أكد مفكرون وباحثون في المسألة الدينية بالوطن العربي، أمس السبت بمراكش، أن هناك حاجة إلى خطاب ديني قادر على تهيئة المناخ الملائم لدفع الفضاء العام إلى إنتاج منظومات أخلاقية تسهم في صناعة ونهضة المجتمع. ودعا هؤلاء المفكرون والباحثون الملتئمون في إطار فعاليات المؤتمر السنوي الثاني لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" حول موضوع "الخطاب الديني : إشكالياته وتحديات التجديد"، إلى بناء خطاب ديني يؤمن بطبيعة الاجتماع المتعدد والمتنوع وقادر على مزايحة الخطابات القائمة على التصنيف العقائدي. كما أشاروا إلى أن معظم المفكرين ورجال الدين والباحثين لديهم قناعة راسخة بضرورة تجديد ونقد الخطاب الديني وتخليصه من عناصر الإقصاء والتطرف من خلال اعتماد مناهج ومستويات ورؤى مختلفة . وقال المدير العام لÜ "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، محمد العاني، إن "الخطاب الديني السائد لم يسهم في صناعة إنسان يتمتع بصفات سلوكية وأخلاقية حضارية"، مضيفا أن هذا الخطاب غارق في الشكليات والطقوس والتشريعات التي أفرغت العبادات من مضمونها القيمي والأخلاقي. وبعد أن أبرز أهمية موضوع الخطاب الديني الكامنة في كونه ذلك النشاط التواصلي الذي يحاول الجمع بين متطلبات الواقع وحاجيات الناس المختلفة وبين فكر ديني يختزل في داخله قيم العلاقة بين الله والمقدس والواجبات الدينية، سجل العاني أن الخطابات الدينية تعاني ارتباكا حقيقيا في علاقة التوليف هاته وفي طرائق التعامل مع أصولها ومرجعياتها الفكرية . وقال ،في هذا السياق، " نحن بحاجة إلى تأسيس خطاب ديني عقلاني وفاعل ورشيد ومؤمن ومنسجم مع واقع متعدد الهويات والانتماءات والأديان ليس في هذا العالم المفتوح فقط وإنما داخل الوطن الواحد وفي مستوى الإقليم المتداخل". واعتبر ، من جانب آخر،أن الرهان الحقيقي يكمن في حوار الأفكار والتفاعل فيما بينها بأسلوب أخلاقي وعلمي ودون اتهامات أو تخوين ودون استخدام عناصر أيدلوجية من أجل إثبات وجهة نظر دون أخرى "حتى لا نقع فريسة تكريس الفرز الطائفي من أجل تبرير النقد ونقد النقد". من جانبه، شدد الكاتب والباحث الموريتاني السيد ولد أباه ، على أنه من الضروري في ظل ما يشهده العالم العربي من مصاعب جمة، أن يكون هناك صوت "عقلاني وعاقل" في الساحة الإسلامية يقدم رؤية قابلة لأن تشكل إطارا جامعا لفكر الأمة الإسلامية في تناقضاته واختلافاته. من جهته، اعتبر المفكر المصري حسن حنفي ، الذي تم تكريمه بهذه المناسبة، أن تجديد الخطاب الديني يقوم على مسلمة يمكن رفضها أو قبولها وهي أن هناك علاقة تمايز بين اللفظ والمعنى، مضيفا أنه إن لم يتم قبول هذه الثنائية فسيصعب تجديد الخطاب الديني الذي يعد ضرورة حتمية. وحاول المفكر المصري في مداخلته أن يعالج موضوع تجديد الخطاب الديني من خلال المدخل اللغوي الاصطلاحي، معتبرا أن تجديد اللغة يعد مسألة جوهرية في الخطاب الديني على اعتبار أن اللغة هي التي تحمل الفكر ولا يمكن تجديدها دون تغيير الفكر وما يتأسس عليه. بدوره، تطرق الكاتب والمفكر اللبناني رضوان السيد، لمسائل تتعلق بالاعتقاد والتجربة التاريخية والدين والجماعة والتقليد ، كما توقف عند مسألة مركزية تواجه الخطاب الديني وتجديده، تتجلى في التحديات الموجودة على مستوى الواقع. وأبرز أن العالم الإسلامي يعيش واقعا انشقاقيا كبيرا،وإذا لم يتم العمل على تجديد وإصلاح التقليد فإن هذا الواقع سيظل مستمرا على حد قوله.كما دعا إلى "إعادة الاعتبار وتأهيل المؤسسات الدينية التقليدية في مهمتها المتجلية بالأساس في وحدة العبادة والتعليم الديني وإرشاد العام، إلى جانب نقد عمليات تحويل المفاهيم والتي تعد مهمة أساسية ملقاة على عاتق المثقفين، والعمل على مساعدة الفئات السياسية الجديدة التي تبث أنها لم تستطع بعد ثورات الربيع العربي إقامة نظام حكم صالح ". وعرفت أشغال هذا المؤتمر ، المنظم على مدى يومين، توزيع جوائز مسابقة مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" السنوية الخاصة بأبحاث الشباب العربي ، حيث عادت الجائزة الثانية مناصفة بين الباحثين المغربيين توفيق فائزي وعمر التاور بعدما تم حجب الجائزة الأولى بسبب عدم استيفاء البحوث المشاركة شروط المسابقة ، فيما حاز الجائزة الثالثة الباحث المغربي عادل الطاهري. أما جائزة أفضل كتاب في حقل المنشورات الدينية فعادت للتونسيين محمد الخراط عن كتابه "تأويل التاريخ العربي" وباسم مكي عن كتابه المعجزة في المتخيل الإسلامي". ويبحث اللقاء، الذي يعرف مشاركة نخبة واسعة من الباحثين في المسألة الدينية، متطلبات تقديم خطاب ديني تجديدي يلامس حاجات الناس ومعاشهم، ويقدم أجوبة عملية للتحديات التي يواجهونها في واقعهم، دونما إهدار لحاجات الإنسان الروحية والإيمانية. ويعمل المشاركون على استشراف قدرة هذا الخطاب على التواصل مع الشرائح الاجتماعية المختلفة، بحيث لا يبقى حبيس الدوائر الأكاديمية والنخب المثقفة. وتتوزع محاور الندوة على سبع نقط هي "الخطاب الديني: طبيعته ومناهجه"، "الخطاب الديني: استراتيجيات الإنشاء والإقناع والدفاع"، "الخطاب الديني التعليمي"، "الخطاب الديني وجدليات الأخلاقي والسياسي"، "خطاب التجديد الديني (أمراضه ومعوقاته وآلياته)"، "مشكل الاتساق والانفصام في الخطاب الديني الموروث وفي الخطاب الديني المحدث" و"مشاريع التجديد الديني.. عرض ونقد". يذكر أن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، التي يوجد مقرها بالرباط، تحاول "الاشتغال على تجديد وإصلاح الفكر والثقافة في مشهدها العام والديني منها بشكل خاص، بحيث يصبح التجديد فاعلا في تنمية المجتمعات والارتقاء بها، وذلك وفق أسس ومبادئ وما فطر عليه الإنسان من حرية للإرادة والتعبير والفكر والاعتقاد، ووفق مكتسباته الإنسانية من نبذ للتعصب والانغلاق الفكري". وتعمل المؤسسة على أساس قناعات ومبادئ من أهمها الإيمان بحرية الإنسان وحقوقه المعترف بها دوليا، إعلاء قيم التنوع الثقافي والحضاري والحوار، الإيمان بأهلية الإنسان وحقه في التفكير والبناء الحضاري دون اشتراطات أيديولوجية أو عقائدية، أو تقييده بانتماءات حزبية أو عرقية أو دينية، احترام المعايير العلمية والعقلانية في البحث والكتابة والنقد، والابتعاد عن المعايير والتقييمات ذات النزعات العقائدية والأيديولوجية.