عفاك أختي عاونيني .. كولي ليهم يتصالوا بالقوات المساعدة.. بغيت نمشي لتيط مليل قبل ما يفوت الحال عليا..« ، بهذه الكلمات توسلت إلينا »خديجة لحديجي« ، خلال لقائنا بها بقسم المستعجلات ابن رشد بالدار البيضاء، قبل ثلاثة أيام لكنها كانت الكلمات الأخيرة لصاحبة الجسم المنخورالتي شكلت حالة ضمن حالات تشرد أخرى تضمنتها استطلاع أنجزناه يوم عيد الفطر الأخير بقسم المستعجلات.. وحدها المسكينة، كانت تعرف حجم معاناتها وتدرك حلول آوانها، فيما لم ننتبه للأسف حين قيامنا بواجب مهني، إنها ليست مجرد حالة تشرد عادية غير محتومة الأجل لكن »خديجة لحديجي« ، لفظت أنفاسها الأخيرة يوم الثلاثاء 22 شتنبر الجاري، على الساعة السابعة مساء، كقطة منبوذة وسط كومة الفضلات، التي أحاطت بها طيلة الثلاثة الأيام داخل قسم المستعجلات. عدد من العاملين بهذا القسم يؤكدون أن »خديجة لحديجي« ، ذات الأربعين سنة، وكانت تعاني قيذ حياتها من مرض مزمن وكانت بحاجة إلى الإشراف الطبي الذي لم تحض به، حيث لم يجد رجاؤها في الحصول على المباشرة الطبية آذانا صاغية، لا سيما وأنها كانت عاجزة على الحراك ومحرومة من عائلة تدافع على حقها في التطبيب. يقال : »إكرام الميت دفنه..« لكن حالة »خديجة لحديجي« ، لن تحظى بهذا »الإكرام« بعدما تم إيداع الجثة الهامدة مستودع الأموات بالجناح رقم 39 التابع لمستشفى ابن رشد.. ولن يؤشر على دفنها إلا بعد مرور ثلاثة أشهر ويوم واحد عن تاريخ الوفاة إذ لم تعثر إدارة قسم المستعجلات، التي كانت تنتظر موت السيدة لنقلها خارج هذا القسم على أوراق تبوثية تحدد هويتها، اللهم بعض الشهادات الطبية التي تشير إلى طبيعة مرض »خديجة« ، بالإضافة إلى اسمها. لم تتمتع خديجة طوال افتراشها »الأرض« بقسم المستعجلات بأي إشراف طبي أو إسعافات أو حتى بتوجيهها إلى قسم من الأقسام المتخصصة بالمستشفى. مكر الصدف بل قساوة الحياة، جعلت »خديجة لحديجي« ، تعلم أن الأرضية تحديدا التي افترشتها لثلاثة أيام بمكان بقسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي ابن رشد، كانت احتوت قبلها جسد شيخ مريض بالبروستات واحتضنته إلى أن فارق هو الآخر الحياة، لقد حلت محله كما لو أنها كانت تعي قرب نهايتها بل وأنها ستكون على شاكلة نهاية هذا الشيخ، الذي لم يكن يملك ثمن الفحص بالأشعة وظل راقدا على أرض قاعة الاستقبال بمستعجلات »ميرزكو« أربعة عشر يوما قبل أن لفظ أنفاسه دون أن يجد من يلتفت إليه، بل ظلت جثته على الأرض بعد وفاته السبت الماضي من الثانية عشرة زوالا إلى الرابعة مساء، قبل أن تنتقل إلى مستودع الأموات اللامبالاة واللارحمة شعاران تشهرهما المستعجلات في وجه الوافدين المعوزين ولا تفلح الموت في تغييرهما.