تحتضن أبوجا، عاصمة نيجيريا، "المؤتمر الإفريقي التضامني مع الشعب الصحراوي". ولم يأت اختيار نيجيريا عبثا أو من باب الصدفة، بل جاء لعدة اعتبارات، منها أنها عضو بمجلس الأمن، وأحد الأضلاع الثلاثة، إلى جانب الجزائر وجنوب إفريقيا، التي تجعل من قضية انفصال الصحراء عن المغرب، أولوية الأولويات في سياستها الخارجية، ثم أن هذا المؤتمر يسبق انعقاد اجتماع مجلس الأمن القادم للتجديد لمهمة "المينورسو"، مما يعجل لقاء أبوجا لقاء هاما بكونه يعمل من أجل ممارسة الضغوط على الأممالمتحدة من أجل تفعيل التزاماتها إزاء موضوع الصحراء. ولهذا الغرض بالذات، فإن وفد كل من الجزائر وجنوب إفريقيا يعتبر من أكبر الوفود الحاضرة في هذا المؤتمر، يضم إلى جانب الوفد الرسمي للبلدين، صحافيين من مختلف وسائل الإعلام، وممثلين عن المجتمع المدني، وجمعيات حقوق الإنسان، وأساتذة متخصصين، من أجل إبراز "القضية الصحراوية" وتعزيز الجهود في اتجاه "إقامة دولة" في الصحراء، وأوربيين متعاطفين مع "البوليساريو". وستجد الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا ضالتهم لكيل المزيد من الاتهامات للمملكة المغربية، واللعب على ورقة حقوق الإنسان، بمزاعم لا توجد إلا في مخيلتهم، وكأن هذه الدول الثلاث نموذجا لهذه الحقوق. وقد استبقت الجزائر هذا المؤتمر بشن حرب ديبلوماسية على المغرب، من خلال قيام وزير خارجيتها، رمتان لعمامرة، بزيارة مثيرة لكل من موريتانيا ومالي والنيجر، وذلك على خلفية النزاع المفتعل في الصحراء بهدف البحث عن موطئ قدم لها في منطقة الساحل. وفي هذا الصدد، تدعي الجزائر أن بالرغم من زعامتها في المنطقة، فإنها ظلت ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، مثل تونس وليبيا ومالي وموريتانيا، بل إن رئيس حكومة النظام الجزائري، عبد المالك سلال، فضح المستور بإعلانه، مرار، أن عددا من الدول طلبت من بلده القيام بدور "دركي المنطقة"، لكنها رفضت طلبها، بدعوى أن الجزائر اختارت الانكباب على قضاياها الداخلية وتنميتها الاقتصادية. وما جولة وزير خارجيتها، لعمامرة، لدول الساحل سوى دليل على أن الجزائر تبحث عن تعويض الوقت الذي الضائع، ثم إن هذه الجولة تدخل في إطار مقاربة ديبلوماسية للخارجية الجزائرية تستهدف بالأساس الدول التي لها علاقات متميزة مع المغرب. وقد بدأت ملامح هذه المقاربة ترتسم في الأفق. غير خاف أن النظام الجزائري لا همَّ له سوى معاكسة الحضور المغربي في أي مكان من أجل هدفين اثنين لا ثالث لهما. الهدف الأول يكمن في أن الجزائر تريد أن تفهم دول منطقة الساحل، على الخصوص، أنها القوة الإقليمية الوحيدة (وليس المغرب) التي يمكن الاعتماد عليها في رسم حاضر ومستقبل المنطقة، وهو ما لا يتناسب وحجمها ودورها التاريخي والحضاري والسياسي.. أما الهدف الثاني، فيتمثل في أسطوانتها المشروخة التي تردد حكاية "تقرير مصير الصحراء بما يضمن للشعب الصحراوي حقوقه في الاستقلال وإقامة دولته الديمقراطية". لكن الجزائر التي تقول إنها ترفض القيام بدور الدركي في المنطقة على الصعيد العسكري، فهي تقوم بدور الدركي الديبلوماسي بعد أن نزعت عنها البذلة العسكرية وعوضتها ببذلة مدنية. حمادي الغاري