عقارب الساعة كانت تشير إلى الحادية عشرة والنصف ليلا، الحدث كان استثنائيا بامتياز بمطار الرباطسلا، كان الموعد مع التاريخ ومع لحظة ربط قوية بين الحاضر والمستقبل عندما لمست عجلات الطائرة التجريبية «سولار أمبولس» أرضية المطار في أول رحلة تجريبية لها على الصعيد الدولي. وجوه عديدة من عالم السياسة والدبلوماسية والإعلام الوطني والدولي جاءت لتحتفي باللحظة ولتكون شاهدة على هذا الحدث التاريخي، الذي يجسد التحدي التكنولوجي ويربط الحاضر بالمستقبل، وفي مقدمة هذه الوجوه التي كانت في استقبال الربان برتران بيكار الذي قاد «سولار أمبولس» لحوالي 20 ساعة من مطار باراخاس بالعاصمة الإسبانية إلى الرباط، مستشارة جلالة الملك زليخة نصري ووزيري التكلنولوجيا الحديثة والصناعة عمارة ووزير التعليم العالي لحسن الدادوي ووزير الطاقة والمعادن فؤاد الديويري ومصطفى الباكوري رئيس مجلس إدارة الوكالة المغربية للطاقة الشمسية وعمدة مدينة الرباط فتح الله ولعلو وسفير سويسرا بالمغرب بيرتراند لويس بالإضافة إلى عدد كبير من ممثلي وسائل الإعلام الوطنية والدولية. وكانت هذه الطائرة التجريبية بدون وقود قد أقلعت في أول رحلة لها من مطار باييرن بسويسرا يوم 25 ماي الماضي لتحط في اليوم نفسه بمطار باراخاس بمدريد حيث ظلت بالمطار الاسباني في توقف تقني دام 11 يوما٬ قبل إقلاعها نحو الرباط ٬ على الساعة الرابعة صباحا من يوم أول أمس الثلاثاء قبل أن تتوجه إلى مدينة ورزازات في غضون الأيام القليلة المقبلة حيث ستعطى الانطلاقة لأشغال بناء أكبر حقل للطاقة الشمسية في العالم. وتعد «سولار أمبولس» أول طائرة تقطع مسافة 2500 كلم وتربط بين القارة الأوروبية والقارة الإفريقية، عبر جبال البيريني الفرنسية مرورا بجبل طارق والبحر الابيض المتوسط وصولا إلى مدينة الرباط عبر مدينة طنجة والعرائيش دون قطرة وقود ودون انبعاثات ملوثة بقيادة الطيارين»بيكار برتراند» و»أندري بورشبيرغ» اللذان تناوبان على قيادة هذه الطائرة من سويسرا إلى ورزازات. وحلقت «سولار امبالس» على ارتفاع 3600 متر باتجاه اشبيلية وقطعت بعدها مضيق جبل طارق على ارتفاع 8229 مترا وتشغل الطائرة بواسطة 1200 خلية تعمل بالطاقة الشمسية، ومجهزة بأربعة محركات كهربائية، كما أن حجمها العملاقة الذي يوازي حجم طائرة ايرباص 320 لا تزن أكثر من حجم سيارة عائلة. هذه الطائرة الفريدة من نوعها التي قصدت المغرب في أول رحلة عالمية لها تحت الرعاية السامية لصاحاب الجلالة الملك محمد السادس وبدعم من الوكالة المغربية للطاقة الشمسية جاءت في سياق مجهودات المغرب الرامية إلى الرفع من الرهان على الطاقة الشمسية ومشاريعها التي تهمّ المغرب ونظرته للاستثمار في الطاقات النظيفة. وفي ذات السياق أكد مصطفى باكوري رئيس مجلس الإدارة الجماعية للوكالة المغربية للطاقة الشمسية في تصريح صحفي على أن المغرب باستقباله لهذه الرحلة الأولى العابرة للقارات يوجه مجددا إشارات قوية إلى العالم عن عزمه جعل الطاقة الشمسية أحد المحاور الرئيسية للاستخدام المستقبلي للطاقات المتجددة، مشيرا إلى أن سنة 2012 هي سنة انجازات على هذا المستوى حيث ستعطى الانطلاقة لأكبر محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية بورزازات على أن يكون توليد أول كيلو واط سنة 2014، وأوضح الباكوري إن هذه السنة التي تصادق قمة الأرض ريو + 20 هي مناسبة بالنسبة للمغرب لإبراز التزاماته وإعطاء حصيلة منجزاته في مجال الطاقات المتجددة. من جانبه قال الطيار»بيكار برتراند» «إن بهذه الرحلة تؤرخ لصداقة بين رؤيتين الرؤية الذكية للمغرب ببنائه أكبر محطة طاقة شمسية بورزازات والرؤية التقنية لفريق»سولار امبالس» الذي ساهم في بناء هذا الانجاز التاريخي». وأضاف بيرتران بيكار الذي كان مرفوقا بزميله «أندري بورشبيرغ» أن بهذه الرحلة أصبح الحديث عن المستحيل غير ممكن وأن المستقبل يعد بتغيرات جذرية على مستوى استعمال الطاقات المتجددة مشيرا إلى أن الالتفاتة أرادة المغرب مع إرادة الفريق الذي انجز هذا المشروع يشكل لديه مبعث فخر واعتزاز. واعتبر بيرتران بيكار ان القرار الذي اتخذه المغرب والرامي إلى تعزيز قدراته في مجال استغلال الطاقة الشمسية دليل على بعد النظر وحكمة السياسة المتبعة في المغرب في هذا المجال، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يكثر فيه الكلام عبر العالم٬ عن عدد من المشاريع في مجال استغلال الطاقة الشمسية والحفاظ على البيئة٬ يبادر المغرب بإنشاء الوكالة المغربية للطاقة الشمسية التي تعمل على بناء أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم بورزازات. وأوضح أن إسهام فريق طائرة «سولار أمبولس» في هذا المجال هو بمثابة تعبير عن الدعم الكامل للمجهودات التي تبذلها الوكالة المغربية للطاقة الشمسية٬ والتي اعتبرها دليلا قاطعا على وجود إمكانية هائلة للتقليص من استخدام مصادر الطاقة التقليدية. يشار إلى أن مشروع هذه الطائرة اطلق عام 2003 من قبل بيكارد وزميله الطيار السويسري اندريه بوشبيرغ الذي قاد الطائرة في المرحلة الأولى من رحلتها عبر الأطلسي بين سويسرا واسبانيا، ليقودها بعد ذلك الطيار «بيكار برتراند» من إسبانيا إلى المغرب. وتعد « سولار إمبولس» أول طائرة كبيرة وخفيفة مصممة لتطير اعتمادا على الطاقة لشمسية ومن دون وقود، إذ مكنت سبع سنوات من العمل المكثف٬ والحسابات الدقيقة٬ والتجارب والاختبارات التي قام بها فريق من 70 شخصا و80 شريكا٬ من التوصل إلى هذه الطائرة المتطورة المصنوعة من ألياف الكاربون٬ وبحجم طائرة من طراز «ايرباص إيه 340» بطول 63.4 م٬ ووزن سيارة عائلية التي لا تتجاوز 1600 كلغ.