عربات مدفوعة مليئة بأصناف مختلفة من السلع ،أواني بلاستيكية وجوارب ومرايا صغيرة وبطاريات ،وبجوارها عربات أخرى محملة بالتفاح والبرتقال وغيرها من المعروضات الأخرى التي تعودنا رؤيتها أمام مداخل الكثير من مساجدنا ،وقد اتخذ الباعة منها سوقاً يتملصون فيها من رقابة المخزن ،ويتصيدون فيها المصلين عقب فراغهم من كل صلاة ،لم تسلم مساجدنا الجميلة الواقعة في قلب المدن من هذه الظاهرة بل حتى بالعاصمة،وهي تمتلئ عن آخرها بالمصلين وخاصة عند صلاتي الظهر والعصر وبالأخص إن تصادف وجودها بالقرب من أحد الأسواق ،التي ينصرف الناس منها إلى دورهم عقب صلاة العصر وقبل الغروب . من بين هؤلاء كانت هناك نغمة كادت أن تكون مألوفة ومميزة لأحدهم وهو ينادي جالسا ،يفترش الأرض وأمامه مجموعة من القوارير والأكياس المحشوة بأعشاب لا أحد يدرى ماهيتها ولا الحاجة إليها..كنا نحسبه أحد العشّابين الذين تمتلئ بهم مدننا وحوارينا، يعالجون كل شيء ،لا يأبه كثير من الناس لما يقول إلا قلةً منهم ضاقت بهم السبل ،وأنهكتهم الحياة بمطالبها ،فهؤلاء قد يبحثون عن دواء بديل، في أعشاب تحفّ بها المخاطر ،دافعهم إليها رخاء أسعارها، يستخدمونها علّها تُسهم في معالجة ما بهم من داءٍ عزّ طلب علاجه في المستشفيات والمصحّات التي أضحى همّها الأول هو ابتزاز المرضى واستنزاف جيوبهم دون رحمة،أمام مرأى ومسمع عيون الدولة التي لا تقدر على درء المفسدة وحماية مواطنيها.. ينادي صاحبنا بصوت عال يملأ جنبات المكان، والناس يتحولقون حوله،وأعدادهم تزيد باضطراد،وكلما زاد عددهم زاد صاحبنا من حدة صوته ، وتفنّن في إظهار بلاغته وقدراته التواصلية وكفاياته في الإقناع ،الذي يُفضي إلى كثرة المُقبلين على منتوجه السحري.. " تعالوا تعالوا ..لكل من له مشكلة ،حلّها عندي وبالثمن الذي يريد،غدا ستأتونني وتشكرونني ،مطالبين بالمزيد ،ولكن احذروا فالكمية محدودة جدا،فسارعوا إلى اقتناء ما يكفي..ومن لم يسعفه الحياء في طلب حاجته أمام الناس، ،فليسجل رقم هاتفي ليتصل بي ، لألبي طلبه في الحال وفي المكان الذي يريد.." وعندما تقترب أكثر تسمع عجباً ،وهو يتحدث عن أسباب "البرود الجنسي" ،هو يعدّد أسبابه في زماننا هذا ،وكأنه من أكبر الخبراء أو المختصين في هذا المجال..وها هو الآن قد جاءنا مشكوراً بالحل وهو يصف فعالية ما عنده من علاج سحري للعجز الجنسي، وهو يتحدث بطريقة فيها الكثير من قلّة الحياء عن حال من اشتروا منه الدواء السحري قبل وبعد الاستخدام ،وقد تغيرت أحوالهم إلى الأفضل طبعاً حسب زعمه ،وهم دائما يهاتفونه شاكرين وممتنين ،ويتحدى بشكل سافر كل من يطعن في جدوى علاجه... يغيب يوماً أو يومين، ثم يأتي زاعماً بأن له بعض الزبائن يحتاجونه في منازلهم ، يعود ثانيةً و ثالثة وهو أشد صياحاً ،ولفيف من الناس حوله، يدفعون له ويأخذون حصتهم بلا حياء ،وهو يعدهم ويُمنّيهم بحياة زوجية مفعمة بالفحولة والبطولات السريرية !!. ما رأيكم..أليس هذا ما نعيشه كل يوم ،وعند انتهاء كل صلاة أمام مساجدنا وفي أسواقنا وشوارعنا التي احتُلّت عُنوة من طرف كل أصناف الباعة والدجالين من أمثال صاحبنا هذا؟؟ أليست الدولة بطواقمها الرقابية مسؤولة عن حماية الناس من دجل الدجالين،وسموم المشعوذين،بل وحماية مسامع الناس من بذاءة كلامهم وقلة حيائهم ؟؟أليس من مسؤولية الدولة حماية سمعة البلاد التي يلوثها أمثال هؤلاء أمام جحافل السيّاح والزوار الذين يوثقون كل ذلك بكاميراتهم صوتا وصورة،ويرسمون من خلالها عالما خرافيا عن بلادنا وأهلها ،عالم لا يختلف عن عوالم "ألف ليلة وليلة" التي قدمت العرب إلى العالم على أنهم كائنات شهوانية حيوانية ، لا شغل لها سوى الجنس والمأكل و البذخ والطرب..ثم أخيرا أليس تقاعس الدولة عن واجبها في التوعية والتأطير الصحي والجنسي للمواطنين سببا من أسباب انجرار الناس إلى هؤلاء ؟ أليس ارتفاع أثمنة الأدوية التي أضحت مجالا للسمسرة و المزايدة بين تماسيح هذا الوطن سببا آخر في لجوء الناس البسطاء إلى بديل موهوم وسهل المنال ؟؟ كل ذلك من تبعات الدولة التي تتملص يوما بعد يوم من مسؤولياتها اتجاه مواطنيها الأبرياء،لكن المؤسف أيضا ،هو إصرار مسؤوليها دائما على أن الأمور تسير من حسن إلى أحسن،في تجاهل تام للواقع الذي يراه الجميع ماثلا أمامنا دون خجل..هكذا قالوا قبل الوزارة وهكذا يقولون بعدها،لقد استساغوا الكذب وألِفوه ،فما عاد يعنيهم أصدقهم الناس أم لا ،لأن مصالح الناس ،أصبحت من أواخر اهتمامه.. فهل من مستحيِ؟؟؟ حقيقة صدق من قال" إن لم تستحيي فافعل ما شئت" ،فلا واللهِ ما في العيش خيرٌ ولا في الدنيا إذا ذهب الحياء.. ختاما، نقول مع أمير الشعراء"احمد شوقي" إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ***** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا