سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صائمون ينتهي يومهم بقسم المستعجلات وعائلاتهم تعاني من سوء الاستقبال مصدر طبي: ضحايا الحوادث والقصور الكلوي والأمراض المزمنة والتسممات والاعتداءات على قائمة ما تستقبله المستعجلات في رمضان
في زيارة لها لقسم المستعجلات بابن رشد ومستعجلات مستشفى سيدي عثمان بالبيضاء، في يوم رمضاني حار، وقفت «المساء» على مرضى حملهم عنادهم ورغبتهم في الصوم إلى أسرة المستعجلات وآخرون تعرضوا لكسور أو أزمات، وهناك تذوقت أسرهم مرارة الإهمال وطول الانتظار، ورغم أنهم أدوا مبالغ مالية فقد اضطروا إلى حمل مرضاهم بين الأيدي أو على الأكتاف بسبب انعدام كراس أو أسرة متحركة بهذه المستعجلات. «أقسم بالله بأنك ستغادر قسم المستعجلات حالا. أنا عنيد ولا أتحمل أن يتحداني أحد»، عبارة وجهها رجل أمن إلى أحمد، شقيق أحد المرضى، عندما تحدى رجل الأمن ودخل لتقديم المساعدة إلى شقيقه الذي لا يقوى على النهوض. بعضلاته المفتولة وقامته الطويلة كان يحاول أحد رجال الأمن الخاص بقسم المستعجلات بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء يحاول أن يمنع عائلات المرضى من الدخول، حيث كان يتخذ لنفسه مجلسا بالباب الرئيسي للجناح 28، وهو قسم المستعجلات. دخل أحمد إلى القسم عقب دخوله في نقاش ساخن مع رجل الأمن، حيث حاول إقناعه بداية بأنه يرغب في الالتحاق بشقيقه لأنه لا يقوى على الحركة بعد أن نقل في حالة حرجة. إصرار أحمد وحالة خوفه على المريض جعلاه يتسلل إلى الداخل رغم رفض الآخر، خاصة أن المريض لم يكن يقوى على الحركة. حاول الوافدون على قسم المستعجلات تهدئة رجل الأمن، غير أنه أصر على اللحاق بأحمد وانتهى الأمر بإخراجه من القسم بالقوة رغم توسلاته وتدخل بعض الأطر الطبية بالقسم من أجل ذلك. كان هذا مشهدا من مشاهد ساخنة سجلت بقسم المستعجلات، حيث بين إلحاح عائلات المرضى على الولوج إلى القسم ورفض رجال الأمن ذلك اشتعل فتيل غضب الكثيرين، خاصة أن الجميع كان في حالة صيام، وأن الجو كان حارا، كما أن نفسية الجميع كانت غير عادية. صيام انتهى بالمستعجلات يقول أحمد إن حالة أخيه تدعو إلى القلق، حيث إنه يعاني مغصا في البطن، ووضعه الصحي متدهور منذ أزيد من شهرين، غير أنه أصيب بأزمة صحية حادة إثر صيامه، استدعت نقله إلى مستشفى بالحي الحسني ومن ثم نقل إلى مستعجلات ابن رشد بسبب حالته الدقيقة. واستغرب أحمد لعدم تشخيص حالة أخيه وقال : «قالوا لنا في البداية إنه سيجري عملية جراحية، ثم عادوا إلى القول إنه لن يجري أي عملية جراحية، واكتفوا بإجراء فحوصات وتحاليل، علما أنه لحد الآن لم نعرف طبيعة مرضه، نريد فقط جوابا شافيا، وإن كانت حالته ميؤوس منها يجب إخبارنا بالأمر. العائلة بأكملها تقريبا توجد أمام قسم المستعجلات وليس من العدل أن نظل كذلك لأننا صائمون». كسور وإغماءات وجروح ومغص في الأمعاء، حالات وغيرها كانت توجد بالقسم، نقل أصحابها على وجه السرعة لتلقي العناية المركزة والتدخل السريع منعا لأي مضاعفات، غير أن عائلات المرضى كان لها رأي آخر في ذلك، تقول سعيدة، التي كانت تصاحب شقيقتها التي أصيبت بكسر في رجلها، وكانت تعاني آلاما شديدة: «انتظرنا طويلا قبل أن يتم وضع جبيرة في رجل شقيقتي. انتقلنا إلى ابن رشد باعتباره أهم مستشفى بالدار البيضاء، غير أن سياسة التماطل والإهمال وعدم التسريع بعلاج المرضى عملة متداولة في جميع المستشفيات». مرضى يحملون على الأكتاف يقول رشيد، الذي كان يرافق والدته التي نقلت إلى المستعجلات بعد أن أصيبت بمغص حاد في الأمعاء: «أول ما تفتقر إليه مستعجلات ابن رشد هو وجود كراس لنقل المرضى، نحن نقلنا الوالدة بين أيدينا، وعندما ولجنا إلى القسم لا أحد اكترث بنا ولا بوضعية أمي المسنة. أغلب العائلات هنا تنقل مرضاها بين الأيادي أو على الأكتاف، ونعلم أن في بعض الحالات الخطيرة قد يكون لطريقة حمل المريض انعكاس مباشر وخطير على صحة المريض، كالكسور مثلا في أماكن حساسة». وأضاف: «أديت مبلغ 450 درهما الآن. أتساءل فقط إن كانت مداخيل المستشفى لا تكفي لتوفير بضعة كراس لنقل المرضى. واش هاد المرضى نجروهم على الأرض». اضطراب وترقب وانتظار.. قواسم مشتركة بين عائلات المرضى، بل المرضى أنفسهم. كان مراد، شاب لم يكمل ربيعه الثاني، يتنقل بين ممرات القسم، وهو يحمل يده اليسرى باليمنى، في رحلة بحث عن منقذ يضع جبيرة على يده ويخلصه من ألم لم يعد يقوى على تحمله: « منذ فترة وأنا أنتظر، لا أخفيك سرا، لو كانت لدي الإمكانيات المادية لما انتظرت لحظة أخرى هنا، ولتوجهت إلى القطاع الخاص. لفلوس هي اللي كتدير ليك الطريق». واسترسل مراد، وهو يتحدث بصعوبة بسبب الألم:» أخشى أن أظل هنا لساعات أخرى وأن أقضي ساعات الإفطار بالمستعجلات». وصف بعض أفراد عائلات المرضى الذين كانوا يصطفون أمام مبنى ال28، وقد افترشوا الرصيف، المستعجلات بأنها جحيم في رمضان، وقد رفعوا أكفهم إلى الله بأن يطلق سراحهم، وأن تكون تلك زيارتهم الأخيرة إلى قسم قضوا به يوم صيامهم كاملا، ويخشون أن يجبروا على العودة إليه في الأيام الموالية، غير أن سندهم في محنتهم دعوات وتوسلات بأن يشفي الله مريضهم، وأن يخلوا المكان الذي لا بد أن يستقبل أناسا آخرين، فتلك سنة الحياة. سيارات الإسعاف في حالة استنفار يستقبل مستشفى سيدي عثمان ما بين 350 و400 مريض يوميا على مدار الساعة، وإن كانت نسبة مهمة من المرضى تلتحق بالمستشفى بعد الإفطار. ويرى الدكتور عطوف أن المستعجلات الحقيقية تأتي في أي وقت كقرحة المعدة أو الحوادث، وأن الحالات غير المستعجلة تبقى إلى ما بعد الإفطار. وقال رجل إسعاف، وهو يعد العدة للانتقال صوب مكان آخر لجلب أحد المرضى من بيته، بعد أن أدخل إحدى المريضات إلى قسم المستعجلات، أن عدد المرضى مرتفع جدا، وإن أغلب الحالات التي تنقلها سيارة الإسعاف إلى المستشفى هي عبارة عن تسممات أو حوادث سير أو اعتداءات أو أزمات عصبية.. وأوضح المصدر نفسه ءن سيارات الإسعاف ومعها المسعفون في حالة استنفار قصوى، وأن مناسبة رمضان عوض أن تكون مناسبة يهتم فيها الإنسان بسلامته ويضبط فيها سلوكاته الخاصة يحدث العكس. وأضاف أن سيارات الإسعاف تعمل مدة 48 ساعة وأنها لا تتوقف عن نقل المرضى في أحيان كثيرة. مستعجلات شبه فارغة كانت مستعجلات سيدي عثمان بالدار البيضاء شبه فارغة من المرضى، سوى بعض من عجزوا عن تحمل أوجاعهم. كانت إحدى السيدات تتقلب يمينا وشمالا وهي تحاول بجهد أن لا يضيع يوم من الصوم في ساعة مرض، لذلك كانت تحاول كبته بقدرة ذاتية، حيث إن «حريق» في كليتيها دفعها إلى الالتحاق بالمستشفى على الأقل لاقتناء وصفة طبية للتخفيف من الألم، ورغم أن وضعها الصحي يستدعي الإفطار فهي تجد في ذلك عيبا، وترى أن بإمكانها أن تقاوم المرض وأن تتحمل العطش، غير أنها اعترفت بأنها تدفع الآن ضريبة عنادها بقسم المستعجلات. ربما كانت مستعجلات سيدي عثمان أحسن حالا من مستعجلات ابن رشد، حيث كانت القاعة شبه فارغة من المرضى، وهو ما عبر عنه الدكتور عطوف، نائب مدير المستشفى ورئيس القسم الجراحي، بأن عدد المرضى القليل الذي يسجل بالمستعجلات لا يعني أن المستشفى تعيش الوضع نفسه طوال الأسبوع، إذ في حالة الحوادث تستقبل العشرات من المعطوبين دفعة واحدة، وهو ما يجعلها تعيش وضعية استنفار قصوى. كان قسم مستعجلات مستشفى سيدي عثمان يضم مرضى كانوا في حالة صيام رغم وضعهم الصحي الذي لا يتحمل ذلك. يقول الدكتور قنطاري نور الدين، طبيب بقسم المستعجلات، إن أغلب الحالات المرضية التي تسجل في شهر رمضان هي القصور الكلوي، حيث يصاب المرضى بأزمات حادة «عبارة عن حريق»، والسكري والضغط الدموي بالنسبة إلى المرضى الذين يغيرون نظامهم الغذائي، بالإضافة إلى التسممات، حيث إن تزامن رمضان مع فصل الصيف ووفرة الفواكه جعل المواطنين يقبلون عليها في رمضان بكثرة، وهو ما يؤدي إلى الإصابة بتسممات ينتج عنها إسهال حاد فينقلون إثرها إلى المستعجلات. وتتضاعف بعض الأمراض بسبب الصيام مثل قرحة المعدة، السكري، والتوتر الذي تنتج عنه أزمات عصبية، والقلب والربو بسبب ارتفاع درجة الحرارة. كما يستقبل المستشفى ابتداء من الرابعة عصرا وحتى ساعات الإفطار حالات ناتجة عن حوادث السير وحالات الاعتداء التي يكون أبطالها مدمنين أو مدخنين، وأن هذه الشريحة تصبح أكثر خطرا قبيل الإفطار، خاصة مع الاكتظاظ الذي يسجل بالشارع العام ومن ثم تسجل مشادات تنتهي باعتداءات قد تكون خطيرة في بعض الأحيان. وأكد الدكتور عطوف أن الحالات الوافدة على المستعجلات تبقى قليلة عموما قبل الإفطار في حين تصل ذروتها بعده، والنظام الغذائي يلعب دورا كبيرا في الأمر، إذ هناك من لم يتعود على أكل بعض الوجبات التي تؤثر عليه. وأضاف «نحن في غالب الأحيان نعمل حسب الإمكانيات، وفي حالة ارتفاع عدد المرضى يتم تطعيم الفريق الطبي، وتحويل بعض الحالات على مستشفيات أخرى».