الطيب تيزيني مفكر وكاتب ومثقف ماركسي طليعي وتقدمي سوري، ومن المشغولين باشكاليات الفكر العربي المعاصر ، وتتركز اهتماماته البحثية على الاتجاهات النقدية للفكر العربي الوسيط والحديث والمعاصر. انه أحد الباحثين عن النسغ الصاعد في ثقافتنا العربية التنويرية، ويساهم بجدية في الحركة الفكرية العربية ويغني بعطائه المتميّز مسارات البحث العلمي، ويرفد حياتنا بجدالاته وحواراته التي لا تنقطع بالبحث عن الحقيقة ، ومساهماته الفكرية ليست من ذلك النوع المرحلي العابر بل هي جذورية نفاذة ومستمرة في شعاع المراحل الراهنة واللاحقة . وهي تجارب ومحاولات لتصحيح النظرة والرؤية الفكرية العربية المعاصرة والتاريخ وفهمه. والطيب تيزيني من مواليد حمص عام 1938 ويعمل استاذاً جامعياً، شغل عضواً في هيئة تحرير مجلة " النهج " الفكرية، وقد نشر العديد من المقالات والدراسات والبحوث التاريخية والفكرية في المجلات والدوريات والأدبيات الصادرة في الوطن العربي ، وألف الكثير من الكتب والأعمال البحثية والنقدية ، منها : "من التراث الى الثورة، كتابات في الفلسفة والفكر العربي، حول مشكلات الثورة والثقافة في العالم الثالث، النص القراّني أمام اشكالية البنية والقراءة ، ورؤية جديدة للفكر العربي من بواكيره حتى المرحلة المعاصرة " . والطيب تيزيني أيقظ بقلمه الناري وفكره الوضاء العقول الصدئة في صناديق الماضي، وأكثر ما يشدد اليه طبيعته السجالية وخطابه النقدي واختراقه للمنوعات والطابوات واقتحامه دائرة الحظر الفكري وحقول الألغام أمام الفكر ونقده الحاد والقاسي لأفكار التجمد والتكلس الديني، ومعاركه الأيديولوجية ضد كل ما هو كابح ومعيق لقضايا الفكر والتقدم والتنوير. وكتابات الطيب تيزيني تتخذ في الغالب طابع الحوار والنقد وتدور حول مسائل فلسفية وفكرية وتراثية ، وفي أعماله البحثية يتناول برؤية مختلفة ومنظور نقدي وفهم ديالكتيكي قضايا التراث ويطرح مشكلات العصر، فيتطرق الى بؤس الثقافات العربية وينتقد الأصوليات الدينية ألاسلامية العربية وغير العربية كونها ذهنية سلفوية، كما ويتعرض للاغتراب في الفكر العربي والسقوط من فكر النهضة الى فكر الانعزالية والرجعية. ويذهب في مؤلفه " كتابات في الفلسفة والفكر العربي" ، الصادر عن دار الفارابي، الى القول: "أن الفكر العربي بأنساقه المستنيرة مدعو الى خوض اختبار عميق ومركب ومعقد يتمثل باكتشاف الطريقة الحقيقية للمزاوجة بين الواقع العربي المشخص وأكثر المناهج المعاصرة نجاعة في بعديها المعرفي والأيديولوجي، وذلك بعيداً عن هوس الانجاز المتسرع واللاهث وراء نتائج قطعية وتامة ". الطيب تيزيني مثقف ومفكر وباحث يمتلك قدرة خلاقة على استخدام أدوات النقد والتحليل العلمي لتشخيص واكتشاف الواقع وقراءة المستقبل ورصده ،ويحمل رسالة يريد أن يبلغها بما اوتي من قوة سواء في أعماله وأبحاثه الفكرية أو بالتزامه العقائدي والأيديولوجي وموقفه السياسي، وهو مولع بالتراث ومهتم بالقارئ ومدافع عن حرية الفكر وحرية الانسان وكرامة الوطن. ويتصف بسجالاته الحوارية الحادة ونقده الصارم لكل المشاركين في اغتيال ومحاصرة الوعي والعقل وتهميش وتدمير المشروع النهضوي الحضاري ، الثقافي والفكري العربي. الطيب تيزيني يتمتع بالشفافية وبأتساع المعرفة وبالارتكاز على الأرث الأخلاقي والعمق السياسي والفكري ، ويؤدي دوره الخلاصي، ويواصل مغامرة الكتابة بنفس مغامرة الحياة نفسها ، في هذا العصر الذي تتراكم فيه المحرمات والمحظورات ، ويحرص أن يكون مختلفاً ليلغي الخطر المحتمل. خلاصة القول ، أن الطيب تيزيني من أصحاب المشروعات الفكرية الكبرى ، ويكرس جل جهده لتأسيس رؤية عقلانية جديدة للفكر العربي، وأن التفاؤل التاريخي يمثل ملمحاً أساسياً ومهماً من الملامح التي تتميز به أعماله ومنجزاته ، وكلنا أمل بأن يستكمل مشروعه الخلاق لأجل مزيد من أثراء المنهج العلمي في دراسة قضايا الفكر والثقافة العربية في المرحلة الراهنة .