لم يكن اختيار"مؤسسة سولار إمبولس" لورزازات كمحطة أخيرة في مضمار الرحلة التجريبية لطائرتها التي تعمل بالطاقة الشمسية٬ وليد الصدفة ٬ أو مجرد نزوة اعتباطية٬ وإنما هو اختيار له مدلول عميق يتماشى مع منطق العصر الراهن٬ والذي تعالت فيه الصيحات الداعية إلى الحفاظ على كوكب الأرض من الدمار. فالانبعاثات الغازية المتواصلة على كوكب الأرض٬ وما نجم عنها من إحداث ثقب غائر في طبقة الأوزون أدى إلى كوارث بيئية خطيرة يستحيل معها إرجاع الأمور إلى حلتها السليمة السابقة٬ لا سيما وأن هذه الأضرار أخذت شكل ارتفاع غير مسبوق في درجات حرارة الأرض٬ وتقلص متواصل للمساحات الثلجية في القطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي٬ وتراجع المساحات الغابوية عبر مختلف بقاع المعمور٬ وغيرها من الأضرار البيئية التي لم تعد خافية على أحد. ومنذ مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي٬ بدأت صحوة الضمير العالمي تنتفض إزاء هذا الدمار البيئي الشامل الذي يشهده كوكب الأرض٬ خاصة بعد"قمة الأرض"التي انعقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية٬ والتي كان للمغرب مشاركة متميزة فيها٬ ومن تم ما فتئ التنبيه إلى المخاطر البيئية التي تحدق بالإنسانية تتعاظم بشكل متصاعد٬ وتتعاظم بالموازاة معها المبادرات المختلفة لاستعمال الموارد المتجددة كمصادر لإنتاج الطاقة النظيفة٬ بذل الإستمرار في الاعتماد على استعمال الموارد الطاقية ذات الأصل الأحفوري. وانسجاما مع هذا المنطق٬ كان المغرب من بين بلدان العالم القليلة التي انخرطت بقوة في اعتماد مخطط استراتيجي طموح لإنتاج الطاقات المتجددة٬ حيث تم بتاريخ 2 نونبر من سنة 2009 ٬خلال حفل ترأسه جلالة الملك محمد السادس في ورزازات ٬ تقديم "المشروع المغربي للطاقة الشمسية" ٬ الذي تبلغ الاستثمارات المخصصة لإنجازه تسعة ملايير دولار أمريكي. ويهم هذا المشروع٬ الذي يعد من أضخم مشاريع إنتاج الكهرباء من مصدر شمسي على الصعيد العالمي٬ إنشاء خمس محطات في كل من عين بني مطهر٬ وفم الواد وبوجدور وسبخت الطاح٬ ثم ورزازات٬ حيث من المقرر أن تصل الطاقة الإنتاجية من الكهرباء لهذه المحطات ما يناهز 4500 جيغاواط / ساعة سنويا٬ أي ما يعادل 18 بالمائة من الإنتاج الوطني الحالي. وسيمكن المشروع المغربي للطاقة الشمسية من اقتصاد 1 مليون طن سنويا من المحروقات الاحفورية٬ والحفاظ على البيئة عبر تجنب انبعاث 7ر3 مليون طن من ثاني أوكسيد الكاربون في السنة٬ حيث تقرر أن تكون ورزازات أولى المحطات الخمس التي سيتم إنجازها ضمن هذا المشروع٬ وذلك على مساحة إجمالية تصل 10 آلاف هكتار. وبينما يتوقع أن تصبح محطات المغرب الخمس لإنتاج الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية ابتداء من سنة 2020٬ فإن أولى هذه المحطات التي ستشيد في ورزازات تقرر أن يشرع في تشغيلها مع نهاية سنة 2014٬ وهي السنة نفسها التي من المقرر أن تبدأ فيها طائرة مماثلة ل"سولار إمبولس" رحلة عبر العالم سعيا إلى تجسيد القيم التي يحملها هذا التحدي التكنولوجي الذي رفعه مؤسسا مشروع "سولار إمبولس" السيدان أندري بروشبرع وبرتران بيكار. وقد سبق للسيد برتران بيكار أن اعتبر بأن المغرب "قدم نموذج بلد أدرك أهمية الاستثمار في الطاقات النظيفة التي تتوفر على مزايا هائلة من الناحية الاقتصادية٬ ولكن أيضا في مجال حماية البيئة". ولم تكن هذه الشهادة للربان بيكار مجرد انطباع عابر٬ وإنما هي حقيقة واقعية تؤكد أن المغرب انخرط بقوة عن طريق مشروعه الخاص بإنتاج الكهرباء انطلاقا من استغلال الطاقة الشمسية٬ في مسار دولي يتميز بنمو سريع لإنتاج الطاقة الشمسية٬حيث يسجل هذا الإنتاج وثيرة نمو تصل في المتوسط 22 في المائة٬منذ سنة 1996. ومما لاشك فيه٬ أن إستراتيجية المغرب المتعلقة بتطوير قدراته من الطاقات المتجددة لن ينحصر انعكاسها الإيجابي على المجال البيئي فحسب٬ وإنما سيكون لها وقع إيجابي كبير على النمو الاقتصادي والاجتماعي في المناطق الخمس المختارة لإنجاز مركبات إنتاج الطاقة الشمسية. كما سيكون لهذا المشروع فوائد أخرى متعددة تتمثل على الخصوص في إحداث شعب متخصصة في مجال الطاقة الشمسية في المدارس الكبرى للهندسة وبالجامعات٬ فضلا عن إحداث مركز للبحث في مجال الطاقة والبيئة٬ ونقل المعرفة والتكنولوجيا٬ وتنمية نسيج صناعي متخصص٬ ومن تم تبرز الدواعي التي جعلت المشرفين على "مؤسسة سولار إمبولس" يختارون المغرب كوجهة لتجريب أول طائرة مصنوعة من ألياف الكاربون٬ قادرة على التحليق ليلا ونهارا من دون أي قطرة وقود٬ ودون أي انبعاثات ملوثة ? بفضل الطاقة الشمسية.حسن هرماس