عندما يتم تسريب بعض الأسرار عن الحربين العراقية والأفغانية تتحرك الآلة الدبلوماسية للإدارة الأمريكية من اجل محاصرة هذا الأمر والتقليل من أهميته ،ومن حين لأخر يخرج من يعيد إثارة النقاش حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر واتهام إدارة بوش بالتورط المباشر في الحادث . ونفس الشيء حصل مع ما يسمى الحرب على الإرهاب وأسطورة تنظيم القاعدة وزعيمه المتواري عن الأنظار في عالم مكشوف للأقمار الاصطناعية المتطورة التي لا يخفى عليها دبيب النملة في كل أقصي المعمورة بالإضافة إلى جيش المخبرين والمتعاونين من كل الجنسيات والأقوام . ما يهمنا نحن المغاربة في هذا هو ما يتعلق بجارتنا الجزائر ودورها في صناعة الإرهاب وخلق ما سمي بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي . والحديث عن هذا الدور وكيف تم نسج الحكاية ولمصلحة من تلعب الجزائر وما الثمن الذي قبضته أو ستقبضه ، أسئلة كثيرة حول كل ما جرى ويجري في دول الساحل والصحراء بدأت تتكشف بعض خيوط تباعا سواء من خلال إلقاء القبض على مشتبهين مجندين من طرف الجزائر مثل عمار صايفي الملقب بالبارا الزعيم الأول لما سمي بالجمعية السلفية للدعوة والقتال وكذلك أعضاء من البوليساريو والذين بذلت جهود كبيرة وضغوط حتى تم الإفراج عنهم في تبادل رهائن مع التنظيم. ولكن اخطر ما يؤكد على تورط الجزائر ومعها إدارة بوش في صنع الإرهاب في الساحل سيكشفه احد الباحثين الانتربولوجين الذي قضى أكثر من 40 سنة متنقلا في منطقة الساحل وخبرها شبرا بشبر ونسج علاقات مع الطوارق في المنطقة والذين يعتبرون أسياد الصحراء بدون منازع .انه الباحث جيرمي كينان Jeremy Keenan الذي أصدر كتابا تحت عنوان الصحراء المظلمة The dark sahara حول الحرب الأمريكية على الإرهاب،يكشف فيه عن أجندة أمريكية سرية وراء هذه الحرب في أفريقيا ونشر قناعة أن هذه المنطقة هي مصدره. ويشرح الكاتب أن إدارة بوش كانت حريصة على بناء وجود عسكري كبير في أفريقيا ومحاولة البحث عن مبرر لتأمين إفريقيا ومصادر الطاقة بها من العملاق الصيني الذي يسير نحو السيطرة عليها ،ولتحقيق ذلك لا توجد أي مبررات منطقية تقنع القادة الأفارقة بالوجود العسكري الأمريكي، وليس هناك غير التهديد الإرهابي لتبرير ذلك، وهكذا تمكنت إدارة بوش من الركوب على هذه القضية لإطلاق مشروعها في إفريقيا والمتمثل في الأفريكوم:(United States Africa Command) ، والمشكل انه لا يوجد سوى القلة القليلة من الإرهابيين في إفريقيا وباستثناء بعض الأحداث المتفرقة في كينيا ومصر وشمال إفريقيا وهي مناطق بعيدة كل البعد عن مصادر الطاقة المتمركزة بكثرة في نيجيريا وغرب إفريقيا ولم يكن الإرهاب حقيقة يتهدد القارة ، لذلك يجب صنعه من خلال خلق تنظيم قاعدة في المنطقة بعد أن تم إسقاط حكم القاعدة وطالبان في أفغانستان .وكشف أيضا الكتاب عن دور النظام الجزائري العسكري في تلك الحرب ، كينان يدعي أن الدولة الجزائرية وإدارة بوش تآمرت لإنشاء التنظيم على حساب شعب الطوارق في الصحراء مقابل دعم الولاياتالمتحدة للحكومة الجزائرية سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، وفي نفس الوقت فتحت الجزائر أبواب صناعة الطاقة الجزائرية للأمريكيين.هذا الكتاب يقوض بشكل خطير وجهة النظر السائدة وأن الجبهة الثانية للحرب على الإرهاب ما هي إلا واجهة لإقامة القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة التي تعارضها كل الدول الإفريقية. بداية الحكاية بدأت القصة باختفاء سياح دول أوربية في صحراء الجزائر بحيث في غضون 3 أسابيع اختفت 7 مجموعات سياحية في الصحراء حتى أضحت مثل مثلث برمودا ،وهكذا تدريجيا تشكلت فكرة الاختطاف من طرف مجموعات إرهابية دون أي تأكيدات لذلك فالأمر كان مجرد تمويه للمخابرات العسكرية الجزائرية التي تشتغل لفائدة الامركيين، وبعد ثلاثة اشهر تم تسريب اسم الزعيم المفترض للتنظيم وبدأ يطفو على السطح اسم عبد الرزاق البارا، واسمه الحقيقي عمار صايفي، عسكري سابق من فرقة المظليين بالجيش الجزائري، مولود عام 1968 لأب جزائري وأم فرنسية وبدأت تنسج قصص عن سيرته الذاتية وانه تلقى تدريبه عام 90 في أمريكا والأكيد انه من المخابرات السرية الجزائرية وهو المسؤول الأول عن أول عملية اختطاف 32 سائحا أجنبيا، أغلبهم من ألمانيا في الصحراء في فبراير 2003، والتي انتهت بإطلاق سراحهم بعد ثلاثة شهور، مقابل فدية قدرها 5ملايين أورو دفعتها الحكومة الألمانية. كما أن المجموعة الثانية من المختطفين أرسلت إلى مالي أكثر من ألف كلم بعيدا عن مكان الاختطاف ليتم تحريرهم بعد 6 شهور من الاختطاف. في هذه الفترة حسمت إدارة بوش الصحراء التي ستشكل قاعدة للإرهاب وسيعين البارا على انه ممثل بن لادن في المغرب الإسلامي وتوالت بعض الأحداث الأخرى لتعزيز هذا لتوجه، وبدأت عملية ملاحقة البارا من طرف جيش دول النيجر ومالي والجزائر وأمريكا وتشاد بعد أن انتهى دوره وكان مبررا لأمريكا لإطلاق جبهة جديدة ثانية لمحاربة الإرهاب بإفريقيا واسم الجبهة الثانية استعملت من قبل الأمريكان . وكان القيادي السابق و مسؤول إمارة الصحراء للجماعة السلفية للدعوة والقتال، والتي تحولت لاحقا إلى ما يعرف ب " تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "،قد احتجز في شهر ماي 2003 من طرف حركة العدل والمساواة التشادية، المتمردة على الحكومة في منطقة جبلية، قبل أن تسلمه إلى أجهزة الأمن الليبية والتي بدورها سلمته إلى الأجهزة الأمنية الجزائرية ومنذ ذلك الحين يوجد رهن الحبس، في الوقت الذي تواصل المحاكم إصدار أحكام بالسجن المؤبد وبالإعدام في حق عناصر الجماعات الإرهابية ،أما هو فقد أصدر من سجنه ندمه على كل ما قام به وأشاد بالوئام المدني ومسيرة نظام بوتفليقة .يقول( وقد كنت أول من قاد هذا العمل يقصد الإرهاب واختطاف الرهائن، وقد ندمت عليه لعدم صحته شرعا ودينا " وهذا ما يعضض كلام الباحث جيرمي بأن الإرهاب كان صنيعة جزائرية. ومن خلال عمليات الاختطاف هذه للسياح الأوربيين بالخصوص استطاعت أمريكا أن تبعث رسائل كثيرة عززت موقفها ،وصدقت دول كثيرة أن الإرهابيين انتقلوا عبرا لقرن الإفريقي نحو السودان والصحراء ،ومن هناك يمكن أن يشكلوا قواعد جديدة نحو أوربا من خلال الهجرة غير الشرعية في شمال إفريقيا والتموقع في مناطق غير خاضعة للمراقبة في الصحراء، أو في مناطق النزاعات كالصومال والسودان ووسط إفريقيا .وبذلك صار مفهوم الحرب الشاملة على الإرهاب شأنا دوليا انخرطت فيه كل الدول في المنطقة للانضمام إلى الحرب العالمية على الإرهاب. كينان يقول إن الأنظمة في المنطقة كانت تقوم بتنفيذ توجيهات أميركا،والأكثر غرابة وسوءا هو تحالف الولاياتالمتحدة في الحرب العالمية على الإرهاب مع أنظمة قمعية وغير ديمقراطية استفادت جميعها دون استثناء -- الجزائر وتونس وليبيا ومصر وموريتانيا ومالي والنيجر والمغرب ، وتشاد -- لتعزيز أجهزتها القمعية والتلاعب في استخدام الحرب العالمية على الإرهاب لتصفية كل أشكال المعارضة و أي تعبير عن الديمقراطية لدى المجتمع المدني. ثم استفادت من سخاء الإدارة الأمريكية في الحصول على المساعدات العسكرية وغيرها ،. ولكن مع عدم وجود الإرهاب في هذه الدول تم تغييره بإرهاب الدولة في أجزاء كثيرة من المنطقة ، ولا سيما في دول الصحراء الساحل . وأشار الباحث انه لا يمكن بالإمكان لهذا الشيء أن يحدث فجأة كما حصل، واحتمال حدوثه واحد من المليون، وقد كان الباحث شخصيا في المنطقة لمدة 3 سنوات قبل الأحداث وبعدها مع الطوارق والذين يمتلكون العلاقات والسلطة على المنطقة والمعلومات المتوفرة تفيد أن الأحداث مفبركة وكانت نتيجتها هي تأسيس الأفريكوم .كما كانت دائما المبرر الوحيد لكل ما يحدث في الصحراء ، وكون القاعدة في الصحراء تشكل تهديدا لأوربا ،كانت كذبة صنعت بين عام 2003 و2004 وتحولت إلى حقيقة. ماذا استفادت الجزائر من صنعها للإرهاب؟ من خلال الدلائل الكثيرة التي توافرت تأكد أن الزعيم الأول للتنظيم الإرهابي كان عضوا في المخابرات السرية الجزائرية هذا الجهاز يسيطر على كل ما هو عسكري وأمني بالجزائر يسيره إسماعيل العماري ويخضع لإشراف الجنرال محمد مدين والذي لا يزال يمسك بهذا الملف إضافة إلى ملفات أخرى أما العماري فقد توفي . وقد يتساءل البعض عن ماذا ستستفيد الجزائر من هذا الأمر ،لقد كان الرئيس الجزائري أول رئيس أجنبي زار بوش في أمريكا بعد أحداث سبتمبر وتوطدت الزيارات والعلاقات بشكل أكبر من خلال تركيز الجزائر على أنها ضحية الإرهاب كما أمريكا بحيث فقدت 300 ألف قتيل جرا ء الإرهاب وهي مستعدة للذهاب بعيدا مع إدارة بوش في محاربته ،وكل ما كان يرجوه الجزائريون هو الحصول على تكنولوجية متطورة وتجهيز الجيش الجزائري بدعوى محاربة الإرهاب والحصول على أجهزة التجسس ومراقبة الاتصالات والمروحيات المتطورة المجهزة بمنظار الرؤية الليلية في صراع خفي ضد المملكة المغربية فهمه الأمريكيون، وكانت إجابتهم على أن الجزائر ليست بحاجة لكل هذه المعدات المتطورة ،خاصة أن الوضع الأمني بالبلد تحسن والإرهاب أصبح محدود وتحت السيطرة . ولم يكن لدى الجزائر مناص من محاولة تفنيد النظرية الأمريكية فعادت موجة اختطافات السياح من جديد ،ولجعل الأمر أكثر حقيقة تم إعدام بعض الرهائن، وتم هذا في الوقت الذي مازالت أمريكا تحاول الترويج بكون أعداد كبيرة من الإرهابيين قدموا من أفغانستان نحو الصحراء ،لكن دون الاستجابة للطلب الجزائري ، ففكر الجزائريون بخلق مجموعات إرهابية تشتغل في مناطق متعددة من اجل إقناع الأمريكيين للحصول على التسليح المطلوب وبذلك ساهمت الجزائر في تعضيد النظرية الأمريكية وخدمة أجندتها . ومما لا شك فيه أن نفس الأشخاص الذين كانوا يختطفون في 2003 هم نفس الأشخاص الذين يختطفون اليوم أي المخابرات الجزائرية والسؤال هو هل أمريكا متورطة في ذلك أم لا ،وغياب دليل على ذلك لا يعني أن أمريكا بريئة من هذه الأحداث لكون آذان أمريكا في إفريقيا لم تعد تسمع كلمة الرفض للافريكوم . ولعل اكبر دليل على أن الجزائر كانت تستخدم التنظيم طيلة الفترة الماضية لخدمة مخططاتها للسيطرة على المنطقة هو معارضتها و بشدة لأي تدخل خارجي، وقد أسست وبطريقة مسرحية عددا من الأجهزة الأمنية والاستخبارية الخاصة بها، تقدم خدماتهالجيران الجزائر الضعفاء الثلاثة موريتانيا ومالي والنيجر والذين جمعتهم في ما يسمى هيئة الأركان المشتركة والتي تعرقل الجزائر عملها وتكبل بها الأطراف الأخرى . و الجزائر عقدت مؤتمرا حول الإرهاب واستدعت من تشاء وغابت دول كثيرة معنية بالموضوع ومن بينها المغرب وفي نفس الوقت قاطعت مؤتمر باماكو الذي حضره خبراء في مكافحة الإرهاب من جميع دول مجموعة الثماني، كبريطانيا وكندا وفرنساوألمانيا وإيطاليا واليابان وروسيا والولاياتالمتحدة و بوركينافاسو ومالي والمغرب والنيجر ونيجيريا والسنغال، وممثلين من إسبانيا وسويسرا وأستراليا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والتجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا، وكان ذلك من أهم المؤتمرات بالمنطقة. وهذا الحضور الدولي الكبير في باماكو يعتبر استنكارا دوليا لدور الجزائر في الفبركة والمبالغة، في استخدام "الإرهاب" في المنطقة منذ تورط المخابرات العسكرية الجزائرية في خطف 32 رهينة أوروبية في الجزء الجزائري من الصحراء الكبرى عام 2003.وكشفت عملية اغتيال الرهينة الفرنسي مشيل جيرمانو للفرنسيين تورط الجزائر ،خاصة بعد التنسيق بين موريتانيا ومالي وفرنسا في عملية للإفراج عنه والتي أفشلتها المخابرات الجزائرية . ومصلحة الجزائر أيضا تتجلى في إثارة القلاقل في منطقة مؤهلة للازدهار الذي بدأت تعرفه دول المنطقة وتطور العلاقات المغربية مع دول الساحل والصحراء واحتمال عودة طريق القوافل كما كان في القرون السابقة للمنطقة. والحديث عن مشروع الربط القاري بين الاتحاد الأوربي وإفريقيا والذي يشكل المغرب بوابته . كما أعطى ذلك مبررا للحكومة المركزية في الجزائر العاصمة ، ومنطقة الساحل في الدول الأخرى في التعامل مع أية مطالبات للحقوق السياسية لشعب الطوارق. أما ما يخص الخاسرون في هذه الحرب فهم شعب الطوارق في الصحراء، والشعب الجزائري بصفة خاصة ، هؤلاء الضحايا الذين دفعوا ثمن الحادي عشر من سبتمبر ، بالإضافة إلى المغرب الذي انخرط في الحرب على الإرهاب . ولا يخفى حضور المخابرات الجزائرية داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهي التي تقوم بترتيب إطلاق الرهائن وهي من يتفاوض حاليا مع الفرنسيين أما المطالب التي أطلقها التنظيم فهي للتمويه وخلط الأوراق ليس إلا وهي خطوة ضرورية لجر فرنسا لتقديم تنازلات مؤلمة لفائدة الجزائر من بينها محاولة إضعاف المغرب وعرقلة وضعية الشريك المتقدم والضغط على الاتحاد الأوربي من خلالها في ملف الصحراء المغربية . والخلاصة أن على المغرب أن يستعمل هذه الورقة للدفاع عن مصالحه الإستراتيجية واللجوء إلى دبلوماسية قوية بدل الدبلوماسية الناعمة وحشد المزيد من الدول إلى جانبه ودعم الدول المعنية في الساحل والصحراء وتقديم خبرته لهم وتكوينهم حتى يكونوا قادرين على مواجهة الإرهاب الجزائري والعبث بأمنهم الوطني .وعلى الإعلام العمومي أيضا أن يشن حربا دعائية لمثل هذه الكتب واستضافة هؤلاء الباحثين لكشف الحقيقة للعالم. وعلى الدبلوماسية المغربية أيضا أن تتجاوز سياسية المقعد الشاغر في الاتحاد الإفريقي، واعتماد سفراء في مستوى المهمة ولا يجب أن تتحول إفريقيا إلى مجرد منفى لموظفين ينتظرون التقاعد بفارغ الصبر .