يوم الجمعة 13 نونبر 2015 في الساعة التاسعة وعشرين دقيقة، ليلا، بالتوقيت المحلي في فرنسا، كان "تيبو دو مونبريال" يجلس في مكان ما من ملعب فرنسا الكبير (سان دوني) حين سمع دويَّ أول انفجار، "لقد فهمت بسرعة" يؤكد هذا المحامي الذي قبل أن يرتدي جبة المحاماة ارتدى في شبابه زي التدريب ضمن فرقة "المظليين..". كانت أول رسالة نصية قصيرة لصحافي ما، قد أقبلت في تمام العاشرة وعشر دقائق ليلا من لدن "BFM TV"، "كان يريد معرفة ما إذا كانت لدي من أخبار عن طريق اتصالاتي بالأمن"، يتذكر "تيبو دو مونبريال" ويضيف "يوم السبت، قررت أن أكون حاضرا في جميع البلاطوهات لعشرات الساعات ومن دون توقف. وفي الغد، أي يوم الأحد، رفضت كل العروض، لأنني كنت في حاجة إلى أن أستريح. طوال الأسبوع شاركت في بعض البرامج من قبيل "ناتاشا بّولوني" على قناة "باريس الأولى"، و "28 دقيقية" على قناة "أرتي"، ثمّة أشياء كان لدينا الوقت للتعبير عنها..". في اليوم ذاته، هذا "جون شارل بريزار" المحقق الخاص الذي اشتهر اسمه بتتبع وكشف ميزانيات تنظيم القاعدة، وُجد ساعة الأحداث بأحد المطاعم وقد وضع هاتفه النقال على تطبيق "هزّاز" أي "فيبرور" يتذكر ويقول: "عند نهايتي من تناول العشاء كان لدي سبعون اتصالا هاتفيا من دون أن أتمكن من الرد عليها.." في الأيام اللاحقة للاعتداءات الإرهابية على باريس شوهد (جون شارل بريزار) على قنوات "فراس 2" و"فرانس 3" و"فرانس5" و"فرانس 24" و"تي إيف 1" و"LC" و"السي إين إين" وهلمّ جرا من القنوات.. في ذلك اليوم نفسه كانت "آن غيدييلي" وهي محللة إعلامية ببهو أحد المقاهي "الجمعة ثالث عشر نونبر لم يسعفني الوقت في أن أرتاد دراجتي النارية حتى رن هاتفي أكثر من مرة"، تحكي هذه المرأة التي غالبا ما تقاسمت أفكارها ووزعت "تحاليلها" عبر "BFM TV" في فرنسا ومجمل دول أوروبا والعالم الناطق بالفرنسية ، وعبر "MSNBC" مع الرأي العام في أمريكا وما وراءها في باقي القارات. *نماذج مختلفة لصورة واحدة إنها صورة واحدة غنية عن كل تعريف لثلاثة أسماء/ نماذج جعلت منها الأحداث الإرهابية للثالث عشر من نونبر صناعا للفرجة التحليلية وعارضين للخبرة في مجال الإرهاب، من دون أن يكونوا مخولين لذلك، اللهم ما أسعفهم من "معارف" أو "مراجع"، استغلها الإعلام ليصبغ على منتوجه نوعا من المهنية المفتقدة والمصداقية المرجوة والغايات المفيدة التي يبحث عنها التواقون إلى المستجد.. وعدا هذه الأسماء الثلاثة،حدث ولا حرج عن العديد من الأسماء في لائحة لا يمكنك حصرها ولا عد من حلّل و أصبح محللا ولمع كخبير في المجال و سنعرض له في اللاحق.. لقد كانت الأحداث الإرهابية الأخيرة للثالث عشر من نونبر الأخير مناسبة تاريخية للحقل الإعلامي الفرنسي الذي وقف على حجم غير مسبوق من التحليلات والمواقف بشأن هذه الضربات، في ارتباطها بما هو سياسي وأمني واجتماعي وعسكري وديبلوماسي، ليس داخل فرنسا وحدها بصفتها مسرح هذه الأحداث وإنما في جل دول أوروبا وباقي دول المعمور، نظرا، أولا ل"انتماء" منفذي العمليات الإرهابية بالمنتظم الأوروبي عبر الجنسيات التي يحملونها وهم من أصول غير أوروبية، وثانيا لارتباطهم ب"محور" باريسبروكسيلسوريا والعراق عبر الحدود التركية حيث الدولة الإسلامية، وكل ذلك في إطار فشل مقاربة أمنية اجتماعية اقتصادية وروحية وعقائدية كان بإمكانها أن "تُلجمهم" وتمنعهم بصفة قبْلية من الارتواء من الفكر الظلامي وبالتالي من الالتحاق ببراثن التطرف والجهادية والارتماء في أحضان داعش. حجم التحليلات الجمة التي انبرت إلى السطح كسيل زلال عبر فعاليات مختلفة وعبر الإعلام المرئي بالخصوص، داخل وخارج فرنسا، دفعتنا (نحن الزميلة لوموند) مؤخرا إلى رصده بالكم والكيف، ثم تصنيفه من حيث القيمة لنتساءل في عنوان عريض عمن يكون أصحاب هذه التحليلات الذين يسمحون لأنفسهم أن يحملوا صفات خبراء مختصين في ظاهرة الإرهاب، وهو السؤال الذي تناسلت منه أسئلة أخرى من قبيل كيف ارتقى هؤلاء، على حين غرة، إلى مصاف الخبرة في هذا الشأن.. وتزامنا مع رصد العديد من الأسماء "الخبيرة" في تحليل ظاهرة الإرهاب"، وهي التي استطاعت (الأسماء) تأثيث المشهد الإعلامي المرئي الفرنسي والدولي في أعقاب أحداث 13 نونبر، تم الكشف عن عدد من بين بعضها تمارس مهنا مختلفة وتحمل صفات متنوعة في سلم المسؤوليات ومراتب مجتمعية مختلفة كذلك ضمن الطبقات الاجتماعية فارتقت في ظرف وجيز خصوصا بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة على باريس. لقد تم الوقوف بالتحديد على المحامي والعسكري المتقاعد والصحافي والأمني والإعلامي المتخصص والمحقّق، الذين تحولوا، بُعيد ضربات 13 نونبر الإرهابية، كلهم إلى خبراء في تحليل ظاهرة الإرهاب، تهافتت عليهم الفضائيات والمحطات التلفزية الوطنية منها والجهوية، الرقمية والإلكترونية بل تم الوقوف على من "انهالت" عليه منهم طلبات الإدلاء ب"خبرته" في أكثر من استوديو وبلاطو ولأكثر من ميكروفون إلى درجة اختلط فيها الأمر على المتلقي واستعصى عليه في ما يمكنه أن يصدق من تحاليل في موضوع الإرهاب وفي من يمكنه أن يصدق وسط هذا الزخم الكبير من الخبراء، أهذا الخبير أو ذاك؟ *طلبات بالجملة وتجارة مربحة في البداية لا بد من ذكر الصحافي "رولاند جاكار" الذي له العديد من المؤلفات في الإرهاب منذ 1970 ويرأس في نفس الوقت المرصد الدولي حول الإرهاب، وهو المرصد الذي لا تعرف كل فرنسا باقي أعضائه المسيرين، اللهم هو فقط. في مطلع فجر الرابع عشر من نونبر ظهر يجيب بصفته الخبير في شؤون الإرهاب عن تساؤلات العديد من الصحافيين الأجانب ليهرول للتو إلى محطته "i-Telé".. لقد ظهر في غضون الأسبوع الموالي على محطة "تي في 5 موند" و"Lcp public" ثم في برنامج "إنه في الهواء". من جهته "شمس أكروف" ضابط الصف السابق في جهاز إدارة الاستخبارات العسكرية أتمم رسالته التلفزية التي كان قد بدأها منذ سنوات في مجال "خبرة" التحليل الإعلامي حول ظاهرة الإرهاب. ولمجرد إنهاء مجزرة مسرح باتاكلان بتدخلات القوات الأمنية كان أكروف قد أرخى العنان للسانه لسبق مباشر عبر الهاتف من سيارة الأجرة التي كانت تقله إلى أحد الاستوديوهات التلفزية. تدخُّلٌ كان قد منحه فرصة الظهور لمرتين في أسبوع واحد ببرنامج "إنه إليكم" وتقاسم فيه شهرة النجومية مع فرانز أوليفيي جييزبير تارة ومع "آلان فينكييركورت" تارة أخرى. إنها "حرفة" مربحة ورائجة في نفس الوقت وسواء تعلق الأمر ب"الخبرة" في مادة الإخبار (الاستعلامات) أو في ظاهرة الإرهاب، فإن الطلب مرتفع. وبسبب ذلك ولأجله فإن الأمر خارج رصد "الهويات" المطلوبة وتحت شرط الاختفاء لا يتوانى البعض في الاعتذار واقتراح أسماء لزملاء لهم مستعدون للخوض في المغامرة بعد الرفع من قيمهم المعرفية إلى درجة الخبرة والخبراء.. الصحافيون في هذا الباب لهم لوائح بالأسماء وأول من يجيب على أول مكالمة يكون هو الفائز بالمشاركة.. * رجال قضاء وعسكريون ومراكز للفكر ومراصد للحقوق عند الطلب غالبا ما يكون الصحافي أو المنشط الإذاعي/التلفزي في قفص الاتهام إلى درجة أن القطاع السمعي البصري برمته يوضع تحت مجهر الفساد المهني، إذ من حيث المحاباة يتم استدعاء "خبير" معين دون غيره، وقد يتم تغيير الاسم في آخر لحظة قبيل بداية برنامج تحليل ما لكون "الخبير المدلل" فاضل بين هذا البرنامج أو ذاك أو تحاشى أن يواجه هذا الاسم أو ذاك. وعلى العموم "فهناك الخبراء الجيدون وآخرون في المستوى المطلوب ونوع ثالث في درجة متدنية" يقول هيرڤي بيرو مدير تحرير BFMTV، ويضيف "من منصبي أركز على النوع الأول وقد يبلغ بي الأمر إلى أن أشطب على اسم خبير ليس بالوجه الأكمل". ويبقى تيبو دو مونبريال أهم الخبراء في شؤون الإرهاب وهو الذي سطع اسمه في مجال الخبرة، ليس بخبرته العسكرية حيث كان ضمن فرقة المظليّين في 1990 وبعدها في فرقة "القناصة" وإنما بسبب قضية ناحية "تْراب" الباريسية في 2013، حيث كانت امرأة منقبة أحدثت أعمال عنف وشغب، وتحت يافطة حقوق الإنسان كان رجال الشرطة الذين أوقفوها قد اتهموا بالمس بهذه الحقوق.. لقد نجح تيبو في الدفاع عن رجال الشرطة المتهمين حيث سل قضيتهم من فم المحاكمة "غير العادلة" كما تسل الشعرة من العجين، لقد كشف في مرافعاته عن تنامي قوة الفكر الإسلامي ونجح في "ارتياد" المنابر الإعلامية المكتوبة والمسموعة، والمرئية بالخصوص، بالإدلاء بأفكاره حول هذا التنامي. وزاد صيته عندما ألف كتاب "إما التحول أو الفوضى" الذي حقق مبيعات تفوق 10 آلاف نسخة في الأيام الأولى من نشره وجعل من الرجل مرجعا في الخبرة الواسعة حول ظاهرة الإرهاب، خصوصا أنه كان محط اشتباه في علاقات واسعة مع أسماء نافذة في جميع المؤسسات، يقول تيبو مفتخرا "علاقاتي الخاصة مع موظفين تتسع إلى كل المستويات، تبتدئ من صغار الشرطة في سيارات التجول إلى كبار المسؤولين في كل مصالح الاستعلامات العسكرية والمدنية، لكني لست ناطقا رسميا لأي جهاز كان، إني أخبر بالسلاح، وأعرف كيف أفكك مسدسا وكيف أفرغه وأشحنه بأعيرة نارية...". مكتبه للمحاماة هو أيضا مقر ل"المركز الفكري للأمن الداخلي" وهو مركز يعتبر تيبو هو عقله المفكر والمدبر والعضو البارز فيه. وللانضمام إلى هذا المركز خصص تيبو كلفة مالية سنوية تصل إلى 600 أورو لكل مؤسسة و250 أورو للأفراد. لقد تخصص إلى حدود اليوم في احتضان وتنظيم بعض الندوات ويقدم رئيسه تيبو نفسه عند كل تدخل تلفزي على أنه متخصص في شؤون الإرهاب. ويشتغل إلى جانب تيبو في هذا المركز عبر "لجنة شرفية" كل من فريديريك غالوا، قائد سابق في الدرك، تحول إلى "خبير" أو "مقاول" في الأمن الخاص، وآلان جوييي مدير فرعي سابق في الاستخبارات بالمديرية العامة للأمن الخارجي، وقد تحول إلى مفكر اقتصادي كما يشغل إلى جانبه مارك تريڤيديك نجم الفترة الراهنة، وهو قاضي التحقيق سابقا، الذي اختص في مكافحة الإرهاب بمحكمة باريس... وقد توطدت العلاقة بين الأخير (مارك تريڤيديك) وتيبو بعد سنة 2000 خلال قضايا مالية في نانتير. وبعدها حينما كان يترافع تيبو لفائدة ضحايا قضية كاشير الإرهابية ليسطع نجمهما في الأفق حينما خرجا بمقال/دراسة في حلقات على صفحات "لوفيغارو" يدعوان فيه إلى إحداث "قانون يمنع الذهاب إلى الجهاد". اسم ثالث وقَّع مع الرجلين هذه الدراسة القانونية الصحافية ويتعلق الأمر بجان شارل بريزار الذي تعرف إلى مارك تريفيديك في المحكمة وسرعان ما تعامل معه في قضية تهم تسريب معلومات من الإدارة العامة للأمن الخارجي. وقد أسس بريزار مركزا لتحليل شؤون الإرهاب بمعية تيبو مونبريال قبل أن يؤسس الأخير مركزه المذكور (مركز التفكير حول الأمن الداخلي). رولاند جاكار قيدوم الصحافيين بدوره يؤثث سوق "الخبراء" المختصين في تحليل شؤون الإرهاب وهو المحلل الصحافي الذي استطاع أن يؤلف في ظرف أربعين سنة عشرين كتابا حول الإرهابي كارلوس وحركته وبالخصوص حول بلادن الذي أصبح بواسطته اسما مألوفا عند جل المحطات التلفزية، في فرنسا وخارجها خصوصا أنه كان التقى مرات عديدة أسامة في لقاءات مباشرة. سوق الخبراء المختصين في شؤون الإرهاب لا تستثني اسم "أن غيديسيلي" المرأة الوحيدة وسط جيش عرمرم من الخبراء والمحللين المختصين في شؤون الإرهاب الذين لم يفلحوا عبر مراجعهم الفكرية ومراكزهم ومراصدهم من أن يفكوا جزءا صغيرا من شفرة الإرهاب المستعصية على أمن فرنسا، فرنسا التي تغوص في تحليلات هؤلاء الخبراء أكثر من غوصها في إيجاد الوصفة الكاملة لمكافحة الإرهاب من جذوره.