فضاء اقتصادي، تسويقي، سيربط الجنوب بالشمال، ويتحقق معه حلم فلاحي سوس ماسة، تم لأجله تعبئة ما يناهز 90 مليونا من الدراهم إضافة إلى خمسة ملايين درهم أخرى من مجلس الجهة لتحريك عجلة انطلاقه، يعيش مرحلة الاحتضار والموت السريري غير الرحيم. بعدما لم تنتج أي من المقاربات التي وضعها المسؤولون الترابيون السالفون الذين تعاقبوا على المنطقة منذ عام 1996، لحلحلة ملف المشروع وإزالة العصا من عجلته، أي حل واقعي قادر على إشاعة روح الدينامية في الفضاء وتخويل فرص تنزيل أهدافه المعلنة من خلال تنشيط مسالك التسويق والتصدير وفتح المجال أمام المنتجين لعرض وتسويق منتوجاتهم في ظروف سليمة تستجيب لمعايير العصرنة والتنظيم الجيد، والاستفادة من الحيوية التي بات يشهدها قطاع تسويق المنتوجات الفلاحية بالأقاليم الصحراوية، واعتبار السوق الموريتانية مجالا واعدا للزيادة في الطلب على هذه المنتوجات، بحيث كان منتظرا أن تظل البورصة مزودا رئيسيا لتلبية هذه الحاجيات. بيد أن تدبير ملف البورصة ظل في غاية التعقيد، بالنظر للتراكمات السلبية التي طالته، وفشل كل المقاربات السابقة في إخراجه كمشروع متكامل. السيناريوهات الجديدة لم تعد المعالجة الواقعية والمنسجمة مع التحولات الجديدة في دفة الاقتصاد الوطني، سوى الاستفادة من الإمكانيات التي ستتيحها الاستراتيجية الوطنية للسياحة وتحويل فضاء البورصة إلى مشروع سياحي خدماتي بإمكانيات حديثة، خصوصا إذا ما تم اعتبار عامل القرب من الفضاء السياحي «تيفنيت» بنحو 5 كيلومترات، ومطار المسيرة الدولي ب 20 دقيقة، عبر تخليص العقار وتعبئته تقنيا ومسطريا. كما يربط هذا السيناريو المشروع بأوراش الاستثمار في المركب السياحي «تيفنيت» والمشاريع المقترحة في المنتزه الوطني لسوس ماسة، مع ما يطرحه الاستثمار في الشريط الساحلي من مشاكل عقارية، ومن هنا فإن 17 هكتارا التي تتوفر عليها هذه البورصة بإمكانها، لو تمت تعبئتها، في إطار مشروع سياحي فاخر أن تحدث وقعا كبيرا لتنمية القطاع الذي يعاني أصلا عديد الأعطاب. كما ترتكز المقاربة الجديدة والمقترحة على صيغة تتجه نحو فتحه للسكن الاجتماعي، خصوصا لمعالجة الأزمة الخانقة في السكن اللائق وبديلا عن البناء العشوائي بالجماعات المجاورة، فالأمر يستدعي تعبئة وتخليصه من كل الشوائب المسطرية والتقنية، كما يحتم هذا المقترح التخلص من كل المنشآت القائمة والتي أنجزت على العقار، ويصبح كثير من المهنيين مهيئين لتقبل التعويض، فبالنسبة لهم يبقى المشروع استثمارا ميتا، وقد يتحدد التعويض في صيغة مادية أو عقارية، فالضرورة التي تستدعي التفكير في هذا التوجه هي الحاجة للعقار الموجه للسكن الاجتماعي، في منطقة تعاني من الخصاص في العقار العمومي الموجه للتعمير، وربوع تسجل حاجيات متواصلة للسكن الاجتماعي، وهي خطوات لا يمكن تأويلها كإرضاء للوبيات معينة، غير أنها مقاربة لإخراج مشروع يرزح تحت وطأة الاحتضار بعد 15 عاما من الانتظار والرثاء، وهو الأمر الذي يتطلب الآن تفهم أصحاب المحلات التجارية والمستفيدين من البورصة، وانخراطهم واستعداد الجماعات المحلية الملتئمة في إطار النقابة الجماعية «المستقبل» التي كانت تشرف على المشروع، قبل أن يتم تكوين لجن من المهنيين، حيث ظهرت الصدامات وحاولت أطراف أخرى إشاعة فكرة فشل المشروع واستحالة إمكانية انطلاقه على النحو السليم، إذ بات من الممكن الآن خلق خلية للقيادة مؤهلة تقنيا وتدبيريا للإشراف على هذه المهمة. وتهم الخطوة الثانية ضمن المقاربة الجديدة المقترحة لإنقاذ المشروع، تحويل وجهته تخصيص فضائه كمستودعات كبرى للتخزين الفلاحي وتفويته إلى شركات إسبانية نشيطة، خصوصا في مناطق (بلفاع، أيت اعميرة، إنشادن)، علما أن هذه المنطقة تشهد استثمارات كبرى على مستوى تجهيز الضيعات الكبرى، تقنيا ولوجيستيكيا، من خلال الاعتماد على تقنيات عالمية في الإنتاج وتدبير الموارد المائية، وقد تبقى بذلك البورصة، بمثابة مشروع فلاحي ينسجم مع الخصوصيات المحلية، وثمة مقاولات كبرى يمكن أن تتكتل في إطار دعامة المجمعين الكبار، يمكن لهم أن يستغلوا المشروع اعتمادا على دفتر تحملات تشرف عليه السلطات العمومية، وبذلك ستشكل البورصة محطة لتجمع المنتوجات وتوزيعها وطنيا ودوليا وبتسيير ذاتي مقاولاتي، كما يتم الإشراف على تدبير المشروع في إطار اتفاقية شراكة مع الجماعات المحلية والسلطات، علما أنه يوجد مشكل آخر يستدعي هذا الحل، يتمثل في كون السواد الأعظم من المنتجين يفتقدون إلى فضاءات مجهزة لتجميع المنتوجات، وهو التوجه الذي يحافظ على الطبيعة الفلاحية للمشروع لكن بتعديل جوهري على مستوى الهيكلة والتسيير. ما الدور الذي يمكن أن تلعبه بورصة البواكر في سياسة مواصفات الجودة وتتبع مراحل المنتوج الفلاحي؟ ألا يمكن اعتماد أسلوب التدبير المفوض في تسيير البورصة تحت مراقبة مجموعة الجماعات؟.. الأمر يتطلب الاستعانة بهيأة مختصة تضطلع بمهام التأطير والمساعدة في القيام بكل الشكليات الإدارية والقانونية المرتبطة بهذا الملف ومد مجموعة الجماعات بعناصر الاقتراحات بخصوص المرشحين الذين سيتنافسون للفوز بتوقيع العقد معها، وبالتالي، فإن هذه المعالجة تقتضي تحديد كناش الشروط الخاصة الذي سيقنن منح حق التدبير المفوض، بالإضافة إلى القرار الجبائي الملحق الذي سيحدد الرسوم والواجبات المفروضة للاستفادة من خدمات البورصة، والتدبير المفوض، هي الآلية التي تم اقتراحها سابقا نتيجة عجز المصالح المشرفة على المشروع في إيجاد صيغة عملية لتسييره وافتقاد النقابة الجماعية إلى الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستيكية لتحمل أعباء هذا المرفق، بالإضافة إلى النجاح الذي تعرفه عملية تدبير مثل هذه المشاريع من لدن الشركات والمؤسسات الخاصة. سرعة أولى من التحمس طيلة تعاقب ثلاثة ولاة وعمال على المنطقة، أقيمت زيارات وزارية لموقع هذا الورش الذي استنفد أموالا هائلة وبقي أطلالا، وتم تنظيم مراسيم للإعلان عن افتتاحه لأكثر من محطة، البورصة كان قد رُسم لها هدف محوري يتمثل في وضع حد لمعاناة فلاحي اشتوكة أيت باها نتيجة انعدام الأسواق المركزية، التي يمكنهم اعتمادها في تسويق منتوجهم الزراعي، وكان السبب الرئيسي وراء التفكير في إنجاز سوق الجملة للخضر والبواكر تخضع لمعايير حديثة معمول بها في كثير من البلدان الأوربية. بيد أن المشروع لم يخل من مشاكل مادية وأخرى قانونية، إذ أن النصوص القانونية المنظمة أثارت إشكالا يتعلق بكون سوق الجملة ينبغي أن يهيأ في المدار الحضري، وأن المحلات التجارية يجب أن تبنى من طرف النقابة وتسلم للمستفيدين في إطار الاحتلال المؤقت. وقد اضطرت الإكراهات المالية التي ووجهت بها الفكرة إلى تغيير اسم السوق إلى « بورصة الخضر والبواكر» كتخريج قانوني لتحقيق حلم من شأنه المساهمة الأكيدة في خلق شروط أفضل للإقلاع الاقتصادي للمنطقة. وفي هذا الإطار، المشروع، يحتاج، حاليا، إلى وقفة جريئة تخلوا من السياسوي لكنها تغلب مصالح المنطقة ومستقبلها الاقتصادي، من خلال دعوة أصحاب المحلات والمستفيدين إلى لقاءات تواصلية وإقناعهم باستحالة إخراج المشروع إلى حيز الوجود، والتخلي عن المحلات مقابل تعويض مادي أو عيني. فالواضح أن المشروع، كبورصة، قد وصل إلى الباب المسدود ولا يمكن إنجازه إلا بالتركيز على البدائل الجديدة أو انتظار عصا سحرية قد تميط اللثام عن مصدر كل هذا «الثقاف الاقتصادي والسياسي» الذي يجثم على المشروع مدة تصل إلى ربع قرن من الزمن. بورصة في قلب الخزان الفلاحي للمغرب يمثل إقليم اشتوكة أيت باها، الرئة الفلاحية للمغرب بامتياز، لاسيما في مجال الخضر والبواكر والتي تقدر بنحو 70 بالمائة من الحاجيات الوطنية، ويعتمد القطاع بالمنطقة على الفلاحة العصرية المسقية (سد يوسف بن تاشفين، الآبار الخاصة)، المتمثلة في إنتاج الخضروات والبواكر بمختلف أنواعها، وبخاصة الطماطم والفاصوليا داخل البيوت المغطاة، تمثل المساحة المخصصة منها للبواكر نحو 74 بالمائة. وتخصص نسبة هامة من المنتجات للتصدير تبلغ ما يناهز 365.543 طن، منها 239.568 طن من الطماطم. ست جماعات لتدبير مشروع البورصة تم إحداث نقابة جماعية تحت اسم «نقابة المستقبل» تضم ست جماعات محلية (بلفاع، أيت عميرة، بيوكرى، إنشادن، الصفا وسيدي بيبي). لكن كان لزاما، كخطوة أولى لانطلاق المشروع، التوفر على رصيد عقاري، وهو الأمر الذي تحقق لهذه النقابة من خلال استفادتها من عملية تفويت قطعة أرضية تعود ملكيتها للجماعة السلالية بأيت عميرة، تبلغ مساحتها 17 هكتارا، وموجودة في محور طرقي، بحيث تعد همزة وصل بين الطريق الوطنية رقم1الرابطة بين أكادير والأقاليم الجنوبية، والطريق الإقليمية رقم 1014 الرابطة بين الطريق الرئيسية ومدينة بيوكرى. وتم ذلك بموجب قرار لمجلس الوصاية رقم 5/185، الصادر بتاريخ 18 أبريل 1996، بحيث حدث التفويت في إطار عملية شراكة بين النقابة الجماعية وبين وزارة الداخلية بصفتها وصية على الجماعة السلالية، يقوم خلالها المقتني بإنجاز الطريق الرابطة بين سيدي بيبي وإغرايسن وتدارت على مسافة تقارب خمسة كيلومترات، والتي خصص لإنجازها مبلغ 3.400.000 درهم مقابل تفويت تلك القطعة الأرضية. لكن عملية التفويت لم تمر، هي الأخرى، دون إثارة مشاكل، رغم أن النقابة أنجزت الطريق موضوع الشراكة، إذ اصطدمت النقابة بمشكل ملكية الأرض التي تدخل في إطار أراضي الجموع، والتي لا يمكن امتلاكها أو بيعها، مما دفع باللجنة النقابية والسلطات الإقليمية إلى القيام بجهود رسمية لتمكين المالكين من رسوماتهم العقارية.