يعرض يومياً من الإثنين إلى الخميس على غرفتي الجنايات الابتدائيتين والغرفة الاستئنافية للجنايات لدى محكمة الاستئناف بولايةالدارالبيضاء الكبرى، إلى جانب غرفتي الجنايات للأحداث، ما يزيد عن معدل خمسين ملفا يومياً لكل هيئة، بل سجلنا في بعض الجلسات أن عدد الملفات المدرجة فاق الثمانين. والمعروف عن الملفات الجنائية يكون فيها المتهمون كثيرين، خاصة في قضايا تكوين عصابة إجرامية وفي السرقة الموصوفة، وفي التزوير واستعماله... مثلها مثل الملفات الجنحية التي تعرض أمام القضاء الابتدائي وتتمحورالمتابعة فيها بالضرب والجرح المتبادل بين الجيران. إذ يمثل أمام القضاء الجالس كل أفراد العائلتين المتنازعتين من أجل أتفه الأسباب. كثرة الملفات، تؤدي أوتوماتيكياً إلى ازدياد عدد الماثلين بالجلسة، ليس فقط أطراف الشكاية، ولكن كذلك المشاركين معهم والمساهمين والشهود والخبراء والمترجمين وغيرهم من مساعدي القضاء الذين قد يحتاج لرأيهم أو تقريرهم لفهم مسألة خاصة، وهذه الكثرة تجعل البت في ملف ما قد يقتضي زمناً أطول، بل وجلسات تضطر، والحالة هاته، الهيئة القضائية إلى عقد جلسات إضافية أيام الجمعة للنظر في ملف واحد. ومع ذلك، تبقى كثرة الملفات هي السمة الفارضة وجودها منذ سنوات في معظم جلسات محاكم الدارالبيضاء، بما فيها جلسات القضاء المدني والاجتماعي وقضاء الأسرة، والتي قد يصل عدد الملفات في بعضها من 150 إلى 200 ملف في الجلسة الواحدة. إذن كل القضاة والموظفات هيئة كتابة الضبط والأعوان يعيشون منذ دخولهم صباحاً للمحاكم بالضغط الواقع عليهم، جراء هذه الملفات، بالإضافة إلى زوار المحاكم من المتقاضين وذويهم وجيرانهم، مما يجعل مهمتهم في التعامل مع هذا الكم البشري معقدة وتتطلب سعة الصدر، وحب العمل والإخلاص فيه. أمام هذا الواقع الذي تعرفه وزارة العدل، ليس فقط من خلال ما ينشر في الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي، ولكن كذلك عن طريق التقارير الشهرية، التي يوجهها إليها الموكولة لهم هذه المهمة، يبقى السؤال مطروحاً منذ سنوات: لماذا تستمر هذه الوضعية ولم تتمكن الوزارة منذ ما يزيد عن 15 سنة من إيجاد حل لها؟ بل كل واحدة تضع برنامجاً لا ينفذ فيه سوى الجزء اليسير لتستمر معاناةالموظفين الذين مارسوا حقهم في الإضراب، لتتعقد الوضعية أكثر وتتراكم الملفات، ويبقى المتقاضون وعائلاتهم والمحامون رهيني مسلسل التأخيرات و «سير واجي»؟نعم إن كل وزارة أنجزت جزءاً من مشروع برنامجها، لكن القرارات الصائبة لم يتم أخذها، والتأخير في حل المشكل هذه السنة يزداد تعقيداً السنة الموالية، وهكذا دواليك إلى أن يصبح شبه مستحيل. يقول البعض إن هناك من يستفيد من هذه الوضعية داخل المؤسسة وخارجها. وإلا كيف تفسر الوزارة نسبة التوظيف للقضاة وكتاب الضبط المحدودة كل مرة، والحال أن الجميع يعلم أن خريجي كليات الحقوق بالمغرب الحاملين للدكتوراه والماستر، والإجازة المعطلين يعدون بالمئات ويزداد عددهم كل سنة؟ وكيف تفسر وتيرة الترميمات التي تعرفها بعض المحاكم، وبناء وتوسيع أخرى؟ إضافة إلى مشكل التجهيزات. فكم من مرة أعطيتُ أنا شخصياً قلماً لقاضٍ أو كاتب للضبط. إن عيون الوزارة قد تخبرها أو لا تخبرها بأن قضاة مختلف المحاكم أصبحوا مرغمين، تحت ضغط كثرة الملفات، ومطالبة الوزارة بالرفع من المردودية كما لو أن القاضي خدام في شركة لصناعة الأحذية أو ما شابهها التي قد تكون في بعض الأحيان وعن غير قصد من هذا القاضي أو ذاك، على حساب الجودة/ الصواب/ العدالة/ الحق، وهذا ما يجعل المواطن يفقد ثقته في القاضي لتتعمق الأزمة أكثر فأكثر، أصبحوا مرغمين على حمل الملفات لمنازلهم لدراستها وتحرير الأحكام، لأن وقت العمل الإداري غير كافٍ لذلك، مما يحرمهم من وقتهم في الراحة الضرورية لعملهم المرهق للفكر والجسم، كما يفوت عليهم الاستمتاع مع أفراد أسرهم وعائلاتهم، دون الحديث عن انعدام توفر وقت لتنمية معلوماتهم عن طريق قراءة المجلات القانونية على الأقل. إن الوزارة تعلم علم اليقين كسابقاتها أن العنصر البشري قليل جداً في كل المحاكم والتخصصات، وأن ما هو موجود منتج، والدليل تزايد قلة المخلفات كل سنة، مما يستوجب معه، والحالة هذه، الدعم المادي والمعنوي والبشري للطاقم الحالي، خدمة لمكانة القاضي داخل المجتمع وإقراراً للعدالة التي هي أساس العمران، وما ذلك على المخلصين من أبناء هذا الوطن بعزيز.