في سنة 2007 نجحت المواقف التي تمسكت بها غالبية الدول الأفريقية ومن ضمنها المغرب في منع الولاياتالمتحدةالأمريكية من تنفيذ مشروعها الذي كان محددا له شهر أكتوبر لإقامة مقر القيادة العسكرية الأمريكية بأفريقيا أفريكوم في المناطق التي فضلها البنتاغون على ارض القارة السمراء. وأمام هذه الوضعية لم يكن من خيار أمام الإدارة الأمريكية سوى وضع قاعدة القيادة التي كان مخططا لها أن تضم ما بين 600 و 900 عسكري في البداية على أن ترفع لاحقا الى حدود 3000 جندي وضابط، أما في جيبوتي شرق القارة الى جانب القاعدة الفرنسية أو سيراليون المرحبة، في غرب القارة ولكن التي يرى البنتاغون أنها لا تتوفر على البنية التحتية الضرورية للوجود العسكري الأمريكي المرشح للتوسع والتضخم خلال الأزمات وكذلك التي لا يمنحها موقعها الجغرافي أهمية إستراتيجية كافية لتلبية الطموحات الأمريكية. في النهاية اختارت الإدارة الأمريكية وضع أفريكوم في شتوتغارت بالمانيا مؤقتا وبشكل مستقل عن القيادة الأمريكية في أوروبا. وكان روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي قد أعلن في السادس من فبراير 2007 أمام لجنة التسلح في مجلس الشيوخ أن الرئيس بوش قد اعتمد قرار إنشاء قيادة عسكرية أمريكية جديدة للقارة الأفريقية بدلا من الوضع الراهن الذي يقسم القارة بين ثلاثة قيادة عسكرية. وأكد ان هذا القرار كان ضروريا لتتمكن بلاده من مواجهة تهديد القاعدة التي قال أنها توسع نفوذها خاصة في منطقة الصحراء الكبرى وجوارها. هذا التحول لم يعن تخلص القارة الأفريقية من شبح القواعد العسكرية الأجنبية حيث عادت الإدارة الأمريكية الى تجديد محاولتها مستغلة الأحداث التي عرفتها خلال الأسابع الأخيرة كل من الجزائر التي نسف فيها مقر البعثة الأممية، وموريتانيا التي قتل فيها اربعة سياح فرنسيين ثم هوجمت بها قاعدة عسكرية، وأعقبها الغاء لحاق باريس داكار الدولي. وقد نسبت كل هذه العمليات الى تنظيم القاعدة معززة بذلك الضغط الأمريكي لإقامة قاعدته العسكرية في المناطق التي وضع تفضيلا لها ومن بينها المغرب وبالضبط في منطقة طانطان حيث أجريت في السنوات الأخيرة مناورات مشتركة مغربية أمريكية تحت شعار الإنقاذ الإنساني، وكذلك الجزائر التي أجرى الأسطول السادس عدة مناورات بحرية مشتركة على شواطئها. حملة إعلامية في وقت واحد تقريبا تحركت واشنطن إعلاميا في المغرب والجزائر مع بداية سنة 2008 للترويج لقاعدة أفريكوم . فيوم الإثنين 14 يناير ذكرت ماري كارين ياتس، نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية بأفريقيا ان أعضاء من الكونغرس زاروا المغرب مؤخرا مع عدد من الدول الأفريقية التي تعد حليفة لواشنطن لوضع اللمسات الأخيرة على أفريكوم . وأضافت المسؤولة الأمريكية التي كانت تجري حوارا مع صحفيين مغاربة عبر الأقمار الصناعية في ندوة نظمتها السفارة الأمريكيةبالرباط، ان التعاون العسكري بين المغرب والولاياتالمتحدة الذي كان يتم في السابق من خلال القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى سوف يجرى لاحقا من خلال أفريكوم شأنه شأن باقي الدول الأفريقية. وأكدت المسؤولة الأمريكية ان المغرب يعد من الدول التي تحظى بأهمية في مشروع القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا، وإن البنتاغون يجري كل أربع سنوات تقييما شاملا لقضايا الدفاع ومواقع الخطر في العالم، ويضع استراتيجيته الجديدة تبعا لذلك التقييم. وأشارت الى أن ندوة مشابهة نظمت عبر السفارة الأمريكية في الجزائر مع رجال الإعلام. وذكرت ان الهدف من هذه اللقاءات هو شرح الموضوع للرأي العام بعد ان شوهته الصحافة. وأوضحت ماري كارلين ياتس، التي عملت في السابق سفيرة في غانا ومستشارة للسياسة الخارجية في القيادة العسكرية الأمريكية الإقليمية لأوروبا يوكوم ، أن الحضور العسكري الأمريكي في إفريقيا كان يتم منذ عام 1983 عن طريق يوكوم الموجودة في شتوتغارت بألمانيا والقيادة العسكرية المركزية في فلوريدا سينتكوم والقيادة العسكرية للمحيط الهادي في جزر هاواي باكوم ، وأن الأفريكوم التي انطلقت في أكتوبر الماضي وستدخل المرحلة التنفيذية في أكتوبر من هذا العام، هي التي ستتكلف بالمهام العسكرية في إفريقيا، وكشفت أن مجلس النواب الأمريكي سيعقد في مارس القادم جلسة خاصة حول الوجود العسكري الأمريكي في الخارج، سيحضرها لأول مرة قائد عسكري خاص عن القارة الإفريقية، بخلاف الوضع السابق الذي كان فيه القادة العسكريون للقيادات العسكرية الثلاث يتحدثون فيه بإسم القارة. وقالت ياتس: نعم النفط يهمنا ولا يجب أن نكون غير شرفاء ، للاعتراف بهذه الحقيقة مضيفة بأن هدف الولاياتالمتحدة هو أن تجعل نفط إفريقيا خاضعا لمعاملات تجارية واضحة وأن تكون عائداته لصالح الشعوب الإفريقية. وبخصوص التغلغل الصيني في إفريقيا بعدما أصبحت بكين المستثمر الأول في العديد من البلدان الإفريقية والمنافسة المستعرة بينها وبين الغرب، قالت المسؤولة الأمريكية إن المواجهة مع الصين في هذه البقعة من العالم غير واردة، وإن واشنطن تسعى لجعل بكين شريكا أساسيا في دعم الاستقرار والأمن في القارة. وقد تجاهلت كارلين ياتس بإجاباتها هذه التقارير الأمريكية الرسمية الصادرة من عدة وكالات عن الصراع الصيني الأمريكي الشديد في أفريقيا وأخطاره على مصالح الولايات الممتحدة. وذكرت إن قيادة الأفريكوم تتضمن إيجابيات كبيرة بالنسبة لإفريقيا وأمنها، وتعكس الاهتمام الذي توليه الخارجية الأمريكية للقارة السمراء. وكان مسؤول أمريكي قد أقر أن إفريقيا هي المكان الوحيد الذي لا يمكن لجهود التأمين العسكري فيه أن تنفصل عن الدبلوماسية . وتسعى الولاياتالمتحدة عبر إقامة قاعدة قيادة الأفريكوم على الأرض الإفريقية إلى استكمال حلقات قياداتها العسكرية حول العالم، حيث تتوفر حاليا على خمس قيادات عسكرية موزعة عبر مختلف ربوع الأرض بحسب التوزيع الجغرافي، لكن دون أي حضور عسكري كبير في القارة الإفريقية بإستثناء جيبوتي التي تملك بها تسهيلات عسكرية وحوالي 800 جندي. مكاتب في السفارات وكانت ماري كارين ياتس قد قالت في ندوة الجزائر ان 12 دولة أفريقية طلبت من الولاياتالمتحدة نشر قوات عسكرية فوق أراضيها دون تحديدها بالإسم، غير أنها نفت من ناحية أخرى، وجود رغبة لدى الولاياتالمتحدة لإقامة قواعد عسكرية في أفريقيا، وأضافت انه مستقبلا ستكتفي واشنطن بفتح مكاتب للقيادة في بعض الدول الافريقية، واعتبرت المسؤولة الأمريكية ذلك أمرا منطقيا . وكانت صحف أمريكية قد ذكرت ان مكاتب جديدة ستضم الى الملحقيات العسكرية بالسفارات الأمريكية بأفريقيا لتشكل شبكة متكاملة مع أفريكوم . وأقرت ياتس إن وزارة الدفاع وجدت صعوبة كبيرة في إقناع الكونغرس باعتماد ميزانية لـ أفريكوم ، ولم تشرح كيف يمكن أن توجد قوات امريكية على أرض دولة أفريقية دون توفر قاعدة لها. وتتعارض تصريحات المسؤولة الأمريكية مع الموقف الذي أعلنه سعيد جنيت، محافظ السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، حيث قال في 8 يناير الحالي في حديث مع صحيفة الخبرالجزائرية إن المقاربة الأمريكية للأمن في القارة لا تلقى تأييدا من طرف الأفارقة وأن أفريكوم مرفوضة إفريقيا. وشددت ياتس علي ان الهدف من افريكوم الذي تتحث عنها الإدارة الأمريكية كمشروع للتعاون الأمني مع الدول الأفريقية، هو كذلك اقامة مكاتب لتسيير برامج عسكرية ومدنية في آن واحد وان مسالة اقامتها ما زالت في مرحلتها الجنينية بدليل اننا ما زلنا في مرحلة التفاوض مع الشركاء الافارقة. وحاولت نفي الصفة العسكرية المحضة عن البرنامج وقالت ان له اهدافا مدنية واخري عسكرية واشارت الي ان 52 دولة افريقية استفادت عام 2007 من 9000 مليون دولار خصص 250 مليون دولار منها للمجال العسكري وجاء لدعم عمل وزارة الخارجية لمساعدة الدول الافريقية. واكدت ان الجزائر استفادت من تكوين عسكريين لها وانها ستستفيد من برامج تكوين لفائدة قواتها العسكرية في اطار هذه القيادة الجديدة في المستقبل. وقالت ان موظفي القيادة بلغ عددهم الي حد الان 300 موظف ليرتفع الي 1300 موظف بحلول العام 2009. تأمين النفط عسكريا وخلال ندوة الجزائر سمعت ياتس انتقادات شديدة من برلمانيين ونشطاء حزبيين تابعوا اللقاء، مفادها أن أي بلد نشرت فيه أمريكا قواتها إلا وازدادت أزمته حدة، وشهد الوضع فيه تصعيدا. ودافعت نائب قائد أفريكوم على المشروع، إذ قالت: إن أي بلد نوجد فيه نحمل له معنا السلم والاستقرار . وسئلت المسؤولة الأمريكية العسكرية، إن كانت أفريكوم تعكس تصورا أمريكيا مفاده أن الأفارقة عاجزون عن ضمان أمنهم بأنفسهم فقالت: إننا لا ندعي أبدا بأننا أقدر من الأفارقة على ضمان أمنهم واستقرارهم، ولكننا نرغب في دعمهم ومساعدتهم في ذلك، والحقيقة أننا تلقينا طلبات ملحة من بلدان إفريقية بخصوص التكوين والتدريب وأنشطة أخرى تساعد الأفارقة على الاضطلاع بشؤونهم الأمنية والمدنية بشكل أفضل. ونفت أيضا أن يكون الهدف من أفريكوم هو نشر ما تدعيه الولاياتالمتحدة، ممارسات ديمقراطية في البلدان التي تنعدم فيها الحريات. ويذكر أنه في منتصف سنة 2007 روجت عدة مصادر دبلوماسية وإعلامية أن المغرب وافق على استقبال المشروع غير ان الرباط نفت ذلك بشكل رسمي، ثم تحدثت صحف غربية عن استعداد السينغال لتكون داكار مقرا للقيادة، وجرت محاولات مع موريتانيا والنيجر وكينيا لذات الغرض، وظلت القضية معلقة رغم اللقاءات الماراتونية التي أجراها رايان هنري، مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون التخطيط والسياسات، مع المسؤولين العسكريين والسياسيين في عدة بلدان إفريقية، لإقناعهم بجدوى احتضان المشروع خلال زيارة لإفريقيا في يونيو 2007. وسمع هنري من غالبية المسؤولين الذين التقى بهم ما مفاده، أن الأفارقة يفضلون أن يضطلعوا بقضاياهم الأمنية والدفاعية بأنفسهم، في إطار الاتحاد الإفريقي بما فيها التصدي للقاعدة التي تصمم الولاياتالمتحدة على تضخيم حجمها ومحاربتها على الأرض الأفريقية، مؤكدة أن مشروع أفريكوم هو الأداة التي تمكنها من ذلك. ولما وجد هنري ومبعوثون آخرون من وزارة الدفاع الأمريكية، تحفظا من جانب أغلب البلدان الإفريقية، طرحوا فكرة توزيع أفريكوم في عدة دول إفريقية بدل أن تكون في بلد واحد. وحتى هذا الاقتراح لم يلق استجابة واسعة ووجده الأفارقة ملفوفا بالغموض. وحاول مسؤولو البنتاغون طمأنة الأفارقة بأن القيادة الإقليمية لن تكون نقطة انطلاق عمليات عسكرية ضد الإرهاب، وإنما محطة لمساعدة الدول الإفريقية على مكافحة الآفة. وكتبت الصحافة الأمريكية نقلا عن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية، أن الهدف من أفريكوم هو تعاظم شأن القاعدة في القرن الإفريقي مثل تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في كينيا وتانزانيا عام 1998، وأن الإدارة الأمريكية ازدادت قناعة بأهمية المشروع منذ أن تحول نشاط الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر إلى ضرب المصالح الأمريكية حيث تم تفجير حافلة موظفي شركة براون روت أند كوندور الأمريكية في نهاية 2006. الأخبار التي روج لها في منتصف سنة 2007 عن إقامة أفريكوم بالمغرب عادت الى الواجهة من جديد مع بداية سنة 2008. فقد أفادت عدة مصادر أعلامية أن واشنطن تركز جهودها على بناء القاعدة المذكورة في منطقة واد درعة جنوبطانطان، وان وفودا عسكرية ومن المخابرات الأمريكية زارت الموقع مجددا وأجرت مسحا واسعا له واتصالات مع المسؤولين المغاربة حول إقامة القاعدة التي ستنقل اليها لاحقا قيادة افريكوم من المانيا. وأفادت نفس المصادر أن واشنطن قدمت عروضا مغرية للرباط مقابل بناء القاعدة خاصة وان هذه المنطقة توجد في موقع إستراتيجي هام جدا على الواجهة الأطلسية مقابل جزر الخالدات حيث توجد محطات انذار مبكرة للناتو وللقوات الإسبانية، كما تتوفر المنطقة على مياه عميقة تتيح رسو البوارج الحربية الكبيرة وحاملات الطائرات والغواصات، إضافة الى أن قلة الكثافة السكانية في هذه المنطقة المغربية توفر ظروفا اأمنية جيدة للقاعدة الأمريكية. ويأتي تجدد السعي الأمريكي لبناء القاعدة بعد أسابيع من موافقة واشنطن على تزويد المغرب ب 24 طائرة من طراز أف 16 ضمن صفقة يبلغ حجمها 2400 مليون دولار. ويسجل الملاحظون ان واشنطن تستغل النزاع المغربي الجزائري على الصحراء لتمارس ابتزازا على البلدين مقابل التحرك في اتجاه تأييد أي منهما.