المستعجلات، اسمها يدل على سرعة ما يقع فيها، وأقسام المستعجلات الطبية تختص أساسا في التعجيل بإسعاف المرضى دون تأجيل أو تماطل. فلماذا أنشئ قسم المستعجلات الطبية بالمستشفيات؟ من يقصده؟ كيف يكون المرضى وضحايا الحوادث والاعتداءات به؟ أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن، لكن القاسم المشترك بين الأجوبة هي المعاناة التي يقتسمها المرضى والمصابون مع موظفي المستشفيات على حد سواء. التجديد زارت أقسام المستعجلات ببعض المستشفيات والمصحات الخاصة بالرباط، وأعدت الاستطلاع التالي: يشتغل قسم المستعجلات الطبية بالمستشفيات العمومية والمصحات الخاصة طوال اليوم والليلة، لتقديم الخدمات الطبية الضرورية للمواطنين وإنقاذ الحالات الخطيرة المستعجلة، وخصوصا ضحايا الكوارث وحوادث السير التي تحصد يوميا مئات الأرواح وتخلف آلاف المعطوبين والمشوهين، مما يتطلب تواجد أطر طبية تتحلى بالرفق والحلم لتقديم كافة المساعدات للمصابين، إلا أن ظروفا كثيرة تتظافر للحيلولة دون بلوغ المرام، فمنها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي. كما أن قسم المستعجلات يختلف من مستشفى إلى آخر ومن مصحة إلى أخرى حسب مؤهلات هذه المؤسسة الصحية، والطاقم الطبي العامل بها وطبيعة السكان الموجودين بالمنطقة. العمل في المستعجلات الطبية لا ينقطع، ويدور مع تعاقب الليل والنهار، ويتناوب على الحراسة أطباء وممرضو وزارة الصحة وأطرها الذين يسهرون على استقبال المرضى ومدهم بما يلزم، لكن هؤلاء الممرضين المكلفين بالحراسة الليلية، يعانون الأمرين، فهم يواجهون ظروف العمل بالليل، ويصطدمون بمصابيه الذين يكون ضمنهم حمقى وسكارى ومشردين ومجرمين، مما يجعلهم في كثير من الأحيان عرضة للمشاداة التي تتسبب لهم في مشاكل مهنية. شهادة الضعف أصبحت ضعيفة يعتبر مستشفى ابن سينا أكبر المستشفيات بالمغرب، فهو يستقبل جميع المرضى الوافدين إليه من كامل التراب الوطني، طواف صامت بقسم المستعجلات كاف لنقل الصورة، وجولة واحدة عبر أرجاء المستشفى دون استجواب تكفي لتصوير الوضع الحقيقي لقطاع الصحة بالمغرب. امرأة مستلقية على الأرض، مظهرها الخارجي يدل على انتمائها لفئة اجتماعية بئيسة، لما وقفنا بجانبها بدأت تتمتم قائلة: >من ليس له مال ليس له مكان في المستشفى<، ثم أضافت متسائلة: >هل سيأتي الحارس العام؟<. تململت المسكينة في مكانها وهي تحكي عن مشكلتها بصوت متعثر: >ليس لي أبناء، وليست لي نقود، ورجلي اليسرى مريضة وأريد إجراء راديو لكن إدارة المستشفى طلبت مني 80 درهما ورفضوا شهادة الضعف<، أرشدناها إلى مكتب الدخول حيث ألحت عليهم، وفحصوها بالأشعة. ونحن مع فاطمة، عشرات المرضى يمرون، إما على كراس متحركة أو أسرة المستشفى المتنقلة، أو في بعض الأحيان على الظهور البشرية، وما يزيد الأمر تعقيدا، تداخل المستعجلات الطبية للمرضى، والإصلاحات الجارية بالمستشفى، فهذا ترميم وتبليط لأرضية بعض الممرات، وهذه روائح قوية تنبعث من جدران في طور الصباغة، وهؤلاء متأبطون لمصابيح كهربائية أو أغراض أخرى... كان عشرات المرضى يمرون، وبغتة انبعثت أصوات متعالية نتيجة صراع نشب بين أحد الممرضين وأحد مرافقي مريض احتج كثيرا على عدم العناية بقريبه، وبدأ يصيح: >منذ البارحة ونحن هنا ننتظر من يفحص هذه السيدة المريضة التي أوشكت على الهلاك وأنتم تقولون انتظر إن الطبيب في غرفة العمليات... الطبيب في عيادة المرضى<، فقاطعه الممرض: >أهذه هي المريضة التي أوشكت على مغادرة الحياة<؟ في سؤال استنكاري، ربما لأنه لاحظ أنها لم تشرف على المرت بعد، مادام لم تتوقف دقات قلبها. جلسنا إلى جانب سيدة تحمل ضمادا على يدها اليمنى، فلما سألناها عن سبب قدومها إلى المستشفى أجابت أنها ترافق أحد جيرانها المصاب في رجله اليسرى. وقالت السيدة التي يبدو أنها موظفة: >بصراحة المسكين يعاني كثيرا في المستشفى، خاصة بعد مطالبته بالأداء عند الدخول وعند الفحص والقائمة طويلة<. أضافت السيدة: >إننا نحتاج إلى وعي كبير لتغيير العقلية المغربية ولمعرفة مالنا وما علينا، والحمد لله ما يزال في المستشفى أناس طيبون يتفانون في أداء مهامهم بكل صدق وإخلاص في الوقت نفسه هناك بعض الموظفين الذين لا يحسنون التعامل مع المرضى ولا يبالون بهم، مما يخلق نوعا من التوتر بين المريض والممرض والزائر الذي يرافق المريض. أين الطبيب؟ في تلك اللحظة صرخت امرأة: >أين هو الطبيب الله يرحم الوالدين، إن ابني يموت!! أنقذوه ضعوا له (الصيروم)<. هرعنا إلى عين المكان وإذا بمجموعة من المرضى مصطفين على أسرتهم، والابن الذي تبكيه أمه يحملق بعينيه الذابلتين، وأمه تنظر بعينين أكثر ذبولا. بدأت السيدة الطاعنة في السن تطوف حائرة في بهو القسم وهي تقول لإحداهن: >ابحثي لي يا أختي عن الطبيب<، لم تجد المسكينة بدا من أن توجه وجهها إلى الله وبدأت تنتظر. أحد الداخلين إلى المستشفى، يبدو عليه من سحنته أنه وافد من إحدى دول جنوب الصحراء الإفريقية، أتى لتوه إلى المستشفى من أجل العلاج رفقة صديقه الذي تحاشا الجواب عن سؤال وجهناه له، وطفق يسأل عن أحد الأطباء، فرغم الإرشادات التي كان قدمها له بعض أطر المستشفى، لم يقتنع، وبدأ يتردد على القسم مرات متعددة. انتقلنا إلى قاعة الأشعة حيث طابور من المصابين، منهم من يئن تحت وطأة المرض، وآخرون ينتظرون دورهم لتشق أشعة (الراديو) صدورهم، سألنا أحد المصابين عن حالته الصحية، فأجاب بأنه أصيب بكسر في رجله أثناء الشغل وأن ظروف إجراء الراديو صعبة ومعقدة. أمام بوابة قسم المستعجلات اصطف طابور من المرضى والزوار، وكان مريض ينظر من فوق سريره، وقد التصق لحمه بعظمه ولا تتحرك منه إلا عيناه الغائرتان، ولم يجرؤ أحد أن يجلس بجواره. وإذا بمساعدين يحملانه في ساعفة إلى مستشفى التخصصات حيث يخضع للعلاج. وعلق أحد الحاضرين: >ما يثير الدهشة والاستغراب، هو أن هذا المريض موجود هنا منذ أيام، ولم يستفد من الخدمات الاستعجالية سوى بإزار يستر هيكله العظمي الذي بدأ الموت يدب إليه. ليلة السبت أخطر الليالي في الطابق الثاني، الجناح ,2 وأثناء فتر ة الزيارة، دخل شابان إلى الجناح يبحثان عن أحد أقاربهما يقبع على أحد الأسرة لتلقي العلاج، حسبهما أحد الحراس لصين يرتادان المستشفى لاختلاس أمتعة المرضى أو الزوار، تبعهما حارسان ودار بينهما حوار حاد بدأ أحدهما يتكلم الفرنسية، في تلك اللحظة قدمت ممرضة رئيسية تشكو من السب والشتم الذي قالت إنها تعرضت له من قبل الشخصين، بعدها سارعت إحدى الموظفات إلى مناداة قوات الأمن، التي استنطقت الشخصين الذين لم يكونا في الحقيقة إلا من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج وتم تجاوز الأزمة بسلام. بالقرب من بوابة قسم المستعجلات، لوحتان كتب عليهما: الوحدة الزرقاء ثم الوحدة الحمراء، كان أربع مرضى على أسرتهم، أحدهم كبكب على وجهه لا يرافقه أحد تظهر على جسده علامات تدل على أنه أصيب في حادثة، وجهه مخضب بالدماء وملابسه ملطخة بالتراب، وعلى مقربة منه سرير ثان استلقى عليه رجل يتألم، وثالث مستلق على ظهره تظهر على أعضائه جراح نتيجة لحادثة سير، ورابع جبصت رجله يبحث عن القسم الخاص بحوادث الشغل... فاتحنا أحد الحراس بعين المكان واستفسرتاه عن الظروف التي يشتغل فيها بقسم المستعجلات، والمشاكل التي تعترضه أثناء مزاولة مهامه، فأجاب والمشاكل تتدافع لتخرج من فمه: >المشاكل التي نعانيها كثيرة ومتعددة، فنحن لا نتقاضى سوى 1200 درهم شهريا، وهذا يترك وضعيتنا دون المستوى، وعملنا شاق جدا لأننا مكلفون بالأمن، وكثيرا ما نصطدم بالمواطنين الذين يرغبون في الدخول، والأمر الخطير يتمثل في مجيء السكارى والمتسكعين إما مصابين أو يحلو لهم المجيء إلى المستشفى. تعتبر ليلة السبت أخطر الليالي بقسم المستعجلات الطبية، خاصة وأنها ليلة معروفة لدى أصحابها الذين يرتكبون فيها أخطر الجرائم ويقومون خلالها بأفدح الأفعال... وأضاف الحارس: >سأحكي لكم حادثة وقعت هنا، ذات ليلة قدم شخصان مخموران إلى قسم المستعجلات يبحثان عن أحد المرضى بجناح أمراض الكلى واستقبلناهم بتفهم ونظرا للوضعية التي هم عليها، إلا أن قريحتهم جادت بأنذل وأنبى الكلمات، انساب جراء سماعها العرق من جبيني، ولم يكتفيا بالسب والشتم، مما دفع أحد الحراس إلى ركل أحدهما، فسقط صريعا، ونادينا قوات الأمن الذين أنقذوا الموقف<. ولما سألناه عن ضحايا حوادث السير أشار إلى أن قسم المستعجلات يستقبل يوميا ما لا يقل عن 12حالة. أما الحالات الأخرى، فكثيرة ومتنوعة. في مستشفى التخصصات مستشفى التخصصات، لا يقل مشاكلا عن باقي المستشفيات التي تعيش في بحر لجي من المشاكل، دخلنا البوابة ففوجئنا بهدوء نسبي لم يسبق أن أحسسنا به مقارنة بأيام عديدة سبق لنا أن زرنا فيها المستشفى. فكرنا في استطلاع رأي أحد الموظفين به قبل أن نلتقي بعض الوافدين على هذا المستشفى، و لما سألناه عن معاناتهم بالمستشفى، قال: >اللائحة طويلة وعريضة ويمكن تصنيف المشاكل إلى صنفين: مشاكل إدارية ذاتية، ومشاكل تتعلق بالمرضى ومرافقيهم. فبخصوص المشاكل الخاصة: فالقسم يشكو من فوضى عارمة في إسناد المهام دون مراعاة التكوين والكفاءة، وليست هناك حماية للموظفين، خصوصا أثناء قيامنا بواجبنا ليلا، أما بخصوص المشاكل الخاصة بالمرضى والزوار، فالحال يغنيك عن السؤال<. فجأة التقط سمعنا هرجا ومرجا في ساحة الاستقبال فهرعنا إلى عين المكان، حيث وجدنا ممرضة تمسك بطفل في الثالثة من عمره وهي تصرخ في وجه أمه قائلة: هل تريدين قتله؟ ربما ليس ابنك، ألا تخافين أن يأخذوك إلى السجن؟ أجابت المرأة: >أنتم هم السبب، فمنذ ولادة هذا الطفل وهو يعاني من إصابة في أنفه، ولما قدمت إلى هنا بدأتم تلعبون بي مثل الكرة: اذهبي عند فلان، سيري عند فلان، وأنا ضعيفة الحال وطلبتم مني 160 درهما، من أين سآتي لكم بها؟<. سألنا أحد الممرضين ماذا حدث، فأشار إلى أن هذه السيدة أرادت أن تتخلص من هذا الابن<. أخذت الممرضة بيد الطفل الصغير، وقادته إلى قاعة الراديو، في تلك اللحظة وجدنا الفرصة سانحة للتحدث إلى أم المريض، ونحن نمشي خلفها، اقتربنا منها وسألناها: ما السبب الذي جعلك تقدمين على هذه الفعلة؟ أجابت، وقد أجهشت بالبكاء: >لقد أتعبوني، فولدي مصاب في أنفه منذ ولادته، ولما قدمت إلى المستشفى وأدليت بشهادة الضعف لم يقبلوها مني، هذه الشهادة التي لم أحصل عليها إلا بشق الأنفس، ودفعت الرشوة للمقدم لأحصل عليها، ومن أراد أن يحصل عليها، لا بد من الإدلاء بشهادة السكنى، وأنا لم أدفع ثمن الكراء لصاحبة الدار، مع كل هذا، وأنا أسعى في علاجه، طالبني بالانصراف: ماما الطوبيس، ماما الطوبيس، مما دفعني لأصب جام غضبي عليه، زيادة عل ذلك، فقد تركت ابنتي الصغيرة التي تبلغ ثلاثة أشهر لأختها الصغيرة. والمشاكل كثيرة، التنقل وتكاليف الحياة<. ونحن نتحاور بدت لنا الممرضة تحمل ظرفا وتمسك الطفل الصغير من يده وتقوده نحو مكتب المساعدة الاجتماعية. آنذاك بدت ملامح الفرح على محيى المرأة وأمسكت بطفلها المسكين لتبدأ شوطا جديدا يتمثل في عرض ابنها على الطبيب الذي سيفحصه ويكتب لها وصفة الدواء. جلسنا على كرسي قرب سرير استلقت عليه سيدة تئن تحت وطأة المرض مرددة: الله الله، في كل مرة تفتح عينيها الذابلتين اللتين تنتظران لقاء الطبيب ليريح صاحبتهما من شدة الألم. في القسم نفسه بالمستشفى نفسه، جلس رجل على كرسي وبجواره أحد مرافقيه يرشده إلى الطريق، اقتربنا منهما، وإذا برجل غطى وجهه بفوطة أزاحها ونظر إلينا، وإذا بوجهه ملطخ بالدماء وشعره مخضب به. لما استفسرناه عن حاله أجاب: إنني تعرضت لحادثة سير، وأنتظر الكشف عن نتائج الكسر الذي في أنفي. مخاض مستشفى الولادة عادة لا يقصد مستشفى الولادة بالرباط إلا الحوامل، لما دخلناه، كان طابور من الرجال والنساء، هناك من اتكأت على الجدار، وهناك من تأبطت فراشا تابعة الحبلى إلى قاعة المستعجلات. وقع بصرنا على امرأة تجاوزت الستين من عمرها تحلقت حولها مجموعة من الشابات اللواتي كن يستمعن لحكاياتها، فلما حركت كتفيها وكأنها ترقص، غرق الجميع في الضحك. غير بعيد كان أحد الأشخاص، زوجته نزيلة بقسم الولادة منذ ثلاثة أيام، وهي على وشك الوضع وكلاهما مريض، مما عقد أمره، وهو في انتظار الطبيب لفحصها. في اليوم الموالي، كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا، وقفنا أمام المدخل الرئيسي، جحافل من الناس يرتادون هذا المستشفى، في الفناء ناس حيارى، مشدوهون، هناك من ينتظر وضع زوجته، الكل في مد وجزر. في الوقت الذي ينادى على اسم أو تشاهد الممرضة قادمة، يقبل الزوار دفعة واحدة ثم ينفضون في لحظة واحدة، مشهد يذكر بلحظات كان فيها الإعلان عن نتائج امتحانات البكالوريا بشكل ينادى فيه على الناجحين بالأسماء. وقفنا بجانب أحد الرجال الذي كان حيرانا، عيناه ترقبان قدوم الممرضة، سألناه عن ظروف الاستقبال فأجاب: >لا يهم الاستقبال، ما يهمني هو أن تضع زوجتي في ظروف عادية، ولما سمع اسمه طار من مكانه فرحا، وحمل الفراش ونادى على أمه التي ظهرت نواجدها فرحا، فحمل هاتفه النقال قبل أن يرى زوجته، وبدا أن الأم ستظفر بالبشارة قبله. ولم تمر إلا دقيقتان حتى نودي على آخر هرع إلى قاعة الولادة، وأثناء خروجه بدا متراخيا، غادر القاعة وأخذ سيجارته وبدأ يتحدث إلى صديقه عن ظروف الولادة ومتاعبها وعن قضية تنظيم الأسرة، وأضاف متأففا: >لقد جئت إلى المستشفى دون أن أغير ملابسي، نسيت حتى بطاقة التعريف الوطنية، لم أحمل إلا بطاقة صهري، لم يلبث إلا قليلا حتى قال: هل سيقبلون مني شهادة الضعف؟ وحكى صاحبنا أن زوجته وضعت أربع مرات في ظروف عادية، وهذه المرة الأولى التي تلد فيها بعملية قيصرية. مستشفى الأطفال: البراءة المريضة يشتمل مستشفى الأطفال بالرباط على عدة أقسام وأجنحة خاصة بالأطفال، يأتون إليه دون أن يدروا الظروف والملابسات التي مروا بها، ولا الكيفية التي وصلوا بها إليه، طفنا عبر أرجاء قسم المستعجلات بالمستشفى المذكور، عيون البراءة تشع من كل جانب، تؤثر في المشاعر بفعل معاناتهم جراء المرض. فعيونهم بصيرة وأياديهم قصيرة، وأجسادهم صغيرة، منهم من بيده كسر، ومنهم من برجله عطب. بعضهم بين أحضان أمهاتهم وآخرون على ظهورهن. هنا أيضا لابد من الطابور والانتظار والازدحام والتشاجر، سيدة جالسة على كرسي تنتظر ابنها الموجود داخل المستعجلات يتلقى الإسعافات، فمنذ شهر أصيب بكسر في رجله وأجريت له على إثرها عملية جراحية، لكن >وللأسف لم تكن ناجحة<، ثم عادت به إلى الطبيب لمراقبته، ولما طلب منها بعض الإيضاح حول الظروف التي مرت بها العملية، أشارت إلى أنها صرفت الآلاف من الدراهم لعلاجه، تتحدث وكلامها ينم عن أنها عانت الكثير للوصول إلى قاعة العمليات. أثنا ء دخولنا إلى المستشفى، كان طفل رفقة والديه أمام البوابة، وسرعان ما وجدناهما قرب قاعة الراديو، سألنا الأب عن حال ابنه، فطفق يتحدث: >ابني مريض وطلبوا مني أداء 1600 درهم، وحالتي الاجتماعية ضعيفة وكنت أبحث عن الحارس العام، لكن صادفت رجلا جازاه الله خيرا فساعدني كثيرا<. مرت بنا امرأة ومعها ابنها الذي كسرت يده، قاطعتنا قائلة: >لو عرفت هذا من قبل ما كنت لأنتظر كل هذه المدة، فعشرة دراهم كافية لإجراء الراديو<. في الوقت الذي غادرنا فيه مستشفى الأطفال، وقع نظرنا على مريض وحيد ضاق به فضاء المستشفى، وانزوى يشتم رائحة الفضاء الخارجي، وقال في ألم ومرارة: >أنا هنا منذ مدة خمسة أشهر<. هذه مستعجلات الرباط، عاصمة المملكة مركز العلم والبحث العلمي، التي تتوفر على أكبر مركز استشفائي جامعي، يحج إليه الأطباء للتكوين من كل أنحاء المغرب، بل من خارج المغرب أيضا، مستعجلات لا تبعد عن مقرات مصالح وزارة الصحة إلا بأمتار معدودة، ولا شك أن حالها لا يخفى على المسؤولين في مدينة الوزارات والسفارات والعمارات، فكيف هي إذن مستعجلات مدن ومناطق أخرى؟ عالي بوبكر