما أقنع به أتباعي ولا المسلمين في العالم". وشدّد تونجا على أنه "حان الوقت لكي تكون هناك قوانين توضح بكل جلاء الممكن وغير الممكن عرضه". تحريض على الكراهية من جانبه، ندّد هانس فان دين بروك وزير الخارجية الهولندي الأسبق بالفيلم، وقال: "هذا الفيلم من خلال الصور التي رأيتها لا يبعث إلا على الكراهية، ولا يحل أي مشكلة إنما يعقدها". وتابع دين بروك "بهذه الطريقة نقطع الحوار" مع المسلمين، وطالب حكومة بلاده بأن "تستعمل صلاحيتها لمعرفة مضمون الفيلم قبل عرضه، وإن رأت في عرضه مضرّة أن تمنعه". وأوضح من جهته للبرنامج إيدفين باكر، المتخصص في شئون التيارات المتطرفة بهولندا، أبعاد الفيلم قائلاً: "هذه الصور تبدو كأنها تقول إن أوروبا في مواجهة الإسلام وتستعدي الأوربيين على الإسلام والمسلمين". دعوى قضائية عاجلة وعن الإجراءات المزمع اتخاذها من قبل الأقلية المسلمة لمواجهة الفيلم، تعهد إيهان تونجا - في تصريحات خاصة ل"إسلام أون لاين.نت" اليوم الأحد أن يرفع باسم "مجلس التنسيق بين الحكومة والمسلمين" الذي ينتمي إليه دعوى عاجلة أمام القضاء؛ لإيقاف مثل هذه الإساءات المتكررة، مشيرًا إلى أن "الوقت حان الآن لكي نضع القضاء أمام الأمر الواقع في مثل هذه القضايا". وما زال القضاء الهولندي ينظر في دعوى أخرى عاجلة كان قد رفعها الاتحاد الإسلامي الهولندي للمطالبة بمنع بث فيلم "فتنة"، غير أن فيلدرز بث فيلمه قبل يوم من إعلان محكمة هولندية بمدينة روتردام إنها ستصدر حكمها بشأن الدعوى في 7 إبريل المقبل. وكانت السلطات قد ذكرت في وقت سابق أن القانون يمنع أي رقابة مسبقة على الفيلم، وأنه لا يجوز حظره "إلا إذا حصل تحريض على الحقد العنصري مثلا". وأضاف أن "مجلس التنسيق سيتواصل مع الحكومة للتباحث بشأن السبل التي سيتبعها الجانبان في محاولة لنزع فتيل الأزمة التي قد يثيرها الفيلم". ولفت إلى أن الحكومة الهولندية حاولت مرارًا إقناع جيرت فيلدرز بعدم عرض فيلمه "فتنة"، خشية أن يثير احتجاجات في هولندا والعالم ويوتر علاقتها بالعالم الإسلامي. وأضاف "سمعنا أن وزير العدل الهولندي تحدث كذلك مع جامي لإقناعه بعدم بث الفيلم الجديد، وأن جامي وعده بالتفكير في الأمر". إدانة رسمية وبعد نشر فيلم "فتنة" مباشرة، أعلنت الحكومة الهولندية رفضها لمحتواه، وقال رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكانندا يوم الخميس الماضي: "إن الفيلم يساوي بين الإسلام والعنف.. نحن نرفض هذا التفسير.. ونأسف لأن فيلدرز بث هذا الفيلم". وأضاف رئيس الوزراء الهولندي في بيان صادر عنه: "أعتقد أنه (الفيلم) لا يخدم أي هدف ما عدا الإساءة، لكن الإحساس بالإهانة لا يجب أن يُتخذ ذريعة لارتكاب العدوان وإلقاء التهديدات". موجة التخويف واعتبر تونجا أن الفيلمين يأتيان في سياق "تنامي موجة التخويف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا في هولندا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر" التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة عام 2001، وبعد مقتل المخرج الهولندي ثيو فان جوخ على يد شاب مغربي عام 2004 بعد عرض فيلم "الخضوع" المسيء للإسلام. وبرغم انشغال الكثيرين بالحديث عن فيلم "فتنة"، توقع محللون أن يكون صدى الفيلم الجديد في حال عرضه أقوى من فيلم فيلدرز الذي يتفاعل المسلمون في هولندا معه بهدوء وتعقل، وهو ما لقي إشادة من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي. ويعيش في هولندا نحو مليون مسلم يشكلون ما يقرب من 6% من إجمالي عدد سكان البلاد. عن إسلام أون لاين.نت