تحتفي مدينة طنجة خلال الشهر الجاري ، بمرور 150 سنة على انشاء المعلمة التاريخية منارة كاب سبارطيل. وباعتبار الاهمية الكبرى لهذه المنارة ،التي دخلت حيز الخدمة في 15 اكتوبر من سنة 1864، وهي أول منارة ضمن شبكة المنارات البحرية التاريخية المغربية (39 منارة) التي تمتد على طول 3400 كلم من الشواطئ الوطنية، تنظم وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك بطنجة احتفالية خاصة بهذا الحدث، الى غاية 15 من الشهر القادم، لإبراز خصوصية هذه المعالم البحرية ودورها في ضمان أمن الحركة البحرية. ويرتبط نشاط هذا النصب التاريخي الرمزي ارتباطا وثيقا بتاريخ النشاط البحري الدولي والوطني، الذي دعم طيلة قرن ونصف من الزمن الموقع الاستراتيجي للمغرب في مفترق طرق يعد من أهم الممرات الرئيسية التجارية، كما دعم جهود الإصلاح لتحديث البنيات الاقتصادية الوطنية خاصة في وقت تعاظمت فيه أطماع القوى الاستعمارية الكبرى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين . وقد تزامن افتتاح منشأة المنارة (كاب سبارطيل)،التي ترتفع على طول 250 مترا، مع توقيع عشر دول عظمى آنذاك، وهي النمسا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا والبرتغال واسبانيا والسويد والولايات المتحدة، اتفاقا مع المغرب تتعهد من خلاله بدفع جميع تكاليف تدبير وصيانة المنارة، على اعتبار أن المغرب في تلك الحقبة لم يكن يمتلك أسطولا تجاريا قائم الذات. وشهدت المنارة عبر تاريخ وجودها العديد من التحولات التقنية، التي بدأت سنة 1931 بتثبيت جهاز بصري بقوة تناهز 20 ألف من الشموع العشرية لتوفير نظام متكامل لعدسة ضوئية بسعة كبيرة، وتم ما بين سنتي 1933 و1937 انشاء جهاز صوتي يستعمل استثناء في الأجواء الغائمة، ووضع جهاز صوتي آخر يساعد السفن العابرة على تحديد موقعها . ولم تستفد المنارة التاريخية من الخدمة الكهربائية الا بحلول سنة 1952 ،وهو ما مكن هذه المنشأة من إجراء العمليات التواصلية مع السفن المعنية بشكل أوتوماتيكي عوض الوسائل التي كانت تسير يدويا، وساهم ذلك في توسيع قدرات المنارة على مستوى الإضاءة وتعزيز تنظيم الحركة البحرية بمضيق جبل طارق، الذي تطل عليه مدينة البوغاز. وإلى جانب الخدمات التاريخية و البحرية التي قدمتها وتقدمها المنارة ، فانها تعد حاليا أحد أكثر المواقع زيارة في المنطقة ، بحكم موقعها الجغرافي والسياحي المتميز ،كما تساهم في دعم جاذبية منطقة طنجة السياحية كمثيلتها من المعالم والمواقع التاريخية الخالدة التي تزخر بها طنجة وتزيد مختلف فضاءاتها رونقا، كمغارة هرقل والقصبة البرتغالية ومنتزه "بيرديكاليس" وفيلا "دو فرانس" والمدينة العتيقة بكل مكوناتها العمرانية وضريح ابن بطوطة وفضاء المندوبية ومقابر الرومان بمرشان. وتبرز اهمية هذه المنارة التاريخية الى جانب ميناء طنجة المتوسطي كبنية استراتيجية هامة بتأثيثهما للورقة المالية والنقدية الوطنية من فئة 200 درهم ، باعتبارهما يعكسان انفتاح المغرب على عالمه الخارجي ودورهما الاقتصادي البارز، كمعالم رمزية تحمل أكثر من دلالة.