على مر الحضارات التي تعاقبت على تاريخ المغرب القديم والوسيط، كان أجدادنا المغاربة يبدعون في مجالات مختلفة، ويقدمون أمثلة عديدة على التطور الكبير الذي حققوه في مجالات الطب والعمارة والبناء والعلوم والأدب والشعر، في وقت كانت فيه أوروبا لا تزال غارقة في بحر من الجهل والتخلف والأمراض، وهذا ما دفع بعدد من العلماء الأوروبيين الى ترجمة أعمال الأطباء والعلماء المغاربة ومحاولة الاستفادة منها، في أوروبا، وكمثال بسيط على ذلك، فإن جامعة القرويين لعبت دورا كبيرا في انتشار العلوم والأرقام العربية إلى ربوع أوروبا... في هذا الخاص نتوقف لنلقي الضوء على أبرز مفاخر المغرب المنسية التي قد لا يعرف عنها الجيل الحالي أي شيء تقريبا.. بعد انهيار الحكم الأموي في المشرق الإسلامي ونهاية دولته على يد بني العباس، فر عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس وأسس دولة أموية قوية وحدت الفصائل التي كان لتناحرها أبلغ الأثر في توقف الفتوحات الإسلامية نحو باقي البلاد الأوربية، وقد دخل صقر قريش الأندلس وبها الكثير من الطوائف التي تمايزت على أسس عرقية محضة، فهناك العرب القيسية واليمنية، وهناك البربر الذين قدموا مع طارق في بداية الفتح واليهود والمولدون والموالي ونصارى الأندلس المستعربون الذين فضلوا البقاء في كنف المسلمين، كل هؤلاء شكلوا قاعدة المجتمع الأندلسي بعد الفتح، وقد كان لدهاء صقر قريش أبلغ الأثر في تذويب الخلاف بينهم جميعا فأعمل العدل وحسن السياسة والتدبير إلى أن بلغ مبتغاه في تشييد دولة عظيمة امتدت من سنة 136 هجرية إلى 398 هجرية، وهي السنة التي شهدت وفاة عبد الملك بن محمد بن أبي عامر، الذي يمكن أن نعتبره آخر الملوك الذين حافظوا على وحدة الدولة الإسلامية في الأندلس، وما هو إلا أن توفي هذا الملك العامري حتى ثارت النزاعات الطائفية بين العرب والبربر من جديد، ولم تكد سنة 422 هجرية تحل على الأندلس حتى تحولت من دولة عظيمة موحدة إلى دويلات متناحرة، وبدأ عهد ملوك الطوائف الذي أشعل في نفوس الصليبيين جذوة الأمل في استرداد الأندلس، فعلى القدر الذي كانت تتأجج فيه الخلافات بين أمراء الطوائف، كانت رغبة الممالك الصليبية تتقوى في ضم بلاد الأندلس برمتها، ونتيجة للصراع المرير بين الطوائف ظهرت إمارات ضعيفة لا تحمل من صفات الإمارة غير الاسم من قبيل إمارة «بني حمود» و «بني عباد» و»بني ذي النون» و»بني عامر». وقد بلغ الحقد بين أصحابها مبلغا عظيما فجعل كل واحد منهم يستميل أمراء الصليبيين الأقوياء بالمال ليعينوه على خصومه المسلمين، وأصبحت للنصارى اليد الطولى في تدبير الخلافات بين المسلمين وفق منطق يخدم خطة الاسترداد التي رأوا أن أوان السعي في تنفيذها قد حان. يقول الدكتور شوقي أبو خليل متحدثا عن الصراع بين طليطلة وقرطبة «إن بعضهم لم يتورع عن التحالف مع الدول النصرانية، أو أن يستمد عونها نظير الجزية، حتى إن المأمون بن يحيى بن ذي النون الذي خلف أباه سنة 1043م في إمارة طليطلة اغتنم عون حليفه القوي عبد العزيز بن أبي عامر واستأجر الفرسان القشتاليين ليبطش بمحمد بن جهور أمير قرطبة». وهكذا استنزفت هذه الطوائف مقدرات الأندلس في حروب طويلة مريرة أوغرت عليهم صدور العامة، فتاق الناس إلى من يخلصهم من محنتهم بعد أن صار إرضاء الصليبيين قدرا مقدورا على أمراء الطوائف، لا يتم إلا بالزيادة في الضرائب والمغارم فكرهت العامة حكمهم واتحدت القلوب على بعضهم في انتظار من يعيد للأندلس هيبتها ويوقف الصليبيين المتآمرين على وحدتها عند حدهم.
معركة الزلاقة توزعت ممالك النصارى بين حكام ثلاثة أقوياء هم ألفونسو السادس ملك قشتالة وجليقية، وسانشو ملك أراجون ونافارا، والكونت برنجار ريموند حاكم برشلونة، وقد تمكن ألفونسو من إسقاط طليطلة باستخدام الحيلة والدهاء فأجج في قلوب الممالك الأخرى رغبة عارمة في طرد المسلمين من بلاد الأندلس، ومن ثم اجتمعت كلمتهم على خوض معركة الاسترداد المقدسة فبعثوا في الأقطار يستنفرون همم فرسان الصليبية، وأما ملوك الطوائف فقد كان افتراق كلمتهم أشد وطأة عليهم من اجتماع عدوهم، وقد انطلق العد العكسي لمعركة الحسم في بلاد الأندلس بزحف الجيوش الصليبية نحو إشبيلية واحتلال «قورية» وقيام الجيوش الصليبية المتحدة بمناوشات في سرقسطة وشذونة وطريف، وقد تمخض اختبار القوة بين الجيوش الصليبية، التي ضمت خيرة فرسان فرنسا وألمانيا وإيطاليا وقشتالة وغيرها من بلاد النصارى، وبين دويلات الأندلس عن وقوف الصليبيين على مكامن الضعف عند الأندلسيين فصح عزمهم على مواصلة الحصار والقتال إلى أن يستأصلوا شأفة المسلمين، ولم يبق أمام الأندلس غير القوة المرابطية في المغرب كي تتقي بها هجمات ألفونسو ومن معه، فاتفق الأندلسيون على مراسلة يوسف بن تاشفين الذي ملأت أخبار انتصاراته أقطار الأرض ووقع خبر توحيده لبلاد المغرب في نفوس الناس موقعا حسنا، فكان أن تقاطرت عليه الوفود الأندلسية بمراكش تستحثه على إنقاذ الأندلس، وقد حذرت بطانة السوء المعتمد بن عباد ملك إشبيلية من مغبة استقدام المرابطين، فقال المعتمد قولته الشهيرة «لأن أرعى الجمال عند يوسف خير لي من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو». كان يوسف، يومها، قد بلغ السبعين من العمر، وقد عركته الحروب وعركها وسبر أغوارها فلم يشأ الاندفاع إلى أرض لا يعرف عنها شيئا، وقد استشار خاصته فأشاروا عليه بأن يطلب من المعتمد أن ينزل له على الجزيرة الخضراء لتكون قاعدة انطلاق عملياته الحربية في الأندلس فوافق المعتمد على طلبه، ولما كان ربيع الأول من عام 479 هجرية انطلق أمير المسلمين بنفسه من سبتة نحو الأندلس، وفور وصوله إلى الجزيرة الخضراء التف حوله الفقهاء والقضاة، وسرت بمقدمه الحماسة في كل أقطار الأندلس وكأنما نشط الأندلسيون من عقال، وقد عرف يوسف بطول باعه في التخطيط للمعارك وتنظيم الجيوش فأسلس له لذلك الأندلسيون القياد وأذعنوا لرأيه. قسم أمير المسلمين الجيش بداية إلى ثلاث قطع، فجعل في المقدمة قوة من الفرسان المرابطين يقودهم داود بن عائشة، وأوكل قيادة الجيش الأندلسي إلى المعتمد بن عباد، واحتفظ لنفسه بقيادة جيش من أنجاد المرابطين ليحسم المعركة في الوقت المناسب، وقد يسر تقسيم الجيش أمر تنقله وحركته وهو تخطيط لم يكن مألوفا في الحروب الأندلسية، وأما ألفونسو فما أن سمع بعبور المرابطين حتى تأهب لملاقاتهم مع حليفيه سانشو والكونت برنجار في جيش جرار يصل عدد جنوده إلى مائة وثمانين ألفا، بينما الجيوش الإسلامية مجتمعة لم يتجاوز عدد أفرادها ثمانية وأربعين ألف مقاتل، وقد عسكر الجيشان قرب بطليوس في سهل يقال له سكرالياس أو الزلاقة ووقف كل جمع مقابل خصمه على ضفتي نهر بطليوس واستمرت المراسلات بين الجيشين على مدى ثلاثة أيام، وقد عرض ابن تاشفين على ألفونسو واحدة من ثلاثة، فإما الإسلام أو الجزية أو الحرب، ولكن ألفونسو توعده وهدده فأجابه ابن تاشفين إجابة مقتضبة «الذي سيكون ستراه»، وقيل إن ألفونسو ارتاع من جواب ابن تاشفين فحاول إعمال الحيلة وطلب منه أن يرجئ القتال إلى يوم الإثنين مادام يوم الجمعة يوم المسلمين ويوم السبت يوم اليهود والأحد يوم النصارى، ولم تكن هذه الخدعة لتنطلي على أمير المسلمين فظل من خصمه على حذر وبث عيونه وأرصاده تخبره بكل تحركات ألفونسو وانتدب فرقة من خيرة رجاله وكلفها بإضرام النار في معسكر ألفونسو متى احتدم وطيس المعركة، وقد ارتأى أمير المسلمين أن يدفع بالمعتمد ورجاله في المقدمة وأن يضع المتوكل بن الأفطس على ميمنة الجيش وأهل شرق الأندلس في الميسرة ثم قسم المرابطين إلى فرق كلفها بصنع كمائن للعدو لإرهاقه، وحسنا فعل أمير المسلمين فقد ضمن بهذا التنظيم المحكم انغماس الأندلسيين في المعركة وعدم فرارهم، وأبقى لنفسه إمكانية الحسم في النزال في اللحظة المناسبة باعتماد عنصر المفاجأة أثناء إقحام القوة الاحتياطية التي ظلت معزولة عن الصراع محتفظة بكامل حيويتها. وكذلك كان فقد مال أفونسو على الجيش الأندلسي برجاله فتصدى لهم داود بن عائشة في عشرة آلاف من فرسانه وصد هجمتهم فأبادوا من رجاله خلقا كثيرا، وقد استبسل داود ورجاله في المعركة فأثاروا حمية المعتمد فحث رجاله على الصمود وانطلق يخوض المعركة بثبات ورباطة جأش، ولم يكن ميزان القوة متكافئا فبدأت جموع الأندلسيين تنفض من حول المعتمد عندها أعطى أمير المسلمين الإشارة لقواته بإحراق معسكر ألفونسو، وتدارك داود بن عائشة والمعتمد ومن معهما فانقلب سير المعركة وأثخن يوسف في خصومه واستخدم الطبول لإشاعة الخوف في نفوس أعدائه، وقبل أن يخيم الظلام على أرض الزلاقة كان ألفونسو قد أطلق ساقيه للريح في كتيبة من أربعمائة مقاتل هي كل ماتبقى من جيشه الجرار وقد أثخنته الجراح ولم يصل من هذه الكتيبة إلى طليطلة سوى مائة فارس. المعركة انتصر المسلمون بقيادة المرابطين المغاربة في الزلاقة نصرا مبينا، والملاحظ أن هذا النصر العظيم قد ضخ دماء جديدة في شرايين الأندلس المسلمة فعاشت بعده مدة تجاوزت أربعة قرون بعد أن أشرفت على الهلاك بسبب تناحر الطوائف، وقد كان للزلاقة أثر كبير في وقف حروب الاسترداد، بل وفي الإجهاز على مشروع الاسترداد برمته بعد أن علم النصارى أن وراء الأندلس إمبراطورية مغربية عظيمة تمتد إلى حدود نهر السينغال جنوبا وتبسط نفوذها على شمال إفريقيا برمته لا تسلم الأندلس ولا تخذلها، إذاك ثابت الصليبية إلى رشدها وقد كان من شأن معركة الزلاقة أن تمهد لفتوحات جديدة في الاتجاه الذي صار فيه طارق بن زياد من قبل، ولكن وفاة ولي عهد يوسف بن تاشفين عجلت بعودة أمير المسلمين نحو مراكش وحالت دون تتبعه لفلول الصليبيين، كما أن تباغض ملوك الطوائف وتآمرهم بعثر جهود المرابطين وألزمهم الحذر في كل خطواتهم ببلاد الأندلس، وإذا كانت الزلاقة لم تحسم في قضية الصراع الطائفي ببلاد الأندلس فإنها رسمت معالم الطريق نحو وحدة الاندلس من جديد، وحدة تنبني على العدل ورفع الظلم عن الرعية ونبذ المذهبية الضيقة والعنصرية العرقية التي لم يجن وراءها الأندلسيون إلا الوبال، وهكذا لم يمض غير زمن يسير بعد الزلاقة حتى توافدت الوفود على أمير المسلمين تضم وجهاء الأندلس وفقهاءها تلتمس منه ضم بلاد الأندلس وتخليصها من شر الطوائف وتهديد الصليبيين وتوالت عليه رسائل العلماء والفقهاء من المشرق والمغرب تلزمه بتوحيد الأندلس. وإن يكن للزلاقة من تأثير في مجريات الأحداث في الغرب الإسلامي فأعظم تأثيراتها أنها وحدت الرؤى حول ضرورة قيادة المرابطين للأندلس وهو أمر أجمعت عليه العامة التي أرهقها ثقل المغارم وأجمع عليه الفقهاء الذين رأوا في ابن تاشفين رجل المرحلة بامتياز، وأجمع عليه كل من ذاق حلاوة النصر في الزلاقة بعد أن استسلم للهزيمة قبلها ورأى فيها قدرا لا مفر منه. وليس غريبا أن يكون الأمير عبد الله بن بلقين أول من يرى أن وحدة الأندلس خير للأمة بعد أن كان هو نفسه سببا في تشرذمها لأن الإنسان متى أعمل عقله وتجرد عن الأهواء اهتدى إلى الحق مهما كان موقعه أو صفته، وابن بلقين كان خصما لأمير المسلمين ومع ذلك فقد قال في مذكراته «أول ما يجب أخذ أنفسنا به إخلاص النية لأمير المسلمين –أيده الله – وتمني الخير له لأن صلاح المسلمين بصلاحه». وكفى بشهادة ابن بلقين دليلا على الأثر الطيب الذي أحدثته الزلاقة في النفوس.
ابن تاشفين بطل ظلمه التاريخ تعسف الكثير من المشارقة في نسبة ابن تاشفين إلى المشرق وانتقص آخرون من مكانته ونسبوه إلى الغلظة والقسوة، وتحامل عليه كثيرون بسبب موقفه من المعتمد بن عباد ورأوا في نفيه زلة من زلات أمير المسلمين، وإذا كانت «حطين» صلاح الدين «وعين جالوت» قطر وغيرها من الوقائع المشرقية قد حظيت بما تستحقه من العناية والدرس والتأليف، فإن «زلاقة» ابن تاشفين أهملت من قبل المؤرخين المتقدمين والمتأخرين لسببين هامين، أولهما أن ابن تاشفين لم يكن عربيا على الحقيقة وإنما بربريا صنهاجيا من لمتونة، ولهذا تحاشى ذوو النزعة العروبية المتطرفة الخوض في سيرته، وإن فعل بعضهم فللانتصار للمعتمد اللخمي، حتى قال بعض المتعصبين إنه راسل يوسف ينشده شيئا من شعر ابن زيدون يعبر فيه عن حنينه لرفقته قائلا : حالت لفقدكم أيامنا فغدت سودا وكانت بكم بيضا ليالينا فاعتقد ابن تاشفين أنه يسأله جواري سودا وبيضا لجهله بالعربية، وقد أجمع النقاد والمؤرخون على أن رد يوسف الوجيز على ألفونسو الذي أدخل الهلع إلى قلب متزعمي حروب الاسترداد لا يصدر إلا عن رجل ذكي مدرك لمعاني الكلمات وأثرها ووقعها في النفوس وهذا لا يستقيم مع ما وصفوه به من الجهل بالعربية. وثانيهما أن أمير المسلمين ولد ونشأ في قطر درج إخواننا المشارقة على اعتبار نبوغ أهله حدثا طارئا لا سجية أصيلة، وقد نشأ عن هذه الأسباب التي لا تمت للمنهج العلمي في تناول التاريخ بصلة ظهور طائفة نالت من أمير المسلمين وألحقت الكثير من الأذى بصورته ومن أفرادها مؤرخون وسينمائيون ومسرحيون وأدباء وغيرهم، وهم على اختلاف مشاربهم يوحدهم الانتماء العروبي الضيق، كما توحدهم غاية التقليل من أهمية حدث «الزلاقة» وأهمية القائد «يوسف»، وفي هذا السياق أنتج منصور الرحباني مسرحية بعنوان «ملوك الطوائف» قدم فيها يوسف بن تاشفين متوحشا متعطشا للدماء جائعا جشعا، وقدم وليد سيف مأساة «المعتمد بن عباد» في مسلسل «ملوك الطوائف» في قالب إنساني مؤثر يملأ قلب المشاهد بالحنق على أمير المسلمين، ومسلسل الانتقاص من هذا البطل العظيم متواصل منذ القدم، بدأه شعراء المعتمد وخاصته الذين أغدق عليهم من أموال الرعية فاصطفوا في معسكره وملؤوا الدنيا صراخا وعويلا. لقد أحسن المعتمد تصوير مأساته في أشعاره لأنه شاعر مفلق مجيد وكان تأثيره عظيما في نفوس أولئك الذين تناقلوا تفاصيل مصيبته في أغمات بعد نفيه. ولقد نقف عند أبيات شعره حين يصف حال بناته في العيد قائلا: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعة يغزلن للناس ما يملكن قطميرا فتنفطر قلوبنا كمدا ونحن نتخيل تلك الصورة التي آل إليها حال المعتمد وآله، وهم الذين ألفوا النعيم المقيم ثم صاروا إلى الفقر والذل، وما أفظع أن يذل عزيز القوم. ولكن الأمور لا توزن بهذا الميزان لوحده، فما ذل المعتمد إلا بعد أن أذل أمة بكاملها وتآمر مع ألفونسو على المرابطين وغدر بهم وقتل من فرسانهم عددا كبيرا، وحين ظفر به أمير المسلمين أبقى على حياته حفاظا على ود قديم ومراعاة لسابقته في موقعة الزلاقة، ولم يزد على أن نفاه إلى قرية خالية من مظاهر الترف والبذخ ولم يكن أمير المسلمين ليخص نفسه بشيء من الملذات دون أسيره، فهو لم يكن يلبس غير الخشن من الثياب ولم يعود معدته غير الخشن من الطعام، ولكن الذين تناقلوا مأساة المعتمد أغفلوا ربطها بأسبابها، ومن عجب أن مظاهر تكريم المعتمد الخائن لأمته على حساب يوسف بن تاشفين مستمرة إلى اليوم فقد أقيم حول قبره ضريح مزخرف واسع، في الوقت الذي وضع فيه ابن تاشفين في ضريح متآكل تنبعث من محيطه رائحة العفن.