بعد قرابة أربعة أشهر فقط عن زيارته لمالي في عهد رئيسها الجديد إبراهيم بوباكار كيتا، يعود الملك محمد السادس إلى هذه البلاد التي عاشت على إيقاع الحرب الأهلية في جولة إفريقية إلى ثلاث دول أخرى بالمنطقة. وتوضح الجولة الملكية للدول الإفريقية الأربع التي دشنها الملك محمد السادس أول أمس الثلاثاء بداية من مالي ببداية عهد جديد لمنطقة الساحل ودول جنوب الصحراء بقيادة المغرب كفاعل أساسي متعدد الأهداف حيث تحيل مؤشرات هذه الزيارة ودلائلها العميقة إلى نهاية "الهيمنة" المقنّعة التي كانت تتولاها الجزائر بالمنطقة من دون أن تستفيد الدول المعنية وذلك نتيجة مخطط تم تنفيذه من طرف الجزائر ومعها ليبيا القذافي في مرحلة ما قبل الربيع العربي. وكانت بداية العهد الجديد لهذه المنطقة قد أشر عليه اجتماع الرباط الذي دار في نونبر الأخير وجمع وزراء خارجية تسع عشرة دولة من دول الساحل وجنوب الصحراء بدول أخرى، لها مصالح مشتركة مع دول هذه المنطقة، وهو الاجتماع الذي شاركت فيه إلى جانب المغرب ومالي وليبيا ومعهما فرنسا دول أخرى. وقد أسفر عن بيان اجتماع سمي "إعلان الرباط" القاضي بالاتفاق على إحداث مركز للتكوين المشترك للمسؤولين عن الأمن في الحدود. ومنذ إعلان الرباط، اعتبر الاتفاق المذكور مؤشرا قويا على عمق جهود المغرب بقيادة الملك محمد السادس بحرصه الكبير على الحضور الفعلي واللا مشروط في مجال مكافحة الإرهاب ليس في منطقة شمال إفريقيا وحدها وإنما في منطقة دول جنوب الصحراء والساحل، وذلك في الوقت الذي أعلنت الجزائر بشكل أو بآخر عدم نيتها الانخراط الإيجابي في هذا البرنامج الهادف إلى استتباب الأمن بالمنطقة بالانخراط الفعلي في مكافحة الإرهاب. وقد فُسر غياب الجزائر عن مثل هذه البرامج وعن إعلان الرباط بالضبط بالوضعية التي توجد عليها بلاد مليون شهيد، فهي من جهة تعتبر بلادا راعية للإرهاب لكونها عرفت في مرحلة تسعينيات القرن الأخير تمركز المليشيات المسلحة والمتطرفة في أعقاب الحرب المدنية الجزائرية بين النظام والمتطرفين الإسلاميين الذين عملت نخبة من حزب جبهة التحرير الوطنية بقيادة عبد العزيز بوتفليقة على الدفع بهم إلى حدود الدول المجاورة، وفي مقدمتها مالي وموريتانيا، ومن جهة أخرى لكونها توجد متورطة في دعم البوليساريو بالعتاد والمال والرجال. غياب الجزائر عن برامج مكافحة الإرهاب قابله الحضور المغربي في مالي وكرسه الدعم والمساندة اللا مشروطان لفرنسا نظاما وشعبا وقوات عسكرية في تدخلها في هذه البلاد بهدف إعادة الأمن والاستقرار إليها، وهو ما جعل المغرب يسحب بساط الهيمنة على المنطقة من الجزائر. ففي الوقت الذي كانت "سيطرة" الجزائر على المنطقة يغلفها العنف المرفوق بالإرهاب وانعدام الأمن، عمل المغرب على إزاحة الجزائر بالديبلوماسية وإفشاء السلام والانخراط الفعلي في مسلسل تثبيت الأمن بالمنطقة كلها عبر مكافحة الإرهاب وتمشيطه في إطار تعاون دولي وإقليمي. وتدشن الجولة الملكية للدول الإفريقية الأربع وعلى رأسها مالي عودة المغرب إلى الساحة الإفريقية أكثر قوة وأكثر فاعلية بعد أن لعبت الجزائر كل الأدوار لإبعاده من القارة السمراء التي تجمعه بها العديد من القواسم، منها ما هو تاريخي وما هو ديني وثقافي، حيث إنه بسبب قضية الصحراء المغربية المفتعلة من طرف النظام الجزائري، عمل المغرب على الخروج من العديد من المنظمات القارية وعلى رأسها "منظمة الوحدة الإفريقية أي الاتحاد الإفريقي حاليا، لكن المبادرات المغربية الأخيرة المتمثلة في الجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب، الذي يفسره الدور القيادي متعدد الأبعاد للملك محمد السادس في خدمة الاستقرار والسلام المستدام في المنطقة برمتها انطلاقا من الدينامية التي أطلقها جلالته في مالي من أجل إقرار سلام واستقرار دائمين بهذا البلد، عربون كافٍ لإبراز الدور القيادي متعدد الأبعاد للعودة الرسمية إلى "حوزة" القارة الإفريقية بالشكل الذي يضمن استقرار شعوبها وأمنها وتنميتها في الوقت الذي تجد فيه اليوم الجزائر نفسها تائهة بين آفة الإرهاب الذي ترعاه وتموله وبين زرع التفرقة بين الدول والشعوب لغاية في نفس حكام بلاد مليون شهيد.