بقدر ما كانت لمنطقة الريف الأدوار الاولى في تنفذ الانقلاب العسكري الذي قاده فرانكو ضد الحكومة الشرعية لبلده ، كانت لسكانه من المجندين المغاربة كذلك الأدوار البارزة في تنفيذ الانقلاب ، وخاصة عندما أقدم الكومندار أمزيان على رأس فرقة من الريكولاريس عل التوجه سريعا من المركز العسكري بأزغنغان لتعزيز الحركة الانقلابية بمليلية ،والمشاركة في السيطرة على مطار "تاويما" بها ، وكذلك فعل سليمان الخطابي القائد القواد بمنطفة بني ورياغل والحاج طيب عبد الفادر من الريف الشرقي . وخذه الأدوار الأساسية والأولى التي قام بها الريفيون لصالح الانقلابيين ستتطور وترقى إلى الدخول في الحرب الأهلية الإسبانية أثناء اندلاعها بإسبانيا، بحيث أصبح المتمردون في حاجة الى المجندين الريفيين ، الذين عن طريقهم يمكن تغطية كل الجبهات و التخفيف عنهم عنف وضراوة المعارك ، فتحول الريف بما كان يمتلكه من مؤهلات بشرية مزودا رئيسيا للانقلابيين بالمقاتلين طيلة السنتين وثمانية أشهر التي استغرقها الحرب الأهلية . ولضمان هذا التدفق البشري الهام ، اتبعت السلطات الاستعمارية عدة إجراءات قمعية صارمة ضد السكان بالمنطقة . وإذا لعبت منطقة الريف الدور البارز في الانقلاب و الحرب الأهلية ، فما هي الدوافع لهذه المشاركة المكثفة ؟ هناك عدة أراء ومواقف في الموضوع تختلف حسب موقع صاحب الرأي ووضعه الاجتماعي و السياسي و المصلحي ونسوق في هذا الصدد مواقف ووجهات نظر بعض قادة الحركة الوطنية في شمال المغرب الذين عايشوا أطوار هذه الحرب عن قرب وعلى رأسهم الأستاذ عبد الخالق الطوريس الذي أدلى بموقفه في جريدة الحرية التي كان يديرها و الصادرة بتطوان عدد 1939/6/2 وكذلك الأمر بالنسبة للأستاذ المكي الناصري مدير جريدة الوحدة المغربية الذي عبر بدوره عن رأيه في هذه الجريدة عدد 1939/3/8 ويمكن تلخيص أراء الأستاذين عبد الخالق الطوريس و المكي الناصري في : - ان المغاربة التجئوا الى التطوع في الحركة الفرانكوية لكون الجمهوريين كانوا شيوعيين ، والشيوعية لا تحترم الشعور الديني للمغاربة . - لم يحاربوا الى جانب القوة الفرانكوية بدافع الفقر و البؤس و الأزمة ، او بغية الحصول على الأموال . ان الغرض من إثارة هذه المواقف و التساؤلات ، ليست بغض الإجابة عنها بقدر ما نطرح ذلك لمجرد التمعن و البحث عن الحقيقة التاريخية الضائعة . ولكن لابد من الإشارة هنا الى ان قادة الحركة الوطنية بشمال المغرب ، سكتوا عن تجنيد الريفيين المغاربة مقابل السماح لهم من طرف فرانكو بتأسيس الأحزاب و الجمعيات و ممارسة حرية الإعلام و الصحافة ، حسب أبحاث ودراسات في الموضوع . و السؤال الذي يخامرنا هنا هل كان هناك إدراك للحركة الوطنية عند كل المغاربة في هذه الفترة ، وعند سكان شمال المغرب خاصة ، فاغلب المجندين في صفوف فرانكو كانوا أميين ، و السؤال الثاني هل المغاربة عامة آنذاك كانوا يدركون معنى الشيوعية على مستوى الدلالة و الأهداف ، وليس ذلك فحسب فقد ذهب بعض رجال الدين في تطوان الى القول ان فرانكو يحب الإسلام و المسلمين من صميم قلبه ، باعتباره يبعث بوفود كبيرة من الحجاج عدة مرات على حسابه الخاص ، وهي مجرد مناورة منه للضرب على الأوتار الحساسة للريفيين واستمالة الأعيان و السياسيين الى جانبه لكسبهم في الحرب الأهلية . فاحترام الشعور الديني للمغاربة بالشمال لم يحترم حتى في زمن الملكية ، و الأحرى ان يحترم ذلك فرانكو الذي لطخ أياديه بدماء المغاربة ووصفهم بالمجرمين بعد نفي محمد بن عبد الكريم الخطابي ، كما أن نظام فرانكوا أزهق في الحرب الأهلية أزيد من نصف مليون جندي اسباني . ان العودة الى تراثنا الشعبي خير سجل لتصحيح وقائع تاريخنا ، اذا كنا غيورين فعلا على تصحيحه من الشوائب ، ومن ذلك مثلا التأكيد على فعالية المادة الشعرية الامازيغية منها و العربية للوصول إلى استخراج كثير من الحقائق التاريخية التي تكون أغفلتها الكتابات التاريخية عن قصد او عن غير قصد ، او ان تكون هذه الكتابات تنطوي على نوع من التزييف و التضليل ، فالشعر الامازيغي بنماذجه العديدة يؤكد ان مشاركة المغاربة من شمال المغرب يرجع بالأساس الى حالة الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية وسيادة البؤس و الجوع الذي عمقه الجفاف سنتي 1935/1936 ، إضافة الى إهمال المنطقة من طرف الحكومات المتعاقبة للأسبان بما في ذلك حتى الحكومات الشرعية للجمهوريين التي لم تختلف عن سابقيهم من الدكتاتوريين ولاحقيهم من الفاشيين في شيء ، و الذين وجدوا أنفسهم في حرج كبير بعد صعودهم الى الحكم ، إضافة الى منع الهجرة الموسمية التي اعتاد عليه الريفيون منذ القرن 19 الى الجزائر للعمل في ضيعات المعمرين الفرنسيين و لمحاربة الأزمة و كسب معاشهم و ضرب حصار عسكري على المنطقة . وحسب المعلومات التي وردت في تقارير المراقبات العسكرية في الريف و تقارير المصالح القنصلية الفرنسية بمليلية ، فان منطقة الريف احتلت دائما المرتبة الأولى من حيت عدد المجندين في جيش فرانكو ، وكانت العملية في البداية تطوعية تلقائية بدون إلزام ثم تحول الأمر الى الترغيب و الترهيب وسجن بعض القادة الذين رفضوا التجنيد قسرا لمواطنيهم من السكان ، وعزل البعض و أصدرت أحكام بالإعدام واتبعت أساليب إكراهية مختلفة . إن منطقة الريف أدت ضريبة هذه الحرب القذرة ، كأنما أبناء الريف هم المسؤولين عنها ، وأثرت بشكل وخيم على التوازنات الهشة للقبائل الريفية ، كما راهن فرانكو مناجم الحديد في الريف ، التي كانت تشتغل فيها نحو 162 شركة من الألمان ، بحيث بلغ انتاج الحديد سنة 1937 مليون ونصف طن ، وذلك بمقابل الحصول على السلاح و المواد الغذائية المصنعة . وفي ما يتعلق بالمشاركين في الحرب الأهلية الإسبانية فأغلبهم كانت تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25 سنة وضمنهم الآلاف من الأطفال القاصرين الذين جندتهم إسبانيا لخوض أهوال هذه الحرب ، وقد وصفهم الشعر الأمازيغي الريفي بشكل تراجيدي ومأساوي : أمونند إحنجين س ساند السينث نشنن اقا نيور غا سبانيا أنمث إجتمع الأطفال حول طبق الشاي الكبير وقالوا أنهم ذاهبون للكوت لا محالة في اسبانيا. إن حقوق الإنسان ترتبط بمختلف المحطات والمراحل التاريخية إرتباطا وثيقا ، والقانون الإنساني الدولي تكون في الفترة ما بين 1899و1907 متجسدا في قانون لاهاي وقانون الحرب على أدق تعبير ، وقانون جنيف والقانون الإسباني ويتبدى هذا القانون في اتفاقيات جنيف الأربعة عام1944 والبروتوكولين الإضافيين لسنة 1977 ، وكذلك الإتفاقيات السابقة في مجال القانون الدولي التي نذكر منها على سبيل المثال إتفاقية 1929 الخاصة بعاملة أسرى الحرب. وأشير هنا أن الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل 1989 يرجع أصلها الأول الى تصريح جنيف لسنة 1924 الذي أعده الإتحاد الدولي لإغاثة الأطفال وزكته آنذاك عصبة الأمم وتمت مراجعته وتوسيعه سنة 1948 مشكلا بذلك أرضية التصريح العالمي لحقوق الطفل 1959، والملاحظة البارزة أن الميثاق الدولي لحقوق الطفل ، ليصبح على ماهو عليه الآن، إحتاج الى 65 سنة من التصريحات والمناقشات لتتحول بذلك حقوق الطفل من مجرد إعلان والإعتراف الى الحماية القانونية، وجمع بين حقوق الإنسان ومقتضيات القانون الدولي الإنساني. ويذهب بعض الباحثين في الدراسات القانونية والحقوقية الى أن تجنيد الأطفال بشكل قسري بدأ منذ الحرب العالمية الثانية وهو أمر مجانب للصواب بل إن تجنيدهم بدأ مع العالمية الأولى وبلغ أوجه في الحرب الأهلية الإسبانية . إن الفقه الدولي أدى عدة ملاحظات بخصوص الإتفاقية الدولية للطفل، في مجال تشغيل الأطفال في الحروب، أولها التناقض الحاصل بيين المادة 1 في اتفاقية الطفل والمادة 38 في الفقرة الثالثة التي تجيز تجنيد الأطفال ابتداءا من 15 سنة، والمادة الأولى التي تنص على أن سن الطفولة ينتهي عند 18 سنة، لكن الملاحظ أن نص المادة 38 بصياغته الحالية، جاءت بناء على اقتراح تقدمت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر،وهو يتفق على ما نص عليه البروتوكول الأول الملحق بإتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949. كما لاحظ الفقه الدولي أن المادة السابقة لم تنشر الى منع استخدام الأطفال في التجسس خلال الحروب والإستطلاع والأعمال المساعدة الأخرى ، كما أن النص تغافل تجنيد الأطفال بشكل طوعي غير إلزامي ، مما قد يفتح المجال الى بعض الدول المتورطة في ذلك للمحاججة لكونها لا تلزم الأطفال على الدخول في النزاعات المسلحو أم الانضمام الى القوات المسلحة ، مما قد يؤدي بالأطفال الى ما هو أخطر من ذلك ، وهو وقوعهم في يد القوات الغير النظامية التي لا تشملها الحماية القانونية للإتفاقة وذلك كالمرتزقة والثوار (نموذج الحرب الأهلية الإسبانية). ثمة في معاهدة جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب ، أحكام توفر حماية عامة للأطفال وقت الحرب وحماية خاصة ورد النص عليها في 17 مادة، البروتوكوليين الإضافيين قاما لأول مرة بتقنين تنظيم مشاركة الأطفال في الحروب، حيث نصت المادتان 4و77 من البروتوكوليين على منع تجنيد الأطفال دون 15 سنة. ولتجاوز هذه الوضعية المأساوية لإشراك اطفال أبرياء في معمعة الحروب ، بادر المجتمع الدولي الى اتخاذ عدة اجراءات منها : اصدار الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل الصادر عن منظمة الوحدة الإفريقية ،والبروتوكول الإختياري الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في ماي 2000، معززة موقفها بالمؤتمر الدولي للصليب الأحمر المنعقد في ديسمبر 1995 ، والبيان الختامي عمان الدولي المنعقد في 2001 واتفاقية العمل الدولية 182،وكلها تدابيرحقوقية تمنع تجنيد الأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة دون 18 سنة. إن مقتضيات القانون الدولي الإسباني في اتفاقية جنيف سنة 1949 والبروتوكولين لا تتضمن آثار المساءلة القانونية في حالة الخروقات الخطيرة والإنتهاكات الجسيمة التي ترتكب في أطراف النزاع ، تعبر عن مجرد مبادئ أخلاقية وحسن النوايا ، مما أفرغه من قوته الإلزامية والجزائية وأفسح المجال لظهور النظم الخاصة للمحاكم الجنائية الدولية بروما التي أدرجت الجرائم التي تعرض لها الأطفال في هذه البلدين ضمن جرائم حرب وابادة ضد الإنسانية، فعلى اسبانيا أن تعترف بما ارتكبته من مخالفات جسيمة في حق هؤلاء الأطفال الذين سببت لهم في اضطرابات نفسية وسيكولوجية خطيرة، وحرمتهم من التربية والتكوين أساس كل تنمية. وإذا كانت المؤرخة ماريا روسادي مادارياغا في كتابها "مغاربة أتى بهم فرانكو" تقول "أنه يبدو الآن منطقيا أن يحتج الريفيون ضد الإسبان لإستعمالهم مادة "إيبرتا" خلال الحرب ضدهم ، فإنه الآن من باب العدل والمشروعية والحق أن يحتجوا على اسبانيا لتجنيدها أطفالا قاصرين في حرب لا تعنيهم وأن تقوم اسبانيا بإجلاء الحقيقة الكاملة في هذا الملف، فتعتذر للدولة المغربية وسكان منطقة الريف عن هول الانتهاكات الجسيمة التي مارستها في حق هؤلاء الأطفال الأبرياء خاصة ، وعموم المجندين المغاربة.