كأي مسلم، شعرتُ بالاشمئزاز وأنا أتابع مشاهد الفيلم الهولاندي «فتنة» الذي أثار جدلا واسعا في أوساط العالم الإسلامي منذ بثه على شبكة الإنترنيت بحر الأسبوع الماضي، لتجرؤ مخرجه على الإساءة للقرآن الكريم بعدما وصفه بالكتاب «الفاشي» الذي يحرّض الناس على العنف. وأي متلق بسيط مثلي، سيلاحظ أن النوايا الدنيئة والخسيسة للمخرج خيرات (أو جيرت) فيلدرز، وحقده على الإسلام وكرهه للمسلمين، قد أعمى عينيه فأسقطه في أخطاء فادحة ارتكبها في فيلمه قد تجعله يندم حالَما يكتشفها فيعضّ على شفته السفلى تحسرا على تسرعه وتهوره. تبدأ الفتنة بظهور رسم كاريكاتوري لرأس مُلتحٍ فوقه عمامة على شكل قنبلة موصولة بفتيل مشتعل، ويظهر على يمينها عداد كرونومتري ينبئ بأن القنبلة ستنفجر مباشرة بعد 15 دقيقة، وهي مدة الفيلم. يلي هذا المشهد ظهور نسخة من القرآن الكريم، اقتطف منها قوله تعالى مرتلا بصوت الشيخ عبد الرحمان السديسي: [وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ] (سورة الأنفال، الآية 60). مع ملاحظة أن المخرج يورد مراجع الآيات معتمدا على ترتيب السور في المصحف وليس بأسمائها المعروفة، فقد أورد مرجع الآية السابقة هكذا: سورة 8، آية 60، وهذا دليل على أنه لا يعرف من القرآن إلا اسمه، والظاهر أنه قد اختلط عليه القرآن بأناجيل النصارى وتوراة اليهود. مباشرة بعد هذه الآية يجد المشاهد نفسه أمام لقطات من الهجمات التي استهدفت برجَي التجارة العالميين في نيويورك في الحادي عشر من شتنبرعام 2001. ولقد تساءلت في نفسي عما يربط الآية أعلاه بتلك الهجمات، لأخلُص بعد طول تفكير بأن لا علاقة بينهما البتة. وشرع فيلدرز في عرض عدة مقتطفات لخطباء ودعاة إسلاميين يدعون إلى الجهاد، وتخلل ذلك صورا للتفجيرات التي تعرضت لها كل من لندن في يوليوز 2005 ومدريد في مارس 2004. وبين الفينة والأخرى يذيع آية قرآنية بعد أن يجزئها من سياقها الأدبي والتاريخي، ويتبعها بمشاهد بشعة لبقايا أشلاء بشرية وصورا لنساء وأطفال قتلى ومشاهد من عملية قطع رأس شخص في العراق.. محاولا إقناع المشاهد أن السبب في كل ذلك (الإرهاب) هو تلك الآيات. ولم يخجل المخرج أبدا من توظيف عفوية طفلة بريئة في فيلمه، إذ تظهر في الدقيقة الرابعة طفلة محجّبة عمرها 3 أعوام ونصف، تسألها امرأة باللهجة المصرية عن اسمها وعمرها، وبعد أن تجيبها بكل عفوية تسألها إن كانت تعرف اليهود. «نعم». «إنت بتحبّيهم؟» «لا». «مابتحبهمش ليه؟» «لأنهم قردة وخنازير». «مين علمك كده؟» «ربنا». فين؟ «في القرآن».