في مبادرة من اتحاد الكتاب العرب ودار الصدى للصحافة والنشر ومجلة «أصداء فلكية» في دمشق تم تكريم المفكر السوري طيب تيزيني أحد أهم المفكرين العرب والذي يمتد نتاجه الفكري على مدى أكثر من نصف قرن، ويعد أحد رواد المشروع النهضوي العربي، والذي تم اختياره إحدى المؤسسات الثقافية الفرنسية عام 1988 كواحد من أهم مائة شخصية فلسفية أغنت العالم الفكري. وفي كلمة له، أكد رئيس اتحاد الكتاب العرب حسين جمعة عن تيزيني أنه صاحب مشروع نهضوي عربي منذ مطلع الستينات أساسه وهدفه ووسيلته الإنسان، يستندُ في ذلك إلى ما يملكه الإنسان- من تراث عريق وطويل، وذلك بكيفية إعادة قراءته، قراءة عاقلة، وبالانفتاح العاقل الذي لا يعرفُ الذوبان ولا التبعية، من هنا يرى جمعة أن تيزيني كان يؤسس لرؤى ذاتية من جهة وينفتح على الفكر الآخر دون أن ينصهر فيه من جهةٍ أخرى. بينما قالت فاتن زهر الدين مديرة تحرير مجلة «أصداء فلكية» أن تيزيني من القلائل الذين ارتادوا الأراضي البكر في القراءة الجديدة لتاريخ الحضارة العربية في تأكيده على أصالتها، وأنها ليست منسوخة عن اليونانية كما كان يرى الذين من قبله، كل ذلك كرّس تيزيني ليكون «منتج أفكار» كصديق لابن رشد والفارابي وديكارت وغيرهم. أما عبد الإله النبهان فقال أن تيزيني رأى في قضية التراث والنهضة، البوابة التي يلجُ منها إلى الإشكالية الثقافية العربية، ولأجل هذه الغاية قدم عشرات المحاضرات على مختلف المنابر الثقافية ولشرائح المجتمع كافة، في مختلف أنحاء سوريا. وقد شرح المفكر السوري الكبير طيب تيزيني معالم منهجه الفكري الجدلي، مؤكدا أن سقوط المشروع العربي كان يحقق تسارعاً، بقدر ما كان الفعل الداخلي يتضاءل ويذوي ويحجبه الحاجبون، وأن عودته أو ازدهاره لم يكن بعيداً عن فعل أهله في داخله، ذلك ما حاول ابن خلدون ضبطه، ليدعه من بعد للباحثين ليتابعوه في ضوء عصورهم. كما يرى تيزيني أن العرب ماكانوا ليحققوا نهوضهم الحديث، لولا أن الغرب في خصوصيته الاستعمارية تمكّن من التدخل في المسار التاريخي العربي ومن ثمّ في إقصائه عن تاريخيته النهضوية الأولية، التي انطلق بها في العصر الحديث مع أواخر القرن الثامن عشر، ومن المهم أن يُقال إن ذلك وقف مناوئاً لمتابعة المسار النهضوي الباكر الذي تجلى في بعض الحقول الإستراتيجية العربية مثل القاهرةودمشق وتونس وبغداد، ولكن احتمالات النهوض ظلت قائمة تنتظر الانعطافات التاريخية، إلى أن أطبق التسونامي على العالم مع نشأة النظام العالمي الجديد منذ عقدين ونيف. يذكر أن للمفكر السوري الكبير العديد من المؤلفات الفكرية والفلسفية منها: الفكر العربي في بواكيره الأولى وآفاقه الأولى، في السجال الفكري الراهن، من الاستثشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي، روجيه غارودي بعد الصمت، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط، فصول من الفكر السياسي العربي المعاصر، وغيرها هذا إلى جانب العديد من المقالات والأبحاث الفكرية. كما أنه يعتبر ذاكرة فلسفية معتقة في مسار البحث الفلسفي بالعالم العربي، كونه كان من الأوائل الذين يسروا البحث الفلسفي بجرأة نقدية للطلبة في كل العالم العربي. مثلما أنه كان من الأوائل الذين فتحوا بابا للقراءة النقدية، بشكل عقلاني، وبمرجعية ماركسية، للفكر العربي الإسلامي، مما جعل كل كتبه خلال فترة السبعينات من أكبر الكتب إثارة للجدل في الجامعات العربية، وفي مختلف المنابر الإعلامية والمجلات الفكرية المتخصصة.