لم يصدر أي رد فعل رسمي عن الرباط تجاه أزمة الرهائن التي عاشتها الجزائر منذ طيلة يومي 16 و17 يناير، فقد التزمت الرباط الصمت تجاه أكبر أزمة أمنية تهدد جارتها الشرقية عندما هاجم مسلحون نشأة نفطية في الجنوب الشرقي الجزائري واحتجزوا 41 أجنبيا يعملون بها، ينتمون إلى جنسيات مختلفة كرهائن، قبل أن يتدخل الجيش الجزائري لتنهي الأزمة بمأساة قتل فيها 34 رهينة و15 من خاطفيهم في عملية للجيش الجزائري. موقف الرباط عبرت عنه وكالة المغرب العربي للأنباء (لاماب) من خلال استضافتها لخبراء ومحللين مغاربة للتعليق على الحدث، وناذرا ما تلجأ الوكالة الرسمية إلى الاستعانة بخبراء ومحللين للتعليق على الأحداث خاصة في الوقت الذي تكون فيه تلك الأحداث مازالت تتفاعل، وعندما يتعلق الأمر بأحداث ذات حساسية كبيرة فإن الوكالة الرسمية تتجنبها بكل بساطة. وفي الوقت الذي لم تعلق الوكالة أو تستضيف من يعلق على حرب فرنسا على مالي، خصصت في يوم واحد ثلاثة قصاصات مطولة لباحثين وخبراء استضافتهم للتعليق على حدث اختطاف رهائن في الجزائر، وهو ما قرأ فيه مراقبون "تحليلا" يعكس الخط الرسمي للوكالة التي تقع تحت إشراف مباشر للقصر الملكي بالرباط. فماذا قال هؤلاء المحللون والخبراء عن الأزمة الجزائرية؟ الحسيني: الهجوم رد فعل انتقامي اعتبر محمد تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس أكدال أن الترسانة العسكرية التي راكمتها الجزائر غير مخصصة لمواجهة الإرهاب ولن تساهم في استتباب " الاستقرار المجتمعي " في البلاد. وقال تاج الدين الحسيني٬ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ إن الترسانة العسكرية التي راكمتها الجزائر غير مخصصة لمواجهة الإرهاب بل للجيوش النظامية في معارك الحروب التقليدية مضيفا أن هذه الأسلحة لن تسهم في استتباب "الاستقرار المجتمعي في نهاية المطاف". وأضاف في هذا السياق أن الجزائر تسعى إلى الوصول إلى "سياسة المكانة" وإلى "أسلوب للهيمنة على باقي الجيران الإقليميين " ٬ مشددا على أنه "ليس من شأن زيادة منسوب الأسلحة أو نقصانه على الإطلاق التأثير على وضعية الإرهاب وسلوك الجماعات المتطرفة" في المنطقة. وحول عملية احتجاز رهائن أجانب بإحدى المنشآت البترولية بالجزائر٬ يرى الحسيني أن هذه العملية تدخل ضمن المضاعفات الأساسية والمنتظرة للحرب الجارية في مالي٬ معتبرا أن الأمر يتعلق ب"عملية خطيرة تهدد الشبكة الخاصة بالتنقيب عن البترول والجاليات الأجنبية المقيمة بالجزائر لا سيما أن الخاطفين يعتقدون أن الجزائر تلعب دور الوسيط للقوى الغربية في المنطقة". وأضاف أن هذه العملية هي "أول رد فعل انتقامي" من قبل الجماعات المتطرفة على تورط الجزائر في هذه الحرب. وفي معرض تعليقه على إغلاق الجزائر لحدودها مع مالي ٬ قال الحسيني إن "عملية إغلاق الحدود الشاسعة جدا لا تحمل أية دلالة على المستوى اللوجيستيكي العسكري" لافتا إلى "إمكانية وقوع اختراقات قوية نحو التراب الجزائري بالخصوص نحو المؤسسات البترولية أو من خلال رجوع عناصر القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى إلى التراب الجزائري والانزواء في منطقة تندوف حيث توجد البوليساريو وحيث هنالك تخوف جدي جزائري من استخدام هذه الورقة ضد مصالحها في المستقبل". السليمي: الجزائر مخترقة أمنيا قال رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات٬ منار السليمي٬ يوم الخميس 17 ياير بالرباط٬ إن اختطاف عشرات الرهائن فوق التراب الجزائري وفي منطقة اقتصادية حيوية يظهر أن الجزائر "مخترقة أمنيا" على مستوى حدودها الجنوبية والشرقية. وأوضح السليمي٬ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ أن حادث اختطاف الرهائن في المنشأة النفطية جنوب شرق الجزائر "من طرف مجموعة مسلحة صغيرة باستعمال ثلاث سيارات رباعية الدفع داخل العمق الجزائري بين بالملموس أن الجزائر غير قادرة على مراقبة حدودها وأنها لا تتوفر على نظام للتدبير التوقعي للمخاطر الأمنية". ورأى الخبير في القضايا السياسية والأمنية أن "وقوع هذا الحادث بعد أيام قليلة من بدء التدخل الفرنسي في مالي وفي وقت كان الكل يتوقع إمكانية تنفيذ مجموعات مساندة للمتمردين هجمات انتقامية بالمنطقة٬ أسقط الأساطير الجزائرية التي تدعي بأن سلطاتها الأمنية لها يد على الجماعات الإرهابية وأنها أكثر تشخيصية للمنطقة وأكثر تقييمية للمخاطر الموجودة بها". وفي معرض تعليقه على المنهجية التي اتبعتها السلطات الجزائية في التعامل مع الأزمة٬ أكد أن ادعاء المسؤولين الجزائرين من خلال خرجاتهم الإعلامية أن العناصر التي نفذت العملية تنتمي لجماعة محلية طرح لا يستقيم٬ مذكرا بأنه من المعروف أن هذه الجماعة التي يتزعمها المختار بلمختار تعد أحد الخلايا التابعة ل(تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) والتي تنشط على امتداد الحدود الجزائرية المالية. وفي هذا الصدد٬ قال السليمي إنه في حين أعلن وزير الداخلية الجزائري يوم أمس بأن بلاده لن تتفاوض مع الجماعات الإرهابية٬ فإن الجزائر لم يكن لها في المقابل أي استراتيجية بديلة للتعامل مع المشكل٬ مضيفا أن الجزائر قامت بتنفيذ هجوم عسكري ب"طريقة عشوائية" مما أسفر عن مقتل أغلب الرهائن. وخلص المحلل الأمني إلى أن الطريقة الجزائرية للتدخل من أجل حل أزمة الرهائن٬ التي وصفها بأنها أحد أكبر المخاطر الأمنية التي واجهت العالم في السنوات الأخيرة٬ أبرزت أن "مقدورات الجزائر ضعيفة" في هذا المجال٬ معتبرا الهجوم العسكري الذي نفذه الجيش الجزائري على منشأة الغاز حيث يحتجز الرهائن يعد "واحدة من الخبطات العشوائية الجزائرية في مواجهة المخاطر الأمنية". من جهة أخرى٬ أكد السليمي أن هذا الحادث يثبت صحة المعلومات التي سبق وأن أوردتها التقارير الإعلامية الاسبانية بخصوص اختراق عناصر من تنظيم القاعدة لمخيمات (البوليساريو)٬ مشيرا إلى أن ما يجري انطلاقا من منطقة تندوف وحتى الحدود الجزائرية مع مالي يدل على أن المنطقة "غير مراقبة ومفتوحة أمام الحركات الإرهابية". وفي معرض استشرافه للأبعاد التي يمكن أن يأخذها هذا الحادث واستمرار العملية العسكرية الفرنسية بمالي٬ اعتبر الخبير المغربي أن المنطقة -بلغة المخاطر- مفتوحة على جميع الاحتمالات٬ محذرا من مغبة انتقال هذه المخاطر إلى دول الجوار "لاسيما على خلفية ثبوت عدم نجاعة المقاربة الأمنية الأحادية الجزائرية في التعامل مع المخاطر" التي تعتمل بها منطقة الساحل والصحراء. يذكر أن مجموعة مسلحة كانت قد هاجمت٬ في وقت مبكر من صباح أمس الأربعاء٬ منشأة نفطية بمنطقة تيقنتورين بعين أمناس جنوب- شرق الجزائر٬ واحتجزت أزيد من أربعين رهينة أجنبية. علوي: الجزائر عاجزة عن مراقبة ترابها اعتبر رئيس الجمعية المغربية للذكاء الاقتصادي٬ عبد المالك علوي٬ أنه صار من الواضح ان الجزائر "عاجزة عن لعب دور أمني ريادي بدون تنسيق إقليمي أكثر طموحا٬ لاسيما في علاقتها الثنائية مع المغرب". وقال علوي٬ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ انه بالنظر إلى "الوضعية الصعبة" التي تمر بها٬ "الجزائر اليوم في حاجة لكل التضامن الممكن من جيرانها"حتى تتمكن من "ضمان مراقبة ترابية شاملة" على مناطق شاسعة جدا. وبخصوص احتجاز رهائن الأربعاء من طرف مجموعة إرهابية في منشأة لمعالجة الغاز بجنوب شرق الجزائر٬ اعتبر علوي أن الأمر لا يتعلق ب"عملية مرتجلة بالكامل"٬ بل على الأرجح بعملية تم إعدادها منذ مدة٬ نفذتها٬ حسب السلطات الجزائرية٬ "مجموعات إرهابية تنشط في المنطقة قررت المرور إلى الفعل". وفي رأي هذا المحلل٬ فمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل تمر أولا عبر إحداث "نظام اقتصادي بديل للنظام الاقتصادي الذي يقوم عليه الإرهاب والذي لا زال منتشرا إلى الآن في منطقة الساحل". بعد ذلك٬ يضيف علوي٬ ينبغي القيام "بمشاورات أمنية بين مختلف الأجهزة الاستخباراتية في المنطقة٬ إذ بلا هذه المشاورات وبدون تنسيق بين جميع الهيآت٬ لا يمكن إيجاد حل لهذه الظاهرة". وخلص المحلل الى انه "للأسف٬تم اللجوء الى الحل العسكري" الذي يجب قبل القيام به "التفكير بعمق في طرق مكافحة الإرهاب في إقليم شاسع ويصعب التحكم فيه وحول طريقة إيجاد حل برغماتي لهذا المشكل لمعقد". وبخصوص المعلومات التي تشير إلى فرار قادة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي نحو مخيمات البوليساريو٬ أكد علوي أن أغلب الخبراء في المنطقة يجمعون على أن هذه المخيمات صارت "مرتعا خصبا لتفريخ الجهاديين والمتشددين". وأضاف أن "الروابط المعقدة التي تحبك في منطقة الساحل تسير في اتجاه تأكيد وجود روابط بين أعضاء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأعضاء من البوليساريو". بنحمو: صفحة الإرهاب في الجزائر لم تطو بعد قال محمد بنحمو ٬ مدير المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية يوم الخميس 17 يناير إن احتجاز الرهائن في مجمع الغاز في عين أمناس بجنوب شرق الجزائر٬ يدل على أن الإرهابيين "لا يزالون موجودين ويمكن ان يضربوا كذلك ". وأوضح المحلل السياسي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الهجوم من قبل مجموعة من "المدججين بالسلاح" على محطة نفطية داخل التراب الجزائري هو "دليل على أن الإرهابيين لا يزالون موجودين ويمكن ان يضربوا أيضا". وأضاف بنحمو٬ وهو أيضا أستاذ جامعي٬وباحث في العلوم السياسية وخبير في قضايا الأمن والجماعات الإرهابية في مناطق شمال أفريقيا ومنطقة الساحل أن "المجموعة تدخلت مع مقاتلين موجودين على التراب الجزائري (...)٬ لذلك فظاهرة الجماعة السلفية للدعوة والقتال تم تصديرها في المنطقة مما جعل الارهاب الجزائري يتخذ طابعا إقليميا إذ لم يتم استئصاله". وقال " يبدو أن صفحة الإرهاب في الجزائر التي كنا نعتقد أنها طويت٬ لم تكن كذلك مع الاسف" . واشار الى ان السيناريو الثاني يتمثل في أن "هذه المجموعات قد انتقلت من شمال مالي إلى عين أمناس لارتكاب هجومها على طريق تمتد على عدة مئات من الكيلومترات" حيث تنتشر قواعد للجيش الجزائري٬ وخاصة في منطقة تمنراست . ووضف الباحث المغربي ب"الخطير جدا" تنقل هذه المجموعات بحرية عبر هذا الجزء من التراب الجزائري دون كشف أمرها . وأكد بنحمو أن "المشكل اليوم٬ يكمن في تهديد الأمن الجماعي واستقرار المنطقة بأكملها"٬ معربا عن اسفه "لرغبة بعض الجهات فرض الوصاية على بعض البلدان في المنطقة ٬ وتم الابقاء في النهاية على الوضع ٬ لتعيش المنطقة حالة الترقب ". وقال "لا يمكن مواجهة هذا الوضع المتفجر في منطقة الساحل دون وجود استراتيجيات محكمة (...) التي من شأنها تصفية عدة مشاكل بالمنطقة والنزاعات المزمنة التي تم فرضها لعدة عقود". وأشار في هذا الصدد٬ إلى أن "مخيمات تندوف اليوم تمثل مفترق طرق ونقطة تتقاطع فيها جماعات متطرفة عنيفة وأخرى إجرامية تنشط في المنطقة". واعتبر أن هذه المخيمات تشكل "ملاذا آمنا للمقاتلين من عدة مجموعات إرهابية٬ ونحن في منطقة يبدو أنها تشهد انعدام القانون وتمثل تهديدا حقيقيا" . وخلص إلى أن بقاء هذه المنطقة التي ينعدم فيها القانون يشكل في الوقت الراهن تهديدا إضافيا للأمن والاستقرار في المنطقة".