بقلم : أوس رشيد [email protected] قيل إنه وحش ضخم ووصف بأنه " حيوان بشع للغاية ، له رأس حيوان من الثديات وأذنان كبيرتان وأنياب طويلة معقوفة ولونه أزرق ضارب إلى الرمادي، ولا يكسوه الشعر أو الفرو يمشي على أربعة أقدام " و بسرعة فائقة..... " . و هذا ليس وحشا أو جنيا كما إعتبره الآخرون، كان يقطع طريق الرعاة في الصحراء، وأشيع أيضا أن خليجيين ( قطريين ) مدمنين على هواية الصيد بالمنطقة، كانوا وراء قتله رميا بالرصاص ، وأن الجنرال حسني بنسليمان نقله في ثلاجة على مثن مروحية من كلميم إلى القنيطرة، وبين الإشاعة والحقيقة يظل الشريط ، الذي تناقله العديد من الفايسبوكيين محط عدة استفهامات. كما لو كان كذبة أبريل و نحن في شهر يناير، يظهر الفيديو في البداية شبح لا يٌتبين ماهيته وهو يركض في الصحراء، ويرجح أن سيارة ذات الدفع الرباعي ، تظهر من خلال واقية الزجاج الأمامية وهي تطارده، ملتقطة أثره بعدسة الكاميرا ضعيفة الجودة.. يتراءى من بعيد كظل أو سراب يتحرك بسرعة،و يركض مثل إنسان ثم سرعان ما يسمع صوت خليجيين وهم يكشفون عن أنيابه.. "يا سبحان الله.. شوف رأسه مثل الضبع، ويديه..لم يسبق لنا أن رأينا مثل هذا المخلوق.." ويضيف نفس المتحدث الخليجي أنهم أنقذوا أحد الرعاة، الذي كان مطاردا من طرف هذا المخلوق الغريب وماشيته، من موت محقق! انتقل الخبر من الفم إلى الأذن في أسا و كلميم وطانطان ، وساد الرعب، لكن الآلة الإستخباراتية ، والمقصود هنا الشيخ والباشا والمقدم وصولا إلى عامل إقليم أسا الذي حمل الشريط في هاتفه النقال، تكفلت بإخراس الإشاعة، لإمتصاص الهلع الذي انتشر كالنار في الهشيم في بعض الدواوير بكلميم و أسا – الزاك و حتى فم الحصن و أقا ، لا سيما بعد أن بُث الشريط، الذي يصور المخلوق الغريب على المواقع الاجتماعية: اليوتوب، الفايس بوك، والتويتر. وما زاد من إشعال فتيل الخوف، انتشار أنباء سابقة عن اختفاء بعض الرعاة، وترجيح البعض لكفة أن يكون هذا المخلوق الغريب وراء غيابهم المفاجئ. هل نحن أمام قصة خرافية مثل أسطورة " البغلة السرسارة " من صنع الخيال و السياسة؟ أهي صور تركيبية لعب فيها الصوت والصورة لعبة خادعة ؟ أم نحن أمام وقائع وأحداث لا علاقة لها بالصحراء التي انقرضت اغلب ثروتها الوحيشية بفعل الفاعلين؟ مصادر من أسا أكدت أن الأمر لا يتعلق بمزحة ولا كذبة، وأن المخلوق الغريب ظهر فعلا، وأن الذين كانوا وراء اكتشافه وقتله، هم خليجيون كانوا يستمتعون بهواية الصيد في الأماكن المعزولة والمخصصة لاحتضان كل أنواع الاصطياد الراقية. وتؤكد نفس المصادر أنه تم إخبار القيادة العليا للدرك لملكي بالحادث، وأن مروحية أقلت على وجه السرعة الكائن الغريب، وأن ثلاجة ضخمة استعملت لحمله وحفظه، إلى أن تم نقله إلى الرباط! وبين الروايتين الملغومتين على حد سواء، على اعتبار أن لا دخان من دون نار، تظل حكاية الوحش الغريبة تفاصيلها، والمتناقضة أطرافها، حديث الساعة بالمنطقة! أن الحديث عن الأسطورة والخرافة في المجتمع الحساني يحتم علينا إعطاء تعريف لهدين المصطلحين حيت يجتمع اللغويين رغم اختلاف التعاريف على أن الأسطورة هي القصة أو الحكاية التي تضم مزيج من حكايات الخيال والتقاليد الشعبية . بينما العلماء الغربيين يعتبرون على أن الأسطورة دين بدائي قديم . أما الخرافة ففي التعريف العربي يقصد بها فساد العقل من الكبر، ويورد ابن منظور أن الخرافة حديت الليل وبالتحديد ما يكذبونه من الاحاديت وعلى ما يستملح ويتعجب منه. والأكيد على أن الأسطورة انتشرت مند القدم عند اليونانيين وفي الشرق الأدنى القديم وعند العرب قبل الإسلام وفي كل المجتمعات القديمة ، وان المجتمع الحساني استثناءا فقد انتشرت فيه مجموعة من الاعتقادات التي يمكن إرجاعها إلى ما قبل إسلامية حيت يعتقدون بأن الأولياء أشخاص غير عاديين يعالجون بعض الأمراض ويقوم الناس بزيارة هده القبور التماسا للبركة ودفع الشر والمرض ويشترط أن تقدم "الاضحيات " ويراق دماؤها جنب الضريح وتسمى العملية محليا الزيارة كما يمنع الحطب في رحاب هده المزارات أو اقتناص الحيوانات وقنص الطيور القريبة منها أو أخد الأواني التي توضح بجانبها ومن فعل يصيبه الادى يتجسد غالبا في شلل بعض الأعضاء . ومن بين هده المعتقدات التي توازي صلاة الاستسقاء ما يسمى "تغنجا" وهي عبارة عن قطعة خشب أو مغرفة خاصة بتوزيع المرق في الطعام وتسمى محليا "مرغاية التسكية" تقوم النسوة بإلباسها بعض الثياب ، تم يطوف بها رفقة الأطفال بين الناس لجمع التبرعات وطلب المطر على انه يتم تبليل تغنجا بالماء من حين لأخر .مع ترديد بعض الابتهالات : تغنجا يا الله يا الله *** أتجيب السحاب بلا كلا يا ذاك النو الزاير *** يا الله ترفد العزايز يا ذاك النو ليجبى *** يا الله لا خلى عزباء يا ذاك النو ليجري *** يا الله لا خلى عزري تغنجا شكت لمراح *** يا ربي أتسيل لبطاح تغنجا ألا عودان *** يا ربي أتسيل وديان تغنجا حلت رأسها *** يا ربي أتبل أخراسها
كما تنتشر في منطقة واد نون أسطورة الغول ونذكر مثلا أسطورة" كويرة الغولة" في منطقة تيغمرت المجاورة لمدينة كلميم ، حيت هناك تل صغير يسمى كويرة الغولة وتحكي الأسطورة أن احد أبناء القرية النشيط كان يحصد في حقله وبينما هو منحني على السنابل اذا بامرأة فاتنة، تقف أمامه .فسألته ان كان يرغب في مساعدتها إياه فوافق ، ولما حان الزوال تركها تحصد وذهب الى بيته ليأتي بالغداء فلما عاد وجدها قد حصدت كل الحقل هو ما لم يكن باستطاعته فعله في اقل من شهر. فأعجب بها وتزوج بها واسكنها معه في القرية ، ومنذ الليلة الأولى لمبيتها هناك أصبح أهل القرية يفتقدون كل يوم بعض أغنامهم وأبقارهم دون وجود اثر لها ، وفي إحدى الليالي بعد أن تناول الرجل العشاء مع زوجته طلبت منه عود قش لتنظيف وتخليل أسنانها فاتاها بعود صغير فثارت في وجهه ، وطلبت أن يناولها " مصعاد" وهو عود غليظ فاكتشف الرجل أخيرا انها ليست امرأة عادية ، وأنها غولة فكتم الأمر حتى ابلغ به رجال القبيلة الدين تأكدوا أنها هي التي كانت تسرق مواشيهم لتأكلها ، فقرروا قتلها تم جمعوا الحطب على أحد التلال وقيدوها فرموها تحت الحطب واحرقوها وحين عودتهم حمل الرجل زوجها ابنه منها على رقبته فقال له : الطفل يا أبي إن مذاق اذنك لذيذ فخشى أن يكون الطفل غولا كأمه فرمى به أرضا فمات .ومن يومها سمي كويرة الغولة .انتهت الأسطورة. ويبقى الوحش و الغول الذي تعاني منه المنطقة، هو سياسة المخزن الاقصائية التي تتحدى التاريخ و الجغرافيا.