تدوال نشطاء على المواقع الإحتماعية مع بداية الانتفاضة الثالثة صورا تظهر مجموعة من قوات أمن السلطة الفلسظينية ينهلون بالضرب على فتى فلسطيتي شارك في إحدى فعاليات مناصرة المسحد الاقصى، و ما يتعرض له من سياسات تهويدية ، هذه الصور أعادت النقاش حول راهين القضية الفلسطينية ؟ و عن موقع السلطة الفلسطينية في المشهد ؟ الجدل أعاد إلى الأذهان عددا من النقاشات التي عرفها المشهد السياسي الفلسطيني، خلال السنوات الأخيرة، حول السلوك السياسي للسلطة الفلسطينية ، خاصة مدى نفعية إتفاقية أوسلو و نجاعة إستراتيجية المفاوضات كخيار للتسوية؟ لا يجادل إثنان في كون هذه الممارسة من قبل أجهزة أمن السلطة ليست وليدة الساعة بل هي ثقافة لدى السلطة و مؤسستها العسكرية، و عقيدة أمنية يتربى عليها كل من يدخل إلى مربع أوسلو . بيد أن هذه الممارسة تعيد فتح باب واسع من الإشتكالات و التساؤلات عن السلطة الفلسطينية و كيفية إنشائها؟ و علاقة أوسلو بالسلوك السياسي لها؟ لقد مضى ردح غير يسير من الزمن على تأسيس السلطة الفلسطينية بموجب إتفاقية أوسلو التي كانت بين "ياسر عرفات" و "رابين" . هذه الإتفاقية التي نصت على إعطاء السلطة الفلسطينية المتمثلة في م.ت.ف حكما ذاتيا على كل من الضفة الغربية و قطاع غزة مقابل تعاون أمني بينها و بين الكيان الصهيوني كحلقة أولى لتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشرقية على حدود 67 . حكم ذاتي سرعان ما سيتضح أنه سراب و أن السلطة الفلسطينية كانت مثل ذلك العبد الذي يتوهم أنه حر بمجرد أنه إختار سادته. دون الخوض في غمار بنود إتفاقية أوسلو ، لان هذا ليس هدف بحثنا و إنما نحن بصدد تقييم لهذا الإتفاق و إماطة اللثام عنه بغية فهم منطلقاته و لتحديد أبعاده . لا شك أن السياق الذي جاء فيه توقيع إتفاقية أوسلو كان المحدد لما تضمنه من بنود ، بل إن إعطاء حكم ذاتي ل م.ت.ف كانت له أبعاد برغماتية بعيدة الأفق مع القوى الدولية الراعية لمسار التسوية. كما أن هذا الحكم الذاتي له قواسم مشتركة مع الفكر النازي ، حيث أن قيام سلطة فلسطينية مستقلة هو بمثابة إستنساخ للتجربة النازية في ألمانيا مع اليهود داخل الجيتوات اليهودية التي كان فيها حكما ذاتيا لليهود إلا أن النازيون وضعوا مخططا لابادتهم عن طريف فرض معادلة غير متكافئة و حصارهم داخل الجيتوات عن طريق تقليل كمية السلع التي تصل إليه و سوء التغذية و تناقص عدد السكان و إزدياد معدل الفقر بين اليهود و، بالتالي إزدياد حاجياتهم إلى المواد العذائية مما أدى إلى موتهم جوعا و ببطء دون إستعمال أفران الغاز. و هذا واقع قطاع غزة و ما هو عليه من إغلاق للمعابر، و الميناء ، و تقليص المواد التي تدخل إليه و مع معاناة الفلسطينيين في الضفة من خلال الضرائب المفروضة على المنتجات الفلسطينية المحلية و هيمنة المنتوج الاسرائيلي و التضييق على المزارعين الفلسطينينبالاضافة إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل أساسي على الاستيراد من إسرائيل التي تحكم قبضتها على سوق الضفة الغربية، . و عليه، نخلص إلى أن السلوك السياسي عموما و الأمني للسلطة الفلسطينية حسب تصور إتفاقية أوسلو يتميز بجملة من السمات أهمها، أنها : سلطة عميلة : ان علاقة الكيان الصهيوني بالسلطة الفلسطينية هي علاقة "كولونيالية" في جوهرها ، تلعب إسرائيل دور الراعي الامبريالي الذي يوظف الدولة المستعمرة لصالحه اما مباشرة من خلال قواته العسكرية [ التنسيق الامني مثلا ]. و هذا الاخير هو ما وصفه محمود عباس بأنه "مقدس" و رفض كل دعوات لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، او بشكل غير مباشر من خلال النخبة المحلية الحاكمة [ حركة فتح و م.ت.ف] . و بالتالي فمن البديهي للسلطة الفلسطينية ان تلعب دور العميل الذييقوم بوظيفة تسخير الجماهير (الشعب الفلسطيني) لصالح الراعي الاميريالي مقابل مكاسب لصالح السلطة و عن طريق رشوتها مثلا و هذا كان تصور بيريز لما سماه " بالشرف الاوسط الجديد" ( من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية: عبد الوهاب المسيري ) . سلطة وظيفية : فهي بمثابة جماعة وظيفية، قتالية، و أمنية ذات مهمة و وظيفة محددة، أي أنها وسيطة بين الدولة العبرية و الشعب الفلسطيني ، إذ أنها مثل تلك الإسفنجة التي تمتص الغضب الفلسطينيي و روح المقاومة في نفوس الأجيال و أداة لقمع الجماهير الثائرة . و هذا ما حدث في إنتفاضة 87 عندما تم إجهاضها بتوقيع أوسلو . سلطة الرفاهية : فهي سلطة تسعى إلى إلهاء و صرف إنتباه الشعب الفلسطيني عن الاحتلال الصهيوني، و عن الانخراط في عمل المقاومة و الفصائل الفلسطينية ذات الجناح العسكري، و ذلك من خلال تنظيم مهرجانات على مدار السنة تصرف فيها أموال طائلة ( أحيانا أموال المحصل عليها لاعمار غزة ) . و مؤخرا كان هناك مهرجان ترفيهي برام الله أطلق عليه "حرب الالوان" حيث اجتمع ثلة من الشباب و خرجوا الى الشارع ينثرون الغبار الملون على أجسادهم في إشارة إلى أن هذه السلطة تريد مثل هذا النموذج من الشباب المائع الذي أصبح كائن إقتصادي لا يعلو فكره عن المادة ، و يمكن حوسلته و تشيئه حتى لا يعارض السلطة و يثور في وجه المحتل الصهيوني .فقد كان تصور الصهاينة ما بين توقيع اتفاقية اوسلو و اندلاع انتقاضة الاقصى أنهم سيتمكنون من إحكام هيمنتهم على الشعب الفلسطيني و على الارض الفلسطينية من خلال سلطة فلسطينية، لا سلطة لها، منعدمة السيادة تماما، سلطة يمكن إفسادها عن طريق رشوتها، سلطة سياسية تقوم على إلغاء الحياة السياسية و تحكم بشكل مطلق، فتهمش الجماهير و هو ما يؤدي الى ضمور الاحساس القومي و الديني لديها و تتحول بالتالي إلى مجرد وحدات إقتصادية إنتاجية إستهلاكية تتبنى رؤية اقتصادية محضة، و من ثم ينسى الكرامة و الوطن و تركز بدلا من ذلك على تحسين مستوى المعيشة، و بالتالي يصبح من الممكن رشوتها هي الاخرى – هذه هي رؤية بيريز لما سماه "الشرق الاوسط الجديد". فقد لوح الغرب و الصهاينة للسطلة و الجماهير الفلسطينية بأشياء وردية مثل تحول فلسطين/إسرائيل و (الاردن) الى سنغافورة و هونج كونخ، و الشرق الاوسط بلد لا تاريخ له، عدد سكانه محدود، لكن إنتاجيته مرتفعة الى اقصى حد، و مستوى المعيشة فيه مرتفع الى درجة تدير الرؤوس الاقتصادية الاستهلاكية … سلطة القمع : هي سلطة تقمع كل من يحاول أن يرفض استراتيجية "المفاوضات خيار للتسوية" بل و تمسك الخناق بالمقاومة في الضفة الغربية و تعتقل كوادرها حتى من النواب المنتمين إلى فصائل المقاومة بالإضافة إلى إعتقال الطلبة داخل الكثل الطلابية المحوسبة على المقاومة و مطاردتهم و حرمانهم من إجتياز الامتحانات . كما تقوم بإعتقال كل منفدي العمليات الفردية كالطعن او الدهس… من خلال التنسيق الأمني مع المخابرات الإسرائيلية و جهاز الشاباك. و مؤخرا في ظل المواجهات الدائر بمحافظة قلقيلية شمال الضفة الغربيةالمحتلة بين الشبان الفلسطينين و جنود الاحتلال، تمكنت قوات امن السلطة من إعادة سلاح جندي إسرائيلي خطفه الشبان .! سلطة الوهم : سلطة تبيع الوهم للشعب الفلسطيني و تحاول إقناعه أن المفاوضات هي الحل الأنجع و الأقل تكلفة لتحرير الأرض ، و أن المقاومة و العمل العسكري لا يزيد إلا غطرسة الاحتلال . كما تصور لهم دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية بمثابة فردوس أرضي من خلال نموذج إقتصادي قوي ، و من جملة هذه الأوهام التي تروج لها لإعادة ترتيب عقل المواطن الفلسطيني نجد وهم دولة غزة التي تسعى المقاومة "حماس" إلى إنشاءها و الترويج أن هناك تفاوض مع إسرائيل و حماس سرا، للتوصل إلى اتفاق لتحقيق هدنة تستمر عشرة أعوام، مقابل رفع إسرائيل حصارها عن قطاع غزة. و عليه، فإن أية محاولات تحررية و ثورية لا تأخذ على عاتقها التخلص من موروث "أوسلو" ستبوء بالفشل، بل إن هذه الاتفاقية هي التي شرعنت الزحف الإستيطاني بالضفة المحتلة، مما كان له الأثر السلبي على المفاوض الفلسطيني الذي خسر كل اوراقه في جولة واحدة و راهن على الأرض مقابل السلام ، و بنى إستراتيجيته على وهم خيار حل الدولتين الذي أبان عن فشله .فالسبيل الوحيد لتدارك ما فات و في ظل هذه الانتفاضة الثالثة هو القطع مع ماضي أوسلو و تشييد حاضر المقاومة .و التحدي الاكبر هو الحفاظ على هذه الانتفاضة من اية محاولات للالتفاف حولها ، لأن نجاحها بمثابة إعصار سيجتاح الساحة السياسية الفلسطينية و سيعيد تأثيتها من جديد إما على ذوق أوسلو أو ذوق المقاومة ؟