مشاركة عملية وفعالة للمغرب في القمة العادية ال38 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي    ارتفاع أسعار بيض المائدة في المغرب .. بين تداعيات السوق العالمية وجهود المنتجين لضمان التوازن    المغرب يؤكد على موقفه الثابت والراسخ من عدالة القضية الفلسطينية    رئيس الأنتربول : المغرب سينظم نسخة استثنائية لكأس العالم في كرة القدم    ساكنة إساكن تستغيث: مطالب عاجلة بتأهيل المركز الصحي أزيلا وتحسين الخدمات الطبية    حادثة دهس بين طنجة وتطوان.. مصرع بائعة جبن والسائق يلوذ بالفرار    نهضة بركان تتفوق على الزمامرة    رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي السابق بالرباط يطالب السلطات بمنع حرق علم بلاده في التظاهرات المغربية    الكعبي يعتلي عرش هدافي اليونان    نشرة إنذارية .. ثلوج كثيفة في المغرب    توشيح عبد اللطيف حموشي بوسام الأمير نايف للأمن العربي من الدرجة الأولى    المغرب يعرب أمام قمة الاتحاد الإفريقي عن دعمه لتحول مؤسسي طموح للمنظمة الإفريقية    التجمع الوطني للأحرار بإقليم الجديدة يؤسس إمتداده التنظيمي للأساتذة الجامعيين بجامعة شعيب الدكالي.    روبيو ونتانياهو يهددان ب"فتح أبواب الجحيم" على حماس و"إنهاء المهمة" في إيران    احتجاج بتطوان ضد ترمب استنكارا لمحاولات تهجيره للفلسطينيين من غزة    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من المناطق المغربية    ألمان ينددون بمد اليمين المتطرف    تراجع جديد في أسعار الغازوال في محطات الوقود بالمغرب    حادث جديد لإطلاق النار يسفر عن مقتل شخص في أندرلخت البلجيكية    ثنائية النصيري تهزم "قاسم باشا"    توقيف شخصين متورطين في اختطاف سيدة مسنة وتعريضها للاحتجاز    "مشروع قانون المسطرة الجنائية ورهانات حقوق الانسان " موضوع ندوة وطنية بالقصر الكبير    حملة تضليلية تستهدف الملك محمد السادس    رئيس "الأنتربول" يؤكد ثقته في قدرة المغرب على تنظيم نسخة استثنائية لكأس العالم 2030    الحسيمة.. أحداث لا رياضية في ملعب ميمون العرصي    المضيق تسدل الستار على الدورة الخامسة لسباق 10 كم    العرائش تتألق في البطولة الوطنية المدرسية لكرة السلة بزاكورة وتتوج بلقبين    في إشارة لوزير العدل.. ابن كيران: هناك من يحرض النيابة العامة والرئاسة الأمريكية ضدي!    تعبئة 133 مليون درهم لحماية مدينة تطوان من الفيضانات    سلا تتصدر مقاييس الأمطار بالمغرب    "نفس الله".. رواية جديدة للكاتب والحقوقي عبد السلام بوطيب    لماذا لا تتحدثون عن شعرية النقد الأدبي؟    تعدد الأنظار إلى العالم    إسرائيل تتسلم شحنة قنابل ثقيلة بعد موافقة ترامب    المنتخب المغربي للسيدات يواجه غانا وهايتي وديا    المغرب أفضل وجهة سياحية في العالم لعام 2025    لطيفة العرفاوي تغني لتونس    المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يبرم اتفاقا بشأن الإغلاق المالي لمشروع إنشاء محطة الغاز "الوحدة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تقرير: المغرب يحصل على تصنيف أحمر في مؤشر إنتاج الحبوب    رشيدة داتي وزيرة الثقافة الفرنسية تزور العيون والداخلة والرباط    أكادير.. افتتاح الدورة الثانية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    بين الاحتفال بشعيرة الأضحية وإلغائها بسبب الجفاف.. "برلمان.كوم" يرصد آراء مواطنين مغاربة (فيديو)    مسؤولون وخبراء يجمعون على أن المغرب يسير في اتجاه عصرنة وسائل النقل المستدام    افتتاح الخزانة السينمائية المغربية في الرباط: خطوة هامة نحو حفظ التراث السينمائي الوطني    إعادة انتخاب نزهة بدوان رئيسة للجامعة الملكية المغربية للرياضة للجميع    فتح باب المشاركة في مهرجان الشعر    رفْعُ الشِّعار لا يُخفِّض الأسْعار!    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    حقيقة تصفية الكلاب الضالة بالمغرب    خبير يكشف التأثير الذي يمكن أن يحدثه النوم على التحكم في الوزن    "بوحمرون" يصل الى مليلية المحتلة ويستنفر سلطات المدينة    تفشي داء الكوليرا يقتل أكثر من 117 شخصا في أنغولا    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو آفاق جديدة
نشر في صحراء بريس يوم 21 - 07 - 2012

غالبا ما سعى الإنسان منذ الأزل الى التقدم و التطور ، و هذا المسعى كان يطمح من خلاله إما الى تحقيق غايات مادية موضوعية ، و إما غايات رمزية أخلاقية ذاتية . و كان ما يميز هذا المسعى التاريخي كذلك هو تلك المحفزات و كذا العوائق و التي قد تدفع و تشجع مطمح التقدم ، وقد تعرقل هذا المسعى التاريخي . على أنه يمكن القول أن العوامل الخارجية أعني الموضوعية هي أكبر عوامل منع و كبح الرهان الحضاري للأمم و الشعوب ،هذا الرهان هو ما نسميه اليوم بالمدنية ، مدنية تحدد حضارية أي ثقافية الإنسان .
إن قوة اللحظة التاريخية هي ما يدفعني الى كتابة هذا المقال و الذي قررت أن أعنونه "بنحو آفاق جديدة " ، أعني باللحظة التاريخية مجموع الشروط التي أصبح يعيش تحت تأثيرها المجتمع الصحراوي ، شروط يمتزج فيها التمأسس اللامدني للحياة السياسية و الثقافية ، و شروط هي الأخرى تشكل حافز و دافع للإنسان الصحراوي نحو التقدم . ومن الناحية الذاتية فإنني من الطامحين الى تجاوز "النزعة القبيلة" في الحياة السوسيوسياسية و امتداداتها الثقافية الفكرية ، هذه التمظهرات السوسيوسياسية و الثقافية تشكل تمظهرات ذاتية يتدخل في إنتاجها و السيطرة عليها فاعلين سياسيين و اجتماعيين كأطراف موضوعيين يقفون حجر عثرة أمام كل طموح مدني ينشده المجتمع الصحراوي ، طموح يتحدد في عدة أصعدة اقتصادية و سياسية و حتى أخلاقية.
عندما أتحدث عن رجعية "النزعة القبيلة" فلا أقصد القبيلة كمحدد هوياتي أصيل و ثقافي أي محدد رمزي ، ذلك أنه بلغة عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو فإن الرموز في بعدها الوظيفي تشكل أساس التضامن الأخلاقي و الاجتماعي 1 ، وإنما أقصد الموروث القبلي كما تفهمه و تِؤوله "النزعة القبلية" ، نزعة متحددة في إطار عمل الفاعلين الذين ذكرناهم سلفا ، فاعلين يفقدون أصالة وأخلاقية الموروث الصحراوي بما فيه مؤسسة القبيلة.
إن القبيلة التي يؤسس لها الساسة الصحراويين من داخل مجتمعنا ، تتحدد ضمن الإطار الطبيعي الحسي 2 ، أي ضمن الواقع المعطى و المحدد بشكل أساسي ، واقع يحاول أن يجعلنا أحياء فحسب ، مما يعرقل فهمنا الحقيقي للحرية بما هو وعي بالذات ، وعي يفصلنا نهائيا عن مملكة الطبيعة .
إن التاريخ بما هو فاعلية للإنسان لا يتحدد في إطار الطور الطبيعي ، أي الجبلة الأولى وفي المجتمع الصحراوي ستكون القبيلة ، إذ القبيلة كما يفهمها و يمأسسها الفاعلين السياسيين ، لا تحدد ثقافية الإنسان بما هي فعل تقدمي و حضاري أو المدني بلغة العصر ، كون إنسان "النزعة القبيلة" مجبول على التعصب ، تعصب يحدد الإنسان فقط في المستوى الحسي الذي يشترك فيه مع باقي الكائنات . 3 و التاريخ الحقيقي للإنسان لا يبدأ في المراحل التي يكون فيها الإنسان متحد مع الطبيعة ، عاجز عن التعرف على ذاته ، إذ لابد أن ينفصل الانسان عن الطبيعة بحيث يصبح واعيا بنفسه حتى ولو ظل هذا الوعي معتما للغاية لفترات طويلة من الزمان.و لا يتعرف الإنسان على ذاته إلا عندما يعرف نهائيا متميز عن الطبيعة بالحرية التي تحدد وجوده .
مع تطور المجتمع حدث هناك إنفصال معين ، أي إنفصال العمل الذهني عن العمل اليدوي ، بمعنى أن المجتمع لم يعد فقط محدد من فلاحين بالأساس و بدرجة أقل عمال ، بل ظهرت شريحة جديدة لا تمارس العمل المادي هذه الشريحة هي فئة المثقفين .
و المثقفون حسب التعريف * الغرامشي ينقسمون الى نوعين ، فهناك المثقفين التقليديين مثل المعلمين و رجال الدين و الإداريين ، وهؤلاء جميعا يواصلون العمل نفسه جيلا بعد جيل . و هناك المثقفين العضويين ، و الذي يعتبرهم غرامشي مرتبطون على نحو مباشر بطبقات أو مؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح ، و اكتساب المزيد من القوة و السيطرة ، يقول غرامشي عن المثقف العضوي " إن منظم الأعمال الرأسمالي يخلق الى جانبه التقني الصناعي ، و الاختصاصي في الاقتصاد السياسي ، ومسؤولين لإنشاء ثقافة جديدة أو نظام قانوني جديد ، الى ما هنالك"4
و المثقفين هم المنتجين الرمزيين للتصورات عن العالم الاجتماعي ، أي الذين يطلعون بمسؤولية و إعادة إنتاج المعرفة ، وفي هذه الحالة يتم إدراك طبيعة المثقفين بشكل أفضل تبعا للتصور الغرامشي للمثقفين العضويين ،أي أولئك المسئولون عن إعادة إنتاج المعرفة وفق تصورات الطبقة التي يرتبطون بها . إن المثقف هو المعبر الأيديولوجي للجماعات و الطبقات الاجتماعية المختلفة .
حسب الطرح الغرامشي دائما فإن المثقف التقليدي هو المسؤول عن توالد و إعادة صياغة علاقات الإنتاج القبل الرأسمالية ، مثل إحياء النزعات العنصرية و الإثنية و الإنقاسامات حسب الجنس5. كل هذا يمثل حسب غرامشي إنتاجات رمزية تدخل في إطار *الهيمنة التي يعرفها المجتمع المدني .
إن إستحضار التصور الغرامشي للثقافة أعتبره من الناحية الأكاديمة جد مهم رغم تحفظي الجزئي 6على تصور صاحب كراسات السجن عن المجتمع المدني ، إلا أنني أجد مسعى علمي حقيقي لغرامشي خصوصا في مفهومي العضوية و الإرتباط ، كارتباط المثقف التقليدي بالمفاهيم الماقبل رأسمالية هذا الطرح نجده في مثقفي "النزعة القبيلة" و كنت قد أشرت الى هذا في مقالي السابق (الصحراء و سؤال الحاضر) ، على أنه يمكن بل من الضروري التأسيس لأرضية تكون بمثابة أفق جديد ، أرضية مبنية على التزام أخلاقي ، التزام عضوي قصد الكشف عن الحقيقة الاجتماعية التاريخية ، والتزام من أجل ترسيخ فكر نقدي و من أجل إبراز قيم عقلانية على مستوى التفكير و الوعي ، وهذا يستلزم تحرير النفس من الأوهام المترسبة في اللاشعور الجماعي.
إن مسألة الالتزام و التقدم العلمي ترتبط كذلك بمدى حرية الفكر 6 و هذه الفكرة ألح عليها كارل بوبر ، ذلك أن الحقيقة الموضوعية لا تتأتى إلا إذا كان الباحث بالإضافة إلى التزامه الأخلاقي و العضوي بخط الجماهير ، كذلك عليه أن يكون غير مقيد بآراء غير قابلة للنقاش ، وهذا من بين الآفاق الممكنة التي يجب أن تؤطر الفعل الثقافي الصحراوي ، إلا أن هذا النضال من أجل التأسيس لهذا الأفق لن يكون فرديا ونظريا معزولا ، بل يتعين أن يكون ضمن قوى التقدم الحاملة لمشروع مجتمعي جديد لإنارة ممارساتها و ترشيد رؤاها.
الهوامش :
1_ بيير بورديو ، الرمز و السلطة ، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي ، دار النشر : دار تبقال للنشر ، الدار البيضاء ، الطبعة الثالثة 2007 ص 48
2_ سلسلة دفاتر فلسفية ، عدد (الطبيعة و الثقافة ) ، إعداد وتر جمة محمد سبيلا و عبد السلام بنعبد العالي ، دار تبقال للنشر الدار البيضاء ، الطبعة الاولى 1991 ، ص 22
3_ هيجل ، العقل في التاريخ ، ترجمة و تقديم إمام عبد الفتاح إمام ، دار التنوير للطباعة و النشر و التوزيع ، بيروت الطبعة الثالثة ، 2007 ، ص41
4_ إدوارد سعيد ، صور المثقف ، نقله الى العربية غسان غصن ، دار النهار للنشر ، بيروت ، 1994 ص 22
*أنطونيو غرامشي : ماركسي إيطالي مناضل و فيلسوف سياسي لامع سجنه موسوليني بين عامي 1926 و 1937 له مؤلف شهير سماه بدفاتر السجن .
5_ ندوة بعنوان (غرامشي وقضايا المجتمع المدني) ، قام بتنشيطها عدة مفكرين عرب ، دار كنعان للنشر ، دمشق الطبعة الاولى 1991 ، ص 322
*الهيمنة: أبرز غرامشي خصوصية مفهوم الهيمنة ، وهي الجهاز الايديولوجي الذي يربطه المفكر الايطالي بالمجتمع المدني ، و الهيمنة تمثل البنية الفوقية . في المقابل يحدد غرامشي بناء فوقي آخر قائم على الإكراه المادي و يسميه المجتمع السياسي.
6_ ان التحفظ الذي اعنيه هو نظرة غرامشي الرافضة تماما للمجتمع المدني ، ذلك ان هذا المجتمع رغم طابع الهيمنة الذي يعرفه، إلا أنه شكل نقلة حقيقية خاصة في الحداثة السياسية ، هذا الامر ابرزه هيغل في كتابه أصول فلسفة الحق . و تتحدد كذلك اهمية الحداثة الغريبة في طابعها القانوني أو المدني ، و هذا الطرح جد مهم تحدث عنه عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر في كتابه (الاخلاق البروتيستانتية و روح الرأسمالية)
7_ عبد الله العروي ، (ثقافتنا في ضوء التاريخ) ، الطبعة السادسة 2002، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء ، ص 23


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.