ارتفع عدد ضحايا أعمال العنف التي شهدتها لندن هذا الأسبوع إلى خمسة بعد وفاة رجل متأثرا بجروحه, حسب ما أعلنت الشرطة أمس الجمعة، ومهما كانت التبريرات التي ساقتها الشرطة البريطانية، فليس هناك ما يبرر أعمال القتل، خصوصا إذا كانت بسبب الإحتجاجات. ما يحدث في العاصمة لندن وباقي المدن الإنجليزية يؤشر على أن أعمال الشغب يمكن أن تطال أي دولة مهما كانت درجة ديمقراطيتها، ومهما كان احترامها لحقوق الإنسان، لكن ما يثير الإستغراب في حالة الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، أن أعمال التقتيل والعنف التي تشهدها ووجهت بصمت مطبق من قبل المنتظم الدولي، فلا أمريكا ولا فرنسا ولا الإتحاد الأوروبي، وحتى الأممالمتحدة صمتت، وكأنها تبارك لإنجلترا موقفها الشجاع في محاربة ما تسميه الشغب، مع أن الجميع يعرف أن هذه الأحداث هي نتاج تراكمات عانى خلالها جزء من الشعب البريطاني من "الحكرة"، وهو اللفظ نفسه الذي غلب على أغلب الثورات التي غرفها العالم العربي، فيما سمي بالربيع العربي. عدم إدانة الطريقة الهمجية التي تواجه بها الشرطة في بريطانيا احتجاجات الشباب العاطل، يعني أن المنتظم الدولي وخاصة الدول العظمى تعترف بأن هناك خط أحمر لا يجب تجاوزه، وأن هناك دولا لا يمكن أن ننعت فيه بالأصابع، ولا نتجرأ على اتهامها مهما كان حجم الخروقات. فما يحدث في لندن هو نفسه ما يحدث في إسبانيا واليونان وإسرائيل، وكثير من الدول العربية، لكن مجلس الأمن لا يعترف إلا بالثورات التي يعرفها العالم العربي، والتي عقد من أجل إدانتها كثيرا من الاجتماعات واستهلاك كثيرا من الوقت، وكانت كلينتون التي لم يظهر لها أثر في الأزمة البريطانية، حريصة في كل مرة على إعطاء تصريحات تدين هذا البلد أو ذلك، لكن حين يتعلق الأمر بدولة عظيمة فالأمر غير قابل للنقاش، يجب على الجميع أن يصمت وألا يتفوه بكلمة، وعلى الكل أن يدعم جهود بريطانيا في محاربة الشغب، وهو الشغب نفسه الذي طال دولا أخرى مع بعض الفوارق بطبيعة الحال. حين أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الأيام الماضية عن سلسلة تدابير لوضع حد لأعمال الشغب، بارك الجميع الخطو، وحين أعلن استعداده استخدام قوات الجيش في المستقبل لضبط الأمن لا أحد حرك ساكنا، وحين قتلت قوات الشرطة المحتجين واعتقلت، أكثر من 1500 شخصا منذ اندلاع أعمال العنف بينهم 1051 في لندن وحدها، قال الجميع إن لندن تريد الحفاظ على الأمن، وهي مفارقة تثير الإشمئزاز، لأن نفس رئيس الوزراء الذي يمارس العنف في حق شعبه، ينهض في الصباح لإدانة الثورات في دول أخرى، ويدعو إلى ضبط النفس في دول أخرى. ما يمكن أن نتعلمه من دروس اليوم هو أن الشغب لا لون له، وهو يمكن أن يصيب أكثر الدول ديمقراطية، كما أن فيروس الربيع العربي، يمكن أ، ينتشر مثل النار في الهشيم، بفعل الإنترنيت والشبكة العنكبوتية التي تسعى الشرطة الإنجليزية إلى التحكم فيها حتى لا تطال مدنا أخرى. إن تاريخ الثورات مليء بالعبر ففي سنة 1968 انتشرت الثورة الثقافية الفرنسية في كل أنحاء أوروبا، وعمت أرجاء عديدة من العالم، لكن لا أحد آنداك تحدث عنها أو لام فرنسا على القمع الذي مارسته على الشباب، لكن نفس المنتظم الدولي سيتحرك بقوة ضد الصين بعد إخماد ثورة ساحة تيان مين، متهما الصين بخرق القوانين الدولية، وهو نفس السيناريو يعود في كل مرة ليذكرنا أن العالم مقسم إلى قسمين قسم يجوز لأهله إتيان جميع اللأعمال مهما كانت درجة خطورتها، وقسم يضم أكثر دول العالم لا يجب أن يتجاوز القوانين حتى و لو كان أمن بلدانه مهددا، وتلك هي الديمقراطية على مقاس الدول العظمى. عبد المجيد أشرف