* حاصل على دبلوم ماستر الدبلوماسية المغربية لقد حظيت قضية حماية الصحفيين العاملين في مناطق النزاع المسلح باهتمام دولي، حيث كشفت أحداث الحرب الأمريكية على العراق سنة 2003 مرورا بالعديد من الحروب وصولا بما يقع في الوطن العربي من الحراك رغم اختلافنا مع ما يقع في العديد من هذه الدول من أحداث تركت العديد من الماسي التي لحقت بالصحفيين ورجال الإعلام ، فسقط المئات منهم بين قتيل و جريح و تم اعتقال العديد منهم في تحول ينبئ عن تعمد الأطراف المتحاربة استهداف هذه الفئة . إن الأسباب الحقيقية وراء الاعتداء على الصحفيين تكاد تكون معروفة ، ولعل الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة يعد أحد أهم الأسباب التي تدفع الأطراف المتحاربة الى محاولة السيطرة على ما يتم تقديمه من طرف المراسلين من أنباء عن الانتهاكات القانون الدولي الإنساني. إلا أنه و مع التقدم الرهيب في وسائل الاتصال و انعكاسه على وسائل الإعلام و التي أصبحت تستخدم أحدث ما وصل إليه العلم في عمليات البث و النقل ، بما يعد باستطاعة الأطراف المتحاربة السيطرة أو الهيمنة على هذه الوسائل مما جعل حوادث الاعتداء على الصحفيين و رجال الإعلام المستقلين في ازدياد ، و الحقيقة أنه لم يعد من المقبول أن يتم تقييد حرية الإعلام أو الاعتداء المتعمد على الصحفيين و معداتهم الذين يحاولون نقل الفظائع التي تحدث في الحرب . كما أن أنظمة حماية الصحفيين تختلف باختلاف الوضعية التي يكون عليها الصحفي، فهناك الصحفيون المعتمدون الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا جزءا منها، و الذي نصت عليهم اتفاقيات القانون الدولي الإنساني بدءا من اتفاقيتي لاهاي لسنة 1899 و1907 و اتفاقية جنيف لأسرى الحرب لسنة1929 وصولا إلى اتفاقية جنيف الأولى و الثانية و الثالثة لسنة1949 ، و هناك الصحفيين غير المعتمدين الذين يباشرون مهاما في مناطق خطرة و الذي نص عليهم البروتوكول الإضافي الأول لسنة1977 في المادة (79) و التي أبقت الحقوق التي قررتها اتفاقيات القانون الدولي الإنساني للمراسل المعتمد الذي يرافق القوات المسلحة دون أن يكون جزءا منها، و يبقى أنه لا يمكن فصل الصحفيين باعتبارهم أشخاصا مدنيين عن الأجهزة و الأماكن التي يستعملونها و يدخل في هذا المجال وسائل الإعلام بمختلف أنواعها مثل مرافق محطات الإذاعة و التلفزيون، حيث نص القانون الدولي على حمايتها باعتبارها أعيان مدنية . كما كشفت الحوادث الاعتداء على الصحفيين في الحروب التي وقعت إلى ضعف الحماية الدولية للصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات و أن على الأطراف المتحاربة أن تلتزم بأحكام القانون الدولي الإنساني بشأن حماية هذه الفئة، و أن الاعتداء عليهم هو اعتداء على حق الشعوب في الحصول على المعلومات و نقل الحقيقة من ارض النزاع كما هي ووفق ما تمليه عليهم رسالتهم الإعلامية وليس كما تريد أطراف النزاع التي ترى أن نقل الحقيقة فيه كشف لأكاذيب التي لا تريد هذه القوات في متناول الرأي العام ( أكذوبة الأمريكية بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل)، حيث أن نقل الحقيقة و اطلاع الراي العام على الجرائم التي يرتكبها القوات في حق المدنيين ( سجن أبو غريب ، وسجن غوانتنامو ) أمر غير مسموح به، والتي سعت القوات الأمريكية حتى لا يطلع أحد على جرائمها و أفعال قواتها المخالفة للقواعد القانون الدولي و الأعراف الدولية التي تم ارتكابها في مناطق النزاعات المسلحة. إن جريمة قتل الصحفيين و انتهاك حمايتهم تعد وفق مبادئ القانون الدولي الإنساني جريمة حرب ،كما أن مهاجمة مقار وسائل الإعلام والأهداف المدنية ، تعد وفق المفاهيم الواردة في نصوص القانون الدولي الإنساني جريمة حرب وفق هذه النصوص ويترتب على ارتكابها مثول مرتكبها المدنيين و العسكريين و بغض النظر عن مواقعهم و مراتبهم أمام المحاكم الجنائية الدولية ، باعتبار هذه الأعمال تشكل جرائم حرب و لا يجب أن يفلت مرتكب هذه الأعمال من العقاب، فلا يعقل أن تذهب دماء هذه الأعداد الهائلة من الصحفيين و أصحاب الكلمة الحرة سدى دون عقاب، الأمر الذي يتطلب تظافر جهود المنظمات الدولية و الحكومات المعنية و المؤسسات و النقابات التي تعمل في هذا المجال من أجل كشف الجناة و المسؤولين عن قتل وسجن وتعذيب الصحفيين و تدمير مقار وسائل الإعلام. يرمي هذا البحث إلى الإجابة على إشكالية محورية التالية : إلى أي مدى تمكن القانون الدولي الإنساني من توفير الحماية للصحفيين ووسائل الإعلام و معاقبة مرتكبي انتهاكات هذا القانون أثناء النزاعات المسلحة ؟ و تندرج تحت هذا التساؤل العديد من الأسئلة الفرعية : 1) ما هي مراحل الحماية الدولية للصحفيين ومقرات الصحافة أثناء النزاعات المسلحة في القانون الدولي الإنساني وصولاً إلى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وللبروتوكول الأول لعام 1977؟ 2) ما مضمون الحماية الدولية للصحفيين ومقرات الصحافة في القانون الدولي الإنساني أثناء النزاع المسلح أو أثناء وقوعهم في قبضة أحد أطراف النزاع؟ 3) متى يفقد الصحفيون أو مقرات الصحافة الحماية الدولية المقررة لهم في قواعد القانون الدولي الإنساني، سواء في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 أو البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977؟ 4) ما هي الانتهاكات التي ترتكب ضد الصحفيين؟ وهل يمكن اعتبارها جرائم حرب على ضوء اتفاقية جنيف الرابعة 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977؟ 5) ما هي المسئولية الدولية المترتبة على مخالفة قواعد القانون الدولي أثناء النزاعات المسلحة؟ 6) ما هي الالتزامات المفروضة على الدول الأطراف في النزاع المسلح أو على الصحفيين أنفسهم لتسهيل قيامهم بمهامهم وتوفير حمايتهم؟ و سيتم مناقشة في هذا االموضوع من عدة جوانب و سنركز في هذا المقال الاول على الاطار القانوي للحماية الصحفيين و بالخصوص الحماية القانونية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ليتم التطرق باقي المواضيع في مقالات متسلسلة تنشر في الايام المقبلة. إن أداء و العمل الذي يقوم به الصحفي للقيام بواجبه المهني في تغطية أحداث الحرب و نقل كل ما يتعلق بها إلى العموم قد يعرضه إلى العديد من المخاطر ، قسم منها قد يكون محسوبة ضمن مخاطر مهنته، إلا أن الدور التي تحتله الصحافة و الصحفي في المجتمع جعل الأسرة الدولية توليه أهمية واهتماما خاصا للحفاظ على سلامته و قيامه بدوره في توصيل الحقائق للجماهير دون تعرض للأخطار . ولان الصحافة و الصحفيين كانوا على استعداد لتعريض انفسهم للمخاطر المباشرة وخصوصا في أوقات النزاعات المسلحة ، وفي المناطق النزاعات وذلك من أجل كشف الحقائق ونشرها بصدق وموضوعية وبصورة كاملة دفاعا عن حقوق الإنسان . وفي ظل ازدياد مخاطر التغطية الإعلامية للحروب برز للعيان اهتمام الأطراف المتحاربة بإحراز النصر في المعركة الإعلامية أكثر من الاهتمام باحترام وحماية الصحفيين، كما ان عدم كفاية تأهيل الصحفيين الذين يقومون بالتغطية الإعلامية للحروب حتى مع تطور التقنيات الإعلامية وزيادة الرغبة لدي الصحفيين في الوصول الى قلب الحدث ساعة وقوعه . ومن اجل ذلك سنتطرق في هذا الفصل لحماية الصحفيين ووسائل الإعلام في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني من جهة و من جهة ثانية في اطار الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي و كذلك الاتفاقيات الدولية. الحماية القانونية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة قبل أن التطرق لوضع الصحفيين في النزاعات المسلحة الدولية، يجب أن نبين ما المقصود بالنزاع المسلح الدولي و النزاع المسلح الداخلي، فعن الأول أي النزاع المسلح الدولي هو ذلك النزاع المسلح الذي تكون أطرافه من الدول ، أو يجرى بين دولة و احدى حركات التحرر الوطني المعترف بها كما ورد في المادة الأولى من البرتوكول الأول الملحق إلى اتفاقيات جنيف لسنة 1949 و الموقع عليه في جنيف سنة 1977 . ومن هنا لابد أن تشمل مجموعة من القواعد التي تطبق على جميع أظراف النزاعات المسلحة الدولية ما يلي: لا بد لأي نشاط عسكري أن يكون مبررا على أسس عسكرية ويحضر أي نشاط غير ضروري عسكريا. توجه الهجمات ضد الأهداف التي تتساهم في جهد العدو العسكري و لها أهمية تكتيكية و استراتيجية و لابد من تقليل الخسائر والأضرار في المنشأة الغير عسكرية. ضرورة التمييز بن العسكريين الذين يشاركون مباشرة في القتال، وبين غير العسكريين الذين لا يشاركون في القتال أو يستعملوا دروعا بشرية. ضمان سلامة غير العسكريين و سلامة ممتلكاتهم بأكبر قدر مستطاع. أما النزاع المسلح الداخلي فهو ذلك النزاع الذي يدور في اطار دولة واحدة بينها و بين جماعة مسلحة لا تتوفر فيها صفة الشخصية القانونية الدولية أو فيما بين هذه الجماعات بعضها البعض، كما تدل عبارة النزاع المسلح الداخلي على المواجهة التي تنشب داخل إقليم دولة بين القوات المسلحة النظامية و جماعة مسلحة يمكن التعرف على هويتها ، وبالتالي لا يمكن اعتبار نزاعا داخليا حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية . وتحكم هذه النزاعات المادة الثالثة المشتركة في الاتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 و البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977، كما انه يجب الإشارة إلى أن الحماية الدولية للصحفيين قد مرت بمرحلتين أساسيتين تتميز كل منها بملامح واضحة . ففي المرحلة الأولى وهي مرحلة منح الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين المحلقين بالقطاعات العسكرية دون أن يكونوا جزء منها، وترجع إلى المرحلة اللائحة المتعلقة بقواعد وأعراف الحرب البرية المنعقدة في لاهاي 1907 ، وانتهت باتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 والتي اعتبرت أن الصحفيين ومراسلي الحرب يعدون ضمن الفئات التي يمكن أن ترافق الجيش دون أن تكون جزء منه، وأن الصحفيين المراد حمايتهم هم الصحفيين المعتمدين لدى سلطات الجيش الذي يتبعونه ويحملون بطاقة أو تصريحا يدل على ذلك. أما المرحلة الثانية هي مرحلة منح الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين وغير المعتمدين في ظل البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والخاص بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية، والذي اعتبر الصحفيين الذين يمارسون مهمة خطرة أثناء النزاعات المسلحة كالمدنيين الذي ورد ذكرهم في المادة (5) من البروتوكول ذاته . ومن هنا سنتطرق في هذا المبحث إلى الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين والملحقين بالقطاعات العسكرية في المطلب الأول، أما المطلب الثاني سنناقش فيه حماية الصحفيين على ضوء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2673 و مشروع الاتفاقية الدولية لحماية الصحفيين. الفقرة الأول الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين والملحقين بالقطاعات العسكرية لقد منحت المراسل الحربي المعتمد والملحق بالقطاعات العسكرية حماية والتي نصت عليها المواد الواردة في اتفاقية لاهاي 1907 ، واتفاقية جنيف لسنة 1929 ، واتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 حيث أفردت كل واحدة مادة تتعلق بتوفير الحماية لفئة من مرافقي القطاعات العسكرية دون أن يكونوا جزء من هذه القوات. و سوف نتناول هذا المطلب من خلال ما يلي: اولا: حماية الصحفيين في ظل اتفاقية 1907. ثانيا: حماية الصحفيين في اتفاقية جنيف 1929. ثالثا: حماية الصحفيين في ظل اتفاقية جنيف الثالثة 1949. أولا: حماية الصحفيين في ظل اتفاقية 1907. ترجع المحاولات الأولى الاهتمام القانون الدولي الإنساني بحماية الصحفيين إلى اللائحة المتعلقة بقوانين و أعراف الحرب البرية المنعقدة في لاهاي 18 أكتوبر 1907 ،حيث جاء في الفصل الثاني "اسرى الحرب" من القسم الأول في المادة (13) و التي جاء نصها كالتالي: " يعامل الأشخاص الذين يرافقون الجيش دون أن يكونوا في الواقع جزء منه كالمراسلين الصحفيين ومتعهدي التمويل الذين يقعون في قبضة العدو و يعلن حجزهم كأسرى حرب شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذي يرافقونه" . فقد ورد ذكر الصحفيين "مراسلي ومحرري الصحف و الأخبار" بشكل واضح وصريح كفئة مسماة باعتبارهم أشخاص ملحقين بالقوات المسلحة ولكنهم ليسوا جزء منها ،لذلك فهم يعاملون كأسر حرب اذا وقعوا في قبضة العدو، لان الصحفيين الذين يعتمدهم الجيش و يصاحبونه يصبحون قانونيا جزءا من تلك الهيئة العسكرية ، و اذا أسرتهم قوات معادية يمكن أن تعاملهم كأسرى حرب، فالصحفيون وفقا لهذه المادة هم جزء من فئة من الناس غير واضحة التحديد، ترافق القوات المسلحة دون أن تنتمي اليها و بهذه الصفة يجب أن يعاملوا عند اعتقالهم كأسرى حرب مع الاحتفاظ في الوقت ذاته بوضعهم المدني بشرط أساسي ووحيد هو أن يحملوا تصريحا صادرا من السلطات العسكرية لبلادهم . ويلاحظ من خلال هذا النص أنه غير كاف لتوفير حماية فاعلة للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة من جوانب عديدة: 1. عالج وضع المراسل الحربي عندما يقع في قبضة العدو فقط . 2. اقتصر على ذكر المراسلين المعتمدين لدى أحد طرفي النزاع وأغفل الحماية الواجبة للصحفيين غير المعتمدين الذين يعملون بشكل منفرد وحر، دون أن يرافقوا أحد الطرفين ، وهذا يقصي من الدائرة الحماية فئة عريضة من الصحفيين مما يعد تمييزا غير مبرر. 3. لم يضع تعريفا للمراسل الحربي، و لم يتعرض بشيء لحماية الأعيان التي تستخدمها وسائل الإعلام. ثانيا: حماية الصحفيين في ظل اتفاقية جنيف لسنة 1929 تعتبر هذه الاتفاقية المبرمة في 27 يوليو1929 هي الأولى التي اختصت بموضوع أسرى الحرب ، حيث اجتمع ممثلو 47 دولة في جنيف بناء على دعوة من الحكومة السويسرية بغرض إدخال تحسينات على القوانين التي تحمي المقاتلين في النزاعات المسلحة (مراجعة اتفاقية جنيف 1864) وقد أسفرت عن هذه المراجعة أن انبثقت اتفاقيتين: فالاتفاقية الأولى تتحدث عن تحسين حالة الجرحى و المرضى العسكريين في الميدان والتي تضمنت (39) مادة، أما الاتفاقية الثانية فهي خاصة بمعاملة اسرى الحرب وقد بلغ مجموع موادها (97) مادة والتي نصت على المعاملة الإنسانية التي تتعلق بحماية اسرى الحرب مثل الإقامة، التغذية، الملبس، والرعاية الصحية . وقد تضمن القسم السابع منها نصا يتناول نوع من الحماية للصحفيين حيث نصت المادة (81) على ما يلي: "أن الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا تابعين لهم مباشرة كالمراسلين والمخبرين الصحفيين، أو المقاولين الذين يقعون في أيدي العدو ، ويرى العدو أنه من المناسب اعتقالهم، يكون من حقهم ان يعاملوا كأسرى حرب بشرط أن يكون بحوزتهم تصريح من السلطات العسكرية التي كانوا يرافقونها" . و لم يبتعد مضمون هذه المادة عن نص المادة (13) من اتفاقية لاهاي 1907 من حيث اعتبار الأشخاص الملحقين بالقطاعات العسكرية دون أن يكونوا جزءا منها، اسرى حرب اذا رأى العدو أن من المناسب اعتقالهم، حيث تحدد هذه المادة اشتراط التصريح باعتباره قرينة على صفته كمراسل حربي يرافق القطاعات العسكرية دون أن يكون جزء منها . وهذا الاشتراط وجب على الصحفي أو المراسل الحربي أن لا يقوم بعمل يسئ إلى وصفه كمراسل في الميدان مثل ارتداء زي يشابه للزي الذي يرتديه الجنود وأن لا يحمل السلاح كما لا يشارك في العمليات العسكرية. ثالثا: حماية الصحفيين في ظل اتفاقية جنيف الثالثة 1949 في سنة 1949 تم إقرار اتفاقيات جنيف الأربع، عن المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية ضحايا الحروب في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت الإنسانية لازالت تحت هول الصدمة لكثرة ضحايا هذه الحروب. وقد شكلت هذه الاتفاقيات حينها نقلة كبيرة في مجال تقنين ضمانات ضحايا النزاعات المسلحة حيث كان مستوى الحماية والتنظيم الدولي قد اتسع مداه بشكل ملحوظ. و كانت الاتفاقية الثالثة والمتعلقة بحماية اسرى الحرب قد أبقت على نفس الحماية المقررة للمراسل الحربي وذلك في المادة (4 أ 4 )و التي نصت على ما يلي:" اسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلى احدى الفئات التالية: الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون ان يكونوا في الواقع جزء منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية و المراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال و الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها." وفي الوقت الذي نصت فيه المادة (5) من نفس الاتفاقية على ما يلي :" تطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص المشار اليهم في المادة (4) ابتداء من وقوعهم في يد العدو إلى أن يتم الإفراج عنهم وإعادتهم إلى الوطن بصورة نهائية. وفي حالة وجود أي شك بشأن انتماء أشخاص قاموا بعمل حربي وسقطوا في يد العدو إلى أحد الفئات المبينة في المادة (4) فان هؤلاء الأشخاص يتمتعون بالحماية التي تكفلها هذه الاتفاقية لحين البث في وضعهم بواسطة محكمة مختصة." ويتضح من المادة (4) أن اتفاقية جنيف الثالثة قد أبقت على اعتبار الصحفي الملحق بالقوات المسلحة دون أن يكون جزءا منها في وضع أسير حرب شرط حصوله على تصريح من هذه القوات التي يرافقها وهو ذات النهج التي سارت عليه الاتفاقيات التي سبقتها . ان بطاقة الصحفي تلعب دورا مماثلا لدور رداء الجندي فهي تخلق قرينة توضح صفته، واذا حدث شك في وضع شخص يطلب منحه الوضع القانوني لأسير الحرب ، حيث أنه اذا سقط الصحفي في يد العدو، وقد فقط بطاقة هويته التي تثبت وضعه كصحفي فانه يبقى في ظل الحماية المقررة له، باعتباره أسير حرب حتى تقرر بعد ذلك محكمة مختصة في وضعه و حالته. وحيث أن هذه البطاقة أو الهوية ليست شرطا ضروريا لاعتراف بحقوق هؤلاء الأشخاص، إنما هي ضمانة ثانوية. والمثير للجدل في المادة (5) هو موضوع " الشك " و " المحكمة المختصة " حيث أثارتهما هذه المادة ولم تبين ما المقصود بهما، حيث علقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على هذه المادة وذكرت مثالين على حالات الشك التي تنطبق عليهم المادة (5 2) وهي حالة الهاربين من القوات المسلحة والأشخاص المرافقين للقوات المسلحة وفقدوا هوياتهم الشخصية. حيث أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أن لا يكون تفسير المادة ضيقا و محصورا على ضرورة اثبات الهوية من أجل منح حاملها حماية خاصة. كما أنها لم تبين مفهوم المحكمة المختصة وتشكيلها، هل هي مدنية أم عسكرية ؟ الفترة اللازمة لإصدار الحكم، ...... الخ. كما أن اعتبار المراسل أسير الحرب يعني جواز اعتقاله ، رغم أنه يستفيد من المعاملة الإنسانية الواجبة للأسرى، إلا أن هذا الاعتقال يمنعه من أداء وضيفته التي دخل من أجلها أرض المعركة ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فان مساواته بالمدنيين الأخرين المرافقين للقوات المسلحة المنصوص عليهم في البندين (4) و (5) من الفقرة (أ) من المادة (4) واعتبارهم مثلهم أسير حرب حالة القاء القبض عليه فيه إجحاف بحقه نظرا لاختلاف دوره في العمليات العسكرية عن أدوارهم، حيث يزود الجهة التي ينتمي أليها بأحداث المعارك و نشر كل ما يتعلق بالخروقات التي يقوم بها القوات المسلحة. ومن هنا كان ممكن وضع المراسل العسكري مستقلا عن تلك الفئات ووضع قيد على الدول المتحاربة بعدم التعرض له . والالتزام بما ورد في المادة (99) من الاتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 و التي نصت على مايلي : " لا يجوز محاكمة أو إدانة أي أسير حرب لفعل لا يخطر صراحة قانون الدولة الحاجزة أو القانون الدولي الذي يكون ساريا في وقت اقتران هذا الفعل . لا يجوز ممارسة أي ضغط معنوي أو بدني على أسير الحرب لحمله على الاعتراف بالدنب عن الفعل المنسوب اليه. لا يجوز إدانة أي أسير حرب بدون إعطاءه فرصة للدفاع عن نفسه والحصول على مساعدة محامه أو مستشار مؤهل." و يبقى مبدأ المعاملة الإنسانية التي تعتبر أساس القانون الدولي الإنساني ينطبق على المراسل الحربي الأسير، وعلى الدولة الحاجزة أن تحترم شخص الأسير معنويا وماديا منذ وقوعه في قبضتها و حتى عودته إلى موطنه .كما نص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة (8 / 2) على أن إرغام أي أسير حرب أو شخص أخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية جريمة حرب. الفقرة الثانية حماية الصحفيين على ضوء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2673 ومشروع الاتفاقية الدولية لحماية الصحفيين في اطار المراجعة الدائمة لأحكام القانون الدولي الإنساني وتوفير أفضل الحماية للإنسانية و تجنيبها مخاطر النزاعات المسلحة، وخصوصا الفئة المتواجدة في مناطق النزاعات المسلحة، ومنهم الصحفيون وغيرها من الفئات المشمولة بالحماية أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا دعت فيه لتوفير الحماية للصحفيين في مناطق النزاع المسلح وإعداد اتفاقية دولية تكفل حماية الصحفيين المكلفين بماهم مهنية خطرة، وتم إعداد مشروع الاتفاقية الذي خضع للمناقشة في العديد من المؤتمرات الدولية وهو ما سنتطرق إليه في هذا المطلب. أولا : حماية الصحفيين على ضوء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2673 في 9 ديسمبر 1970 . ثانيا: حماية الصحفيين في ظل مشروع الاتفاقية الدولية لحماية الصحفيين المكلفين بمهام خطرة. اولا: حماية الصحفية على ضوء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2673 في 9 ديسمبر 1970 اقترح السيد موريس شومان وزيرة الخارجية الفرنسي (1970) في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تأخذ الأممالمتحدة زمام المبادرة لإبرام اتفاقية دولية لحماية الصحفيين المكلفين بمهام مهنية خطرة في مناطق النزاع. وقد استجابة الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا الطلب، ولقي تأييدا واسعا واتخذت الجمعية العامة قرارها رقم 2673 في الدورة (25) بتاريخ 9 ديسمبر 1970 ، وطلبت من المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، وكذا لجنة حقوق الإنسان من إعداد مشروع الاتفاقية تكفل حماية الصحفيين المكلفين بمهام خطرة، وقد تضمن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للتشاور مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الدولية المعنية لاتخاذ الخطوات اللازمة لضمان التطبيق الأفضل لقواعد القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة . ويتطرق القرار إلى دور الصحفيين في حصول الأمم و الشعوب على المعلومات التي تتعلق بالنزاعات المسلحة و ما يرتكب فيها من الجرائم والإشادة بالدور الذي يلعبه الصحفيين في هذا المجال ، ويذكر القرار بمناشدة الأمين العام للأمم المتحدة في 30.9.1970 نيابة عن الصحفيين المفقودين وتأكيده على حمايتهم بموجب المادة (4) من اتفاقية جنيف الثالثة 1949 و المادة (13) من اتفاقيتي جنيف الأولى والثانية من نفس السنة، والمادة (4) من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 ، وإذ يؤكد القرار أن تلك التدابير لا تغطي بعض أنواع الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات المسلحة و المكلفين بمهام خطرة ولا تنسجم مع متطلبات عملهم. كما يؤكد القرار إلى الحاجة الماسة لإيجاد أدوات دولية إنسانية لضمان حماية أفضل للصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة وقد نصت الفقرة (1) من القرار على ما يلي: 1. التعبير عن الاهتمام البالغ للأخطار الجسيمة التي يتعرض لها المراسلين الصحفيين المكلفين بمهام مهنية خطرة في مناطق النزاع المسلح. 2. التعبير عن الأسف للضحايا من المراسلين الصحفيين الذين دفعوا حياتهم في المناطق النزاع و بسبب ضمائرهم الحية لإداء مهمتهم و نقل الحقيقة. كما دعا جل الدول والأطراف في النزاعات المسلحة إلى احترام و تطبيق اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 ، وخصوصا على الصحفيين والمراسلين الحربيين المرافقين للقوات المسلحة حسب ما نصت به الفقرة (3) من القرار، وطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، و لجنة حقوق الإنسان كي تقوم خلال دورتها (27) بإعداد مسودة معاهدة لحماية الصحفيين المكلفين بمهمات مهنية خطيرة، و توفير الأجواء لخلق اعتراف عالمي بوثيقة توافق حسب نص الفقرات (4) و(5) و(6) من القرار. والأهم من ذلك أنها طلبت إلى اللجنة الدولية أن تقدم تقريرها إلى مؤتمر الخبراء الحكوميين بشأن تأكيد وتطوير القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة الذي دعته اللجنة الدولية للحقوق الإنسان إلى عقد دورة ثانية سنة1972، كما طالبت من اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تقدم للأمم المتحدة ما يعرض من ملاحظات في هذا الاجتماع . ففي سنة 1971 أعدت مسودة مبدئية إلى الجمعية للأمم المتحدة و إلى الدول الأعضاء و رأت الجمعية العامة أنه من الضروري اعتماد اتفاقية تعطي اقصى درجات الحماية للصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة وهي الفكرة التي نالت ترحيبا واسعا على الصعيد الدولي. ثانيا : حماية الصحفيين في ظل مشروع الاتفاقية الدولية لحماية الصحفيين المكلفين بمهام خطرة طهرت على الساحة الدولية فكرة إعداد مشروع اتفاقية دولية خاصة لتأمين الحماية الدولية للصحفيين المكلفين بمهام مهنية خطرة وتحقيقا لهذه الفكرة قامت لجنة حقوق الإنسان بتقديم مشروعات متتالية على شكل اتفاقيات دولية في دورة الخبراء الحكوميين لإبداء الرأي، الأمر الذي لقي ترحيبا واسعا من لدن المجتمع الدولي و إيمانا منهم بالدور الصحفيين في النزاعات المسلحة. وعند انعقاد المؤتمر الدبلوماسي حول تأكيد و تطوير القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة ما بين 1974 و1977، كانت تطرح العديد من الآراء حول مشروع مسودة اتفاقية الأممالمتحدة لحماية الصحفيين، حيث تم إنشاء وضع قانوني يؤمن قدرا من الحماية للصحفيين رغم أن هذه الاتفاقية لم ترى النور ، ويمكن إجمال أبرز ما جاء في هذه الوثيقة: أن المادة (2/أ) تضمنت تعريف للصحفي " بأنه كل مراسل أو مخبر صحافي ومصور فوتوغرافي أو مصور تليفزيوني و مساعديهم الفنيين في السينما و الإذاعة والتليفزيون الذين يمارسون النشاط المذكور بشكل معتاد بوصفه مهنتهم الأساسية" . كما نصت نفس المادة على أن الصحفي هو الشخص الذي يعتبر كذلك بحكم التشريعات أو الممارسة الوطنية، أما المادة (5/2) فقد تضمنت وجوب أن يدون على ظهر البطاقة بيان ينص على أن حاملها يتعهد بأن يتصرف خلال مهمته بطريقة تتفق مع أعلى معايير الأمانة المهنية و أن لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول التي يسافر أليها، و لا يشارك في أي نشاط سياسي أو عسكري أو أي عمل يمكن أن ينطوي على إسهام مباشر أو غير مباشر في العمليات العدائية بالمناطق التي يؤدي فيها مهمته بحيث يمكن للصحفي بهذه البطاقة يثبت أنه في مهمة . وكما يمكن لكل صحفي أن يحمل على ذراعه شريطا مميز كتب عليه حرف P و بحجم كبير وبلون أسود أو يكون الشعار مرئيا و هو ما جاء به المادة (9). أما المادة (10)) فقد نصت على ماهية الحماية الخاصة التي تمنحها الاتفاقية على أن أطراف النزاع المسلح ينبغي أن يعملوا على حماية الصحفيين وبصفة خاصة: منح الصحفيين قدرا من الحماية ضد الأخطار التي ينطوي عليها النزاع. تحذير الصحفيين حتى يبتعدوا عن المناطق الخطر. معاملتهم في حالة اعتقالهم معاملة مطابقة لما تقتضي به اتفاقية جنيف الرابعة خاصة المواد (75) و (135). تقديم معلومات عنهم في حالة الوفاة أو الاختفاء أو السجن. أما المادة (13/2) فقد نصت على أن أي دولة ضالعة في نزاع مسلح لها أن تحتفظ بالحق في منح أو رفض التصريح بالوصول إلى الأماكن الخطرة بنفس شروط المطبقة على الصحفيين التابعين لها . وأثناء عرض مشروع الاتفاقية في المؤتمر الدبلوماسي سنة 1977 ، دعت الجمعية المؤتمرين إلى إبداء الرأي حول هذه المشروعات التي أعدتها لجنة حقوق الإنسان وانتهت هذه المشاورات الى رفض مشروع الاتفاقية، حيث تم تفسير ذلك إلى الأجواء الدولية السائدة في هذه الفترة لم تكن مهيئة بإعطاء الصحفيين نظام خاص في الحماية رغم ما يتعرض له الصحفيين من الأعمال خطرة . أما البعض الأخر يرى أنه لا ضرورة لوضع أي اتفاقية خاصة بحماية الصحفيين بحجة ان اتفاقيات جنيف لسنة 1949 والبرتوكولين الإضافيين 1977 قد نص على وضع خاص لمجموعة من الفئات ، التي تتضمن من بينها الصحفيين، وبالتالي فان المشكلة ليس مشكلة نص أكثر ماهي مشكلة في عملية الرقابة على تطبيق هذه النصوص التي يتم بموجبها تفادي الانتهاكات والمخالفة للقانون الدولي الإنسان والجزاء عليها . كما أن النقاش شمل العديد من النقط و من بينها " الشارة المميزة و الديانة "، ديانة الصحفي هل تذكر أم لا وبأي لغة تكتبت البطاقة وأهمية بصمات الأصابيع ، حيث تم استبعاد موضوع الشارة المميزة نهائيا وتم الاتفاق على بقية المعلومات التي ستدون في البطاقة. وقد كشف هذه المشاورات على أن مشروع اتفاقية الأممالمتحدة بشأن حماية الصحفيين قد أطيح بها لصالح إقرار البروتوكولين الإضافيين، كما أن الأجواء الحرب التي كانت سائدة في هذه الفترة لها تأثير على قرارات وإرادة المجتمع الدولي.