من الأمور اللاَّفتة للانتباه في الندوة الصحفية التي نظّمها المكتب المركزي للتحقيقات القضائية الذي دشن عمله بخبطة كبرى لمشروع إرهابي كبير كان في طريقه إلى التنفيذ، جملة والي الأمن رئيس المكتب: إن "التهديدات الإرهابية وصلت إلى حدودها القصوى، وعلى كل منا في موقعه أن يدافع عن أمن هذا البلد". جملة تدعو المغاربة، أحفاد طارق بن زياد، ويوسف بن تاشفين، والمهدي بن تومرت، والحسن الأول .. والتابعين لهم بالنضال والمقاومة والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وتحقيق الوحدة الوطنية، إلى وضعها نَصْبَ أعينهم، وتحت نظرهم في كل حين وآنٍ. إذا كان من واجب الأجهزة والقوى الأمنية الوطنية السهر على حماية البلاد والعباد، فمن الأوجب على المواطنين مُوَاكَبَة هذا السهر بيقظة متحفِّزَة. وإذا كانت أذرعنا الأمنية الدِّرع الواقي لنا ولوطننا، فعلينا إِسْنَادُها ومُسَاندتها بكل ما يتطلب من التعبئة والجُهْد. فالمغرب وطننا، وعلينا وعلى أبنائنا وحفدتنا التَجَنُّدُ الدائم لحمايته وَدَرْءِ أيّ خطر يتهدده. هناك متَرَبِّصُون بهذا الوطن الذي حرص على استقلاله منذ غابر الأزمان وهو يواجه ويُقَارِعُ دولا كبرى كانت تضعه في دائرة أطماعها التوسُعية وسياساتها الاستعمارية من رومان ووندال وقرطاجنيين وبزنطينيين إلى الألمان والهولنديين والإسبان والبرتقيز والفرنسيس والأنجليز؛ كما استطاع المغرب، الذي لا تغرب عنه الشمس، بفضل أبنائه الأشاوس أن يكون في مقدمة البلدان العربية التي بَنَت لنفسها كيانا ونظاما ودولة مستقلة عن هيمنة الدولة المركزية في الشرق، منذ عهد الدولة الأموية إلى الدولة العثمانية؛ مُحافظاً على استقلاله، غَيُوراً على وحدته. أكثر من ذلك، ظل المغرب هو الدِّرْعُ الواقي للأمة في الغرب الإسلامي. وما ملاحم الزلاّقة ووادي المخازن والمسيرة الخضراء إلاّ علامات مُضِيئَة على درب الاستقلال والوحدة. حفدة يوسف بن تاشفين الحقيقيون عليهم اليوم مسؤولية مواجهة الخطر الدّاهم ضد بلدهم؛ مسؤولية يتحمّلها هؤلاء الأحفاد البَرَرَة بكل عزم وإصرار وإيمان، وفاءً وسَيْراً على خُطَى أسلافهم الذين بنوا في هذا الركن الْقَصِيِّ من العالم الإسلامي إمبراطورية تحمل اسم المغرب. يوسف بن تاشفين، أيها الناس، شَيَّدَ دولة قائمة الذات، وجعل المغرب إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، يَرِدُ ذِكْرُها على كل لسان، وتسير بحديثها الركبان في مشارق الأرض ومغاربها من خلال البناء والعمران، والأدب والفكر والفن ومختلف مجالات الإبداع، والعلم والعلماء تحت راية الفرقان.. فكان التَّميُّزُ الذي يحمل اسم النُّبُوغ المغربي.َ كان بن تاشفين اللّمْتُونِي مُرَابِطاً، موَحِّداً من أجل إعلاء كلمة الحق والدفاع عن حوزة الوطن، والعمل على جعله قوّة يُحْسَبُ لها ألف حساب من بين القوى الكبرى في عصره. أَرْسَى دعائم بلد مهدد بالتمزق، وجمَع المغاربة على كلمة واحدة وتحت راية واحدة، وأعطى صورة مشرقة للإسلام الذي، بفضل المغاربة، ساد في جزء مهم من أوربا من خلال إرسال وفود العلماء والمفكرين والأدباء والأطباء والطلبة إلى مختلف الأمصار. واستطاع بعد هذا أن يجعل من المغرب قاعدة لتوحيد الأراضي المغاربية، وما زال الجامع الكبير، الذي بناه يوسف بمدينة الجزائر، قائماً وشاهداً على عبقرية وجهاد الرجل إلى اليوم. هذه الإمبراطورية المغربية هي التي سَتَقُضُّ مضجع النصارى وتُشَكِّلُ خطرا عليهم في الأندلس، خصوصا بعد استنجاد "ملوك الطوائف" بابن تاشفين من أجل تخليصهم من طُغْيَان الصليبيين وملكهم ألفونسو السادس الذي كان يَسُومُهُم سُوءَ العذاب، ويفرض عليهم الْجِزْيَةَ. كانت ملحمة العُبُور إلى الزَّلاَّقَة من أجل تحرير الأندلس التي التحقت بالإمبراطورية المغربية. فكان التوحيد والوحدة تحت راية واحدة. وهي المعركة التي ما زال أحفاد يوسف بن تاشفين يخُوضُونَها بنفس العزم والإصرار لمواجهة الطُّغْيَان والاستبداد الذي يظهر، في كل مرة، تحت أسماء تنظيمات تأتي لِتُلْغِي سابقتها وتُزَاحِمُها من أجل الحصول على بيعات وولاءات. من هنا نفهم لماذا يجب على كل المغاربة الدفاع عن أمن ووحدة وهوية هذا البلد.