في وسائل الإعلام الإسبانية والفرنسية، هناك اليوم نقاش جدي حول تكاليف لقاح أنفلونزا الخنازير الذي أنفقت من أجل توفيره وزارتا الصحة بالبلدين ميزانيات ضخمة، قبل أن تكتشفا أن المرض الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية كوباء لم يكن، في نهاية المطاف، سوى أنفلونزا أقل خطورة من الأنفلونزا العادية. هناك اليوم سؤال كبير مطروح حول النوايا المبيتة لشركات إنتاج لقاح أنفلونزا الخنازير، وحول منظمة الصحة العالمية التي سايرت المختبرات العالمية وأعلنت أنفلونزا الخنازير كوباء يهدد البشرية بالفناء، وفرضت على وزارات الصحة بجميع الدول الالتزام بخطة ترهيبية في وسائل الإعلام العمومية زرعت الرعب في قلوب المواطنين من أجل هدف واحد، الإقبال على التلقيح وإفراغ مخازن الأدوية بالمستشفيات العمومية. المشكلة أن قلة قليلة من المواطنين في كل دول العالم التي اشترت اللقاح تحمست لمد أذرعها إلى الممرضين من أجل تجريب اللقاح الجديد فيها. وهكذا وجدت الكثير من دول العالم نفسها أمام احتياطي كبير من اللقاحات غير المستعملة التي تفسد على مهل في مخازنها، والأخطر من ذلك أن هذه الوزارات وجدت نفسها مجبرة على اقتناء الكميات المتبقية التي تعاقدت بشأنها مع المختبرات ودفع أثمنتها الباهظة. هذه المختبرات الجشعة التي استمرت في إنتاج اللقاحات حتى وهي ترى أن المواطنين لا يريدون تجريبها عليهم وأن شبح الأنفلونزا، الذي برروا به في البدء ضخامة العقود التي أبرموها مع الحكومات الخائفة من تحقق نبوءة منظمة الصحة العالمية، لم يكن سوى ذريعة لرفع أسهم المختبرات العالمية في البوصات وإنعاش البنوك بعد الأزمة المالية الخانقة التي ضربتها. في المغرب، لا أحد سأل وزيرة الصحة عما صنعته بكل تلك الملايين من الحقن التي اشترتها من فرنسا. كل ما نعرفه هو أن وزارة الصحة رفضت أن تشتري الكمية المتبقية من حقن أنفلونزا الخنازير، وطلبت مكانها نفس الكمية من الحقن المضادة للأنفلونزا العادية. ولعل الدرس الوحيد الذي يمكن استنتاجه من مسرحية أنفلونزا الخنازير هو أن البشرية جمعاء اكتشفت فجأة أن مصيرها يوجد بين أيدي موظفين في البورصات العالمية، يبتزون الحكومات والدول نزولا عند رغبة المختبرات العالمية وشركات الأدوية وبمباركة من منظمة الصحة العالمية التي تحترم جميع الدول قراراتها أكثر مما تحترم قرارات مجلس الأمن. عندما كانت تحذيرات منظمة الصحة العالمية تتسارع ورؤساؤها يتناوبون على مايكروفونات الندوات الصحافية، كان أطباء وباحثون وأساتذة جامعيون وصحافيون مستقلون يحذرون في الأنترنيت من خطورة الاستسلام لهذيان موظفي منظمة الصحة العالمية. لقد كانوا جميعهم يبذلون قصارى جهدهم لكي يشرحوا للرأي العالمي أن هذا الوباء ليس سوى خطة رأسمالية مدروسة لابتزاز الحكومات وجمع أكبر قدر من العملة الصعبة ورفع أسهم شركات صناعة الدواء التي تصل نسبة عائدات أرباحها إلى عشرين في المائة، وهي النسبة التي لا تستطيع أي صناعة أخرى غير الصناعة الدوائية تحقيقها، عدا شركات صناعة الأسلحة والشركات البترولية. لكن الحكومات وجدت نفسها أمام خيارين، إما أن تصم آذانها عن سماع تحذيرات منظمة الصحة العالمية وتتعامل مع الوباء كمرض موسمي عادي، وفي حالة ثبوت صحة تحذيرات المنظمة تتحمل الحكومات مسؤوليتها أمام النتائج الكارثية للداء. وإما أن تحمل التحذيرات على محمل الجد وتوقع عقودا، تحت الضغط، مع المختبرات الرأسمالية يعرضها الإخلال ببنودها لعقوبات أمام المحاكم الدولية. وطبعا، اختارت جل الحكومات الحل الثاني تجنبا للغضب الشعبي في حالة انتشار الوباء وقتله للمواطنين. والحكومات التي وقعت في مصيدة منظمة الصحة العالمية وشركات صناعة الدواء معذورة، فقد كان الضغط عليها شديدا، بحيث فضلت أن تلجأ إلى مبدأ الوقاية تحسبا للأسوأ. اللائمة هنا يجب أن تلقى على منظمة الصحة العالمية التي أعطت الشرعية لوباء الخوف الذي نشرته هذه المختبرات عبر اختصاصييها وأطبائها ووسائل الإعلام التي توجد تحت إمرتها، بحيث حولوا فيروسا عاديا إلى بعبع مدمر ظل لستة أشهر يقض مضاجع البشرية. اليوم عندما نرى كيف أن التحذيرات من خطورة أنفلونزا الخنازير كانت مبالغا فيها، والخطة الإعلامية للتمويه والإخافة من عواقب المرض كانت منظمة، والعقود التي أبرمتها المختبرات مع الحكومات لبيعها اللقاحات كانت بنودها مدروسة بشكل دقيق، من حقنا أن نشك في أن الفيروس ليس سوى صنيعة من صنائع هذه المختبرات نفسها، وأن العملية كلها تجارية من أساسها تستجيب لمبدأ اقتصادي بسيط يقوم على تحقيق أرباح عن طريق خلق السوق والسلعة والمشتري في آن واحد. ومن حقنا أيضا أن نشك في مصدر كل هذه الأمراض التي تحير البشرية منذ سنوات طويلة. كمرض فقدان المناعة مثلا، والذي تبيع المختبرات العالمية أدويته للحكومات بأثمان تفضيلية لكي تتكفل هذه الأخيرة بتوزيعه على المرضى مجانا، علما بأن هناك الكثير من الأمراض المزمنة التي تقتل سنويا أضعاف ما تقتله السيدا، ومع ذلك لا تحظى أدوية هؤلاء المرضى بأي تكفل أو أي حملة «تيليطون» كما هول الحال مع مرض فقدان المناعة. أخطر من ذلك، هناك اليوم حملة قضائية تشنها المختبرات المصنعة لأدوية نقص المناعة المكتسبة ضد جنوب إفريقيا بسبب سماحها لشركات أدوية محلية بقرصنة أدوية فقدان المناعة وبيعها بأثمان بخسة. فهذه الشركات تريد منع جنوب إفريقيا والطايلاند والبرازيل من إنتاج أدوية «جنريك» لأدويتها الأصلية حتى تتمكن من بيع أدويتها لهذه الدول بأثمان باهظة. وإذا عرفنا أن منظمة الصحة العالمية تحتكر بيع الحكومات أدوية بعض الأمراض والأوبئة المنتشرة على نطاق واسع في العالم، فهمنا أن الأمر يتعلق بشركة مجهولة الاسم وليس بمنظمة للصحة. إذن، هناك أمراض وفيروسات تتم صناعتها في المختبرات، قبل إطلاقها في الطبيعة وانتظار ظهور أولى الضحايا من أجل الإعلان عن ولادة مرض جديد يجب أن تخصص الميزانيات الضخمة للأبحاث الطبية بشأنه، بعدها تبدأ عجلة مصانع الأدوية في الدوران وتبدأ الماكينة التجارية الضخمة في تشحيم مفاصلها وتبدأ أسهم شركات الأدوية في الصعود على سبورة البورصات العالمية. مخطئ من يعتقد أن شركات الأدوية والمختبرات الطبية تشتغل بالأحاسيس. فهؤلاء الناس يهمهم شيء واحد فقط هو الربح، حتى ولو كان ذلك سيكلفهم إفناء نصف البشرية. ولعل أبرز مثال على هذا الحس التجاري للمختبرات وشركات صناعة الأدوية هو تراجع أحد المختبرات عن مواصلة أبحاثه حول صناعة دواء لمحاربة أحد الأمراض الجلدية المنتشرة في إفريقيا بسبب عدم قدرة حكومات هذه الدول الفقيرة على اقتناء الدواء، وتحويل الأبحاث باتجاه اكتشاف دواء لنفس المرض الجلدي عند الكلاب في الدول الأوربية، فالقدرة الشرائية للأوربيين تشجع المختبرات على البحث العلمي من أجل الوصول إلى أدوية لعلاج أمراض حيواناتهم الأليفة، أما الإفريقي الأسود والفقير الذي تأكل جلده الأمراض فليس أمامه سوى أن يعول على ساحر القبيلة لكي يصنع له تميمة تقيه الأمراض والعلل. ولعل السؤال الأخطر الذي يتبادر إلى الذهن ونحن نرى كيف أن أنفلونزا الخنازير لم تكن سوى مسرحية بإخراج جيد، هو ماذا كان سيكون مصير البشرية لو أنها صدقت الكذبة ولقحت نفسها بكثافة. هل صحيح أن هذا اللقاح يحتوي على مكونات مضرة بالجسم تساهم في إضعاف المناعة وجعله محتاجا كل سنة للقاح المختبرات نفسها من أجل مقاومة الأمراض، خصوصا وأن بعض من تلقحوا به ماتوا بسبب ذلك؟ غير بعيد أن الهدف الحقيقي من التلقيح الجماعي الذي دعت إليه منظمة الصحة العالمية، خصوصا بالنسبة إلى الأطفال، هو حقن مئات الملايين من الأطفال بلقاح يحتوي على مادة تسمى «سكوالين» squaléne معروفة عنها قدرتُها الكبيرة على إضعاف جهاز المناعة في الجسم. وهذه المادة كانت متوفرة في اللقاحات التي تلقاها الجنود الأمريكيون ضد «الأونطراكس» في حرب الخليج الأولى، والتي بسببها ظهر مرض اسمه «أعراض حرب الخليج»، وهو المرض الذي أصاب المئات من الجنود الأمريكيين وتسبب لهم في الدوار وحالات مزمنة من الصداع وفقدان التوازن. إن حقن مئات الملايين من الأطفال بحقن أنفلونزا الخنازير المحتوية على هذه المادة كان من شأنه أن يوفر لشركات صناعة الأدوية، وخصوصا مالكي حقوق اللقاحات، مرضى مستقبليين يعدون بالملايين، بمعنى أنهم يخلقون سوقا مستقبلية لترويج أدويتهم وحقنهم المضادة للأمراض التي سهروا على تصميمها وصناعتها داخل مختبراتهم المغلقة. إنها صناعة الفيروسات التي تدر على أصحابها ثروات خيالية يستطيعون بها شراء صمت الحكام وولائهم. ألم تساهم شركات صناعة الأدوية في تمويل الحملة الانتخابية الأمريكية للمرشح الجمهوري بمبلغ تجاوز عشرين مليون دولار. يقولون إن المال لا رائحة له. مع هذه الفضيحة التي انفجرت بسبب أنفلونزا الخنازير اتضح أن أرباب الشركات العالمية لصنع الأدوية والمختبرات لا أخلاق لهم. وربما حان الوقت لكي تتوقف كل هذه الحكومات عن النحيب وتفكر في رفع دعوى قضائية جماعية أمام محكمة العدل الدولية ضد هؤلاء اللصوص بتهمة النصب والاحتيال.