على حافة مياه البحر الأبيض المتوسط في شرق مدينة طنجة، ترقد تلك "المنارة" التي يعتقد الكثيرون أنها وراء تسمية المنطقة بالاسم المعروفة به منذ زمن بعيد. فيما تتحدث بعض الروايات عن استقرار شخص كان يسمى "سيدي المناري" يوجد قبره في مكان ما بهذه المنطقة، لكن بعض العارفين بالمنطقة يرون أن الوثائق التاريخية المعتمدة لم تؤكد هذا المعطى. الإهمال مرة أخرى وإذا كان من الجائز الاعتقاد بان المنطقة قد استمدت اسمها من "المنارة" التي تتلاطم حاليا بها امواج البحر متسببة في شقوق وشروخ في جدرانها بشكل يهدد بانهيارها في أي وقت، مع ما يصاحب ذلك من عوامل الطبيعة المختلفة، فإن هذه "المنارة" ستكون هي الأخرى من بين المآثر التاريخية التي قابلتها المدينة في شخص مسؤوليها، بموقف لا يقل في أحسن الأحوال عن إنكار الجميل. الزيارة التي قامت بها "طنجة 24" حديثا إلى موقع المنار بقرية المنار القصية عن مركز المدينة بمسافة 14 كيلومتر باتجاه الشرق، تم خلالها معاينة بوادر انهيار لهذه البناية التي منحت للمنطقة الشيء الكثير منذ إنشائها سنة 1853. إنه الإهمال مرة اخرى. والغريب في ألأمر أن "منارة" شرق طنجة إلى جانب مثيلتها الموجودة بمنطقة "كاب سبارطيل" غرب المدينة، لم تنالا حقهما من التفاتات الجمعيات التي تضع نفسها في خانة الدفاع عن البيئة والمآثر التاريخية، وكان الجميع مصر على تجاهل هذه المعلمة التي بصمت هي الأخرى تاريخ المنطقة بكاملها. متنفس بين مخالب التنمية المتوحشة لكن بالرغم مما آل إليه حال هذه "المنارة" التي تعتبر رمزا للمنطقة، فإن هذه الأخيرة ما زالت تغري الكثير من المواطنين بقضاء بعض الوقت بين أحضان الطبيعة، أو بالأحرى بعض بقايا الطبيعية، بعد أن تم منذ أواسط العقد الماضي، في إطار مشاريع "التنمية المتوحشة"، اجتثاث مساحات غابوية واسعة من هذه المنطقة لفائدة مشاريع سياحية مملوكة للخواص. فالنسبة ل"عبد السلام"، مواطن في الخمسينات من العمر، يقول إن منطقة "سيدي المناري" كما يفضل تسميتها، ستضل عزيزة على قلبه مادام على قيد الحياة، ويضيف متحدثا ل"طنجة 24"، أنه منذ ريعان شبابه ظل يتردد على المنطقة للاستجمام، حيث لم يكن هناك مشاريع أو استثمارات تحجب منظر البحر إلا بمقابل مادي يصل تتجاوز قيمته المدخول اليومي للأسر المتوسطة، حسب تعبيره. أما "أحمد"، موظف بإحدى الإدارات العمومية، فيتحدث هو الآخر بنبرة لا تخلو من الحسرة على ما آل إليه واقع اغلب المتنفسات الطبيعية المحيطة بالمجال الحضري لمدينة طنجة. " ما نخشاه هو أن يصبح من المستحيل التفكير في افتراش ظل شجرة في أحد المنتزهات العمومية والاستمتاع بمشهد اطفالك وهم يلعبون بجانبك أمام منظر البحر والخضرة"، يقول "أحمد" الذي يعتقد أيضا أن المستقبل يحمل معه تكاليف إضافية للمواطن الذي يفكر في ممارسة حقه في الاستجمام وسط أحضان الطبيعة.