في شهر نوفمبر 2000، كتب مسؤول عسكري أمريكى أول مقال يدعو فيه إلى تشكيل قيادة أمريكية بإفريقيا. وتم تعزيز هذه الفكرة أعقاب أحداث مانهاتن 2001. وفي يناير 2002 بادرت جماعة الضغط المعروفة اختصارا (AOPIG) (African Oil Policy Initiative Group)، إلى فتح النقاش حول هذا المشروع. و بدأ المحافظون الجدد يروجون بأن عناصر القاعدة سوف تنتشر في المغرب العربي بقوة، ورأوا أن الساحل الإفريقي الممتد من موريتانيا غربا إلى القرن الإفريقي شرقا، مرورا بمالي والنيجر والتشاد والسودان والصحراء الليبية والجزائرية، سوف يشكل مجالا حيويا للجماعات الإسلامية المسلحة بما فيها الجماعة السلفية للدعوة والقتال وجميع الفصائل الإرهابية التي تتبنى فكرة القاعدة . غير أن الميلاد الرسمي لمشروع أفريكوم، أعلنت عنه الإدارة الأمريكية في السادس من فبراير 2007 من خلال بيان جاء فيه أن وزارة الدفاع الأمريكية ستنشئ قيادة عسكرية أمريكية جديدة خاصة بأفريقيا سوف تعرف باسم أفريكوم )frica Command) )، وذلك لتنسيق المصالح الأمنية والعسكرية لأمريكا في جميع أرجاء القارة، باستثناء مصر، التي تقع ضمن اختصاصات القيادة الأمريكية الوسطى. إن الهدف من أفريكوم، حسب الرئيس الأميركي هو التصدي للإرهاب في إفريقيا. وقد علق الصحفي الألماني "كنوت ملينثون" على إعلان الرئيس "بوش" قائلاً: "أفريكوم هي سادس قوة أميركية للتدخل الإقليمي السريع في العالم، وجاء تأسيسها تنفيذا لخطة وضعها المعهد الإسرائيلي الأميركي للدراسات السياسية والإستراتيجيات المتقدمة التابع للمحافظين الجدد". كيف تتابع هذه المنظمة العسكرية الحراك السياسي المغاربي؟ والراهن الليبي بالتحديد؟ ولماذا نفى القائد الأعلى لهذه المنظمة، الفريق كارتر هام، تورط الجزائر في إرسال مرتزقة للقتال في صفوف كتائب القذافي. لقد قال، في ندوة صحفية عقدها بمقر السفارة الأمريكية في الجزائر، مؤخرا " ..في كل التقارير العسكرية التي تسلمتها ليس هناك أي دليل واحد على تورط الجزائر وإرسالها محاربين مرتزقة إلى ليبيا ". وأكد، ردا على سؤال لصحيفة الخبر لم أر أي شيء رسمي أو أي تقرير يتحدث عن إرسال الجزائر مرتزقة إلى ليبيا . مضيفا: على العكس من ذلك، الجزائر تعمل دائما على دعم أمن واستقرار المنطقة، ومنع تنقل السلاح والأشخاص المشبوهين . . وذكر عبد القادر مساهل، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون الإفريقية والمغاربية أن الجزائر تعتبر خارطة الطريق التي وضعها الاتحاد الإفريقي، لا زالت تشكل الحل الأمثل للأزمة الليبية، والمتمثلة في الحل السياسي الذي يجب أن يكون عبر حوار يجمع كل الأطراف المتنازعة، مبديا قلق الجزائر إزاء تطورات الوضع وانعكاساته على دول الجوار. هل المعارضة الليبية بقيادة المجلس الانتقالي ونظام القذافي وجوهان لعملة واحدة ؟ بهذا السؤال قيمت صحيفة "انترناشيونال تايمز" البريطانية الأوضاع في ليبيا وبهذا التصريح أوضح بانوس مومسيس، منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة إلى ليبيا ، أن كلا من المجلس الانتقالي الليبي ونظام القذافي يتحملان بنفس الحجم مسؤولية الأزمة الإنسانية في ليبيا. هذان المعطيان لا يكشفان جديدا، فالدوائر الغربية، الاستخبارتية والعسكرية والمالية المعادية للديمقراطية كانت دائمة الحضور، كما كانت تقف على الطرف النقيض من المساعي الديمقراطية الغربية، وقد حققت نجاحات باهرة في عدد من البلدان بفضل حلفائها في الفساد؛ لقد نجحت في باكستان وأفغانستان والعراق والصومال والسودان. يؤكد النظام الجزائري منذ أن خرج إلى الوجود أنه ضد "قوى الهيمنة"، وظل يقدم نفسه بطلا مناصرا للشعوب المضطهدة، وعدوا لدودا لإسرائيل، وبالمقابل، وكما وضحنا في أكثر من مقال، ظل الخادم المثالي لقوى الهيمنة، وأحد أعضاء ناديها السري، حيث وعلى مدى نصف قرن لم يدخر جهدا في تفعيل مخطط المافيا العالمية، بضرب مصالح الشعب الجزائري ومحيطه المغاربي. فهذا النظام المتآمر كان دوما حيثما كانت الانقلابات والمخططات الانفصالية والإرهابية، وإلا كيف نفسر كل قراراته العمياء، ومنها إصراره على إغلاق حدوده مع المغرب؟؟ ولماذا يتعامل فقط مع استخبارت الغرب ولوبياته العسكرية والمالية، بينما يرفض التعامل مع الغرب الديمقراطي؟ ولماذا يحصر علاقته مع المغرب في التعاون الأمني ويرفض التعاون معه في باقي المجالات؟ لماذا تفضل مافيا النظام الجزائري التعاون مع مافيا الغرب والمافيات الأقليمية، وتمنع المؤسسات السياسية والمدنية من التعامل مع نظيراتها الغربية؟ إن المعطيات الجديدة، التي تسعى إلى تبرئة النظام الجزائري، إنما تريد تبييض جرائمه في نظر الشعب، حتى يتمكن من أن يضطلع بالدور الموكل إليه في ليبيا، وهي المعطيات ذاتها التي تريد أن تساوي بين القذافي والثوار الليبيين. فقد قال المحلل الاستراتيجي ومستشار الكونغرس لشؤون الإرهاب وليد فارس، بالنسبة لواشنطن، فإن القضاء على القذافي (...) ليس صعبا..... لكن القذافي لديه أصدقاء في العام. من هم أصدقاء هذا السفاح؟ أصدقاؤه هم أعداء الديمقراطية ولوبيات الفساد في العالم، والنظام الجزائري أحدهم، ومنظمة أفريكوم التي تأتمر بأوامر اللوبي (AOPIG) ، لايمكن أن تتعامل مع من يمتلك سيادة نفسه ولا من يخدم شعبه، إنها لاتتعامل إلا مع الجهلة والمفسدين. الدوائر العسكرية الغربية لاتنجح إلا حيث الظلام والفساد، ولنا في باكستان خير مثال. إن هذه الدوائر ولوبياتها تفقد قوتها الجهنمية في البلدان الديمقراطية (الهند مثلا). تزعم اللوبيات الأمريكة أن مهمة أفريكوم هي تحرير أفريقيا من الإرهاب، فكيف يمكنها ذلك من خلال بضع مكاتب عسكرية، هي التي فشلت في باكستان وافغانستان والعراق، رغم إقامتها الدائمة والمكثفة والمدججة بكل أسباب القوة؟ ويزعم النظام الجزائري أنه يعمل من أجل استتباب الأمن ومحاربة الإرهاب، وهو الذي كان وراء كل الجرائم بالمنطقة. ونعيد طرح الأسئلة بلا ملل: من شرد آلاف الأسر الجزائرية المغربية سنة 1975؟ ومن وراء إغلاق الحدود البرية؟ ومن رهن الجزائر برمتها من أجل فصل الصحراء عن المغرب؟ ومن يحط من قيمة ثوار ليبيا؟ ومن يعمل على إنقاذ القذافي؟ هذا النظام يدعي أنه نجح في مكافحة الإرهاب؛ فهل النجاح هو أن يكون هناك إرهاب وتكون معه مكافحة الإرهاب؟ أم أن يستتب الأمن؟ المعطيات تفيد أن الأنشطة الإرهابية لاتزال؛ فأين النجاح؟ لا النظام الجزائري ولا اللوبيات الأمريكية تعمل ضد الإرهاب، كلاهما يعمل على إدامته، لأن وجودهم مشروط بوجوده. وأقول للجهات المغربية التي ظلت تنتظر حل الصحراء يأتيها من النظام الجزائري؛ إذا كان هناك في المغرب من لا يزال يتوسم خيرا في النظام الجزائري، فما علينا إلا أن نقرأ الفاتحة ترحما على مستقبل المنطقة. على المغرب أن يفك الارتباط بهذا النظام، وأن يحسم، وبشكل نهائي، في تبني الديمقراطية. ففي الوقت الدي يعيش المغرب غمار الإصلاحات الدستورية؛ هناك حقيقة يجب الإقرار بها، وهي أن الأحزاب لا تتمتع بالروح الديمقراطية، وهذا يعني أنها ملزمة بالتغيير، إذْ ما جدوى من دستور ديمقراطي في غياب أحزاب ديمقراطية، أو بعبارة أخرى، لايمكن أن نبني دولة ديمقراطية بأحزاب لا تحترم الديمقراطية. ثمة حراك من داخل هذه الأحزاب ومن حولها، حراك، يرفض متنفذوا هذه الأحزاب السير في ركابه، ويحاولون الركب عليه. هذا الحراك الخلاق، إذا تعاملت معه الدولة والنخبة الحزبية باستخفاف وتعال فقد تترتب عن ذلك انعكاسات كارثية، وهذا ما تترصد له "قوى الهيمنة" المرابطة في الجوار. إن الحكمة تلزم الجميع أن تتعامل مع هذا الحراك من منطلق الاعتراف بشرعيته والتنازل إليه، وبالتالي يكون الجميع قد ساهم في بناء الزمن المغربي الجديد. مافيا الغرب تعمل على قرصنة انتفاضات المغرب الكبير، وتناور لتعيد هيكلة شبكة الفساد في أقطاره، ولن يهدأ لها بال حتى تنتقم لبن علي والقذافي ومن سار على منوالهما، ولا يهمها أن تعم الفوضى؛ النظام الجزائري حسم في الأمر منذ نجح في اكتشاف فزاعة تسمى الإرهاب، وسيكون رهن المخطط القاضي بتحويل المنطقة إلى فوضى؛ فعلى ماذا ينوي المغرب؟؟؟؟ أما المجلس الانتقالي الليبي، وباقي مكونات الحراك الليبي، فعلى عاتقه مسؤولية جسيمة لإنقاذ ليبيا من براثن هذا المخطط، وليس من حل سوى التمثل الصحيح للديمقراطية، باعتماد الحوار والشفافية واستثمار الكفاءات القادرة على ابتكار البدائل، مع التركيز على بناء العلاقات مع الغرب العلني: السياسي والاقتصادي والمدني، وعدم الانسياق للغرب السري، بدوائره الاستخباراتية والمالية؛ ذلك أن مناعة أي دولة هي قدرة أبنائها على بناء علاقات شفافة مع محيطها الإقليمي والعالمي. --------------------------- ** باحث جزائري