إن البحث في "إشكالية حماية قصبة أكادير أوفلا بين الواقع والتشريع القانوني" تفرضه الضرورة الملحة المرتبطة أساسا بنضج الوعي بالتراث الثقافي في شقه المادي واللامادي عند المواطن المغربي بصفة عامة. غير أن هذه المقاربة تلزمنا بخلخلة هذه الإشكالية وإخضاعها لقانون الموازنة حتى تكون نتيجتها معادلة متوازنة الأقطاب غير متنافرة. فعصى رحى الحماية في "قصبة أكادير أوفلا" قطبها الأول هو النص القانوني التشريعي الذي يدفعنا إلى المساءلة عن ماهيته وحجيته ومصداقيته. كيف لاوهو الموضوع حارسا وحاميا قانونيا لهذه المباني التاريخية ؟ !!. وبين القطب الثاني؛ ألا وهو الواقع الذي يسقط ورقة التوت الوحيدة عن هذه المعلمة ويعري عن فداحة.. هتك النصوص القانونية وطمس الهوية والذاكرة المحلية. فالإشكال وارد: الحماية موجودة بحكم النص القانوني وغير موجودة بقوة الواقع والممارس اليوم على هذه المعلمة بدءا بالاختلاف في الاسم ما بين أكادير إيغير أو أوفلا. مسميات مهما تباينت في الاصطلاحات والمفردات فيبقى قاسمها المشترك، أنها تعني تلك المعلمة التاريخية الشامخة على الأطلس الكبير الغربي والمطلة على المحيط الأطلسي بخليج مدينة أكادير. فالأسئلة التي تتناسل وتشكل متتالية خطية في شأن هذه المعلمة في غالبها تقود إلى سؤال جوهري: لماذا هذا التناقض في نبل الخطاب والدناءة في الممارسة؟ !!. ثم هل نحن واعون ومدركون كل الإدراك بالأهمية التاريخية لهذا الإرث التاريخي وبطولاته؟. لماذا هذا التأخير في الاهتمام بهذه المعلمة إلى حدود التسعينيات من القرن العشرين؛ وبالتالي تعرضها لشوائب دخيلة عن تلك الأسوار استحال معها إرجاع الوضع إلى ما هو عليه وإزالة كل تلك الشوائب؟ كيف تمكنت الأطياف السياسية والإدارية أن تلقى بظلالها الوارفة على تدبير هذه المعلمة التاريخية؛ وبالتالي أن يحظى هذا الملف باللامبالاة وعدم الاستثمار في التنمية السياحية والثقافية المحلية والجهوية والوطنية؟ !!. ويبقى السؤال الصريح الذي يحتاج إلى إجابة شافية هو: من له اليد الطولى في هذه الإشكالية أي حماية قصبة أكادير اوفلا؟ هل الوزارة الوصية على هذا الإرث الثقافي؟ أم الجماعات المحلية باعتبار مجال تواجد القصبة يدخل ترابيا ضمن نفوذ الجماعة الحضرية لأكادير؟!!. أم السلطات المحلية باعتبارها أجهزة مراقبة وتوجيه؟ أم المجتمع المدني الأكاديري ساكنة وإعلاما؟ أم المثقفون بمعنى أدق المحليون باحثون وجامعيون؟ كل هذه الأسئلة في نسجها وربطها والإجابة عنها تقودنا إلى ما مدى جدوى هذه المعلمة التاريخية في التنمية المحلية : كيف توظف وتستثمر ولصالح من ؟. فالبحث في صيانة وحماية وترميم قصبة أكادير أوفلا كمعلمة تاريخية عملية شاقة وطويلة؛ نظرا للقصور في معلومات محققة وتطور الأساليب والمناهج المتعلقة بالموضوع؛ وإذا أردنا الإحاطة بكافة معالم القصبة في تفاصيلها وبيان مشاكلها فإن الأمر يحتاج إلى فريق عمل متخصص؛ ويحتاج إلى وقت طويل ذلك أن العمل في حماية وصيانة وترميم المواقع والمباني التاريخية يختلف من دولة لأخرى وفقا لقدرتها المالية والفنية والثقافية ونظرتها إلى التراث بكافة جوانبه. فهناك من يرى ضرورة صيانة ذلك التراث تعبيرا عن الاحترام للماضي والحرص على مواصلة الحوار معه لأنه في ذلك ربط للماضي بالحاضر وتطلع إلى مستقبل زاهر مزدهر ومتطور، وهناك من ينظر إلى التراث نظرة سلبية ويرى فيه دلالة على تخلف الماضي وضرورة التخلص منه، وقد سبب هذا تدمير كثير من المعالم التاريخية في كثير من البلدان. فالتراث الحضاري والمعماري على اختلاف أنواعه مبعث فخر الأمم واعتزازها ودليلا على عراقتها وأصالتها أي أنه معبر عن الهوية الوطنية وصلة وصل بين الماضي والحاضر، ومن المؤسف أن يكون ذلك التراث حتى وقت قريب عرضة للضياع والهدم وبالتالي الاندثار والإهمال الذي تسبب في تلفها وخرابها. فكيف إذن يكون حماية ما تبقى من قصبة أكادير أوفلا وكيف نؤهلها لرد الاعتبار لها؟. صحيح أنه لابد من اتخاذ عدة إجراءات لحماية هذا المبنى الأثري حتى يكون بمأمن عن التخريب والهدم؛ لكن أليس من حقنا مساءلة ماهية ونجاعة الإجراءات الممكن اتخاذها لحماية هذه المعلمة؟. فهل إجراء مسح أثري للقصبة والمنطقة المراد حمايتها للتعرف على مكوناتها الأثرية والتراثية والفنية وعمل مخططات أولية لها وتوثيقها وتصويرها إجراء لا بد منه وناجع؟!!. وهل إعداد قوائم بمكونات هذه القصبة المراد حمايتها توطئة لإصدار قرارات من سلطات الوصاية حتى تكون تحت مظلة الحماية القانونية أي يمكن تطبيق العقوبات التي تنص عليها؟!!. أي نجاعة للمراقبة المكثفة- فقد لا تكون الدراسات والتشريعات كافية لحماية هذا المبنى التاريخي، فكم من بناء أثري مسجل تم هدمه-؟!!. أي قيمة مضافة للتوعية والتي تتلخص في تعريف الساكنة بأهمية الآثار الثقافية والاقتصادية له ولغيره وانتهاز الفرص لإثارة اهتمامه بالتراث الحضاري واشعاره بالمسؤولية؟!!. ما مدى أهمية ونجاعة إشراك الساكنة في تحمل مسؤولية حماية قصبة أكادير أوفلا واشراكهم في اللجان والمؤسسات الحكومية والمدنية؟!!. فلغاية انجاح هذه الإجراءات وغيرها لابد من الالمام بالأهمية التاريخية لقصبة أكادير أوفلا حتى يتسنى للقارئ والمطلع الوقوف على حقيقة قيمة هذا المبنى التاريخي وبطولاته. فما تاريخ وأسباب بناء قصبة أكادير أوفلا؟!! لم تختلف المراجع والمصادر والوثائق التاريخية كثيرا عن اسباب تأسيس قصبة اكادير أوفلا، وتاريخ التأسيس وشخصية محمد الشيخ السعدي المؤسس، فقد جاءت فكرة تأسيس القصبة أساسا لمحاربة الاستعمار البرتغالي بالمنطقة وبالشواطئ الأطلنطية المغربية،إذ مهدت القصبة لطرد البرتغاليين من المغرب. قصبة أكادير أوفلا أو كما سماها البرتغاليون قصبة البيكو EL bico لكي يميزوها عن قصبتهم سانتا كروز دوكاب دوكير البرتغالية؛ وهي قصبة شيدت على قمة التل الذي يشرف على مرسى أكادير الحالي،وتعتبر الشاهد الرئيسي على تاريخ مدينة أكادير والأدوار التي لعبتها إذ تكفي الإشارة إلى أن ميناءها كان حلقة وصل بين المغرب وأوربا وإفريقيا. "...يرجع تاريخ تأسيس القصبة إلى العقد الرابع من القرن السادس عشر الميلادي، في عهد محمد الشيخ السعدي، حيث جاء في ابن القاضي في معرض مآثرأبي عبد الله محمد الشيخ السعدي،"إنه أول من اختط مرسى أكادير بالسوس الأقصى سنة سبع وأربعين وتسعمائة 947 ه الموافق 1541.لما أجلى النصارى من الوضع المعروف بفونتي على مقربة من أكادير المذكور،وكان له في اختطاطه راي مصيب وفراسة تامة". وفي نقيض لإبن القاضي كان يتحدث عن المرسى التي تكون عادة ملاصقة للبحر فإن أي النصارى عوضوا كلمة المرسى في العنوان بكلمة الحصن الذي يوجد في أعلى التل،ووقع عدد من المؤرخين في الخلط بين الميناء والحصن،وبين الموقعين كما نعلم مسافة تحتاج إلى الجهد،وكان هذا على نحو الذي وقع فيه آخرون عندما لم يميزوا بين"اكادير وإغير"كان مكان أكادير يسمى في القديم إغير إفرني، ولاشك أن أكادير – الحصن- الذي بناه محمد الشيخ الأول السعدي سنة 947 ه (1541) يقع على جبل عال منعزل، وقد جاءت فكرة تشييد قصبة على قمة المرتفع الذي يهيمن على الموقع البرتغالي، وحسب تقرير كتب حول سقوط هذا الموقع البرتغالي فإن السلطان مولاي محمد الشيخ ابتدأ يوم 26 شتنبر 1540الموافق 24.جمادى الاولى 947ه .في تشييد قصبة على قمة المرتفع وقد أحاطها ببروج (صقالات) محصنة في ظرف أقل من شهرين...ونصب هناك زهاء أربعين أو خمسين مدفعا. وهكذا فإن اللبنات الاولى للقصبة كانت من وضع محمد الشيخ في إطار الاستعداد لتضييق الخناق على البرتغال. يستنتج بهذا ان محمد الشيخ السعدي هو أول من بدأ في تشييد قصبة أكادير أوفلا. وبعد تحقيق النصر على المحتلين، اهتم السعديون بالميناء واستغنوا فيما يظهر عن القصبة،لكنهم لم يلبثوا بعد وفاة محمد الشيخ أن عادوا إلى الإعتناء بها...فقد وصلت الأخبار إلى السلطان مولاي عبد الله بن محمد الشيخ سنة 1575الموافق 979ه بأن دون سيبستيان ملك البرتغال سلح أسطولا قويا في لشبونة،الأمر الذي شغل العاهل المغربي المذكور الذي خشي أن يكون القصد من هذا الإستعداد هو التوجه لضرب"سانتا كروز". وكان هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل مولاي عبد الله ابن محمد الشيخ السعدي يأمر بإعادة بناء القصبة بناءا متينا وفي مدة زمنية قصيرة.ولتمكين المولى عبد الله من إنجاز العمل المتمثل في إعادة البناء في اقرب ما يكون.جهز إليه الفي نفر من المرتزقة والأتراك إلى جانب أربعة آلاف فرس من اجل تحقيق هذا الهدف، الامر الذي مكن فعلا من إنهاء العمل في ظرف سبعة شهور.وقصبة أكادير أوفلا عمل خاص من أعمال الغالب بالله،عكس ماذهب إليه البعض على أن القصبة كانت تحتفظ ببقايا الحصن البرتغالي. ولقد بدأ عبد الله الملقب بالغالب بالله إعادة بناء هذه القصبة في سنة 1572 أي 21 سنة بعد ان شيد محمد الشيخ السعدي قصبة أكادير أوفلا سنة 1541...". فما هي أسباب تأسيس قصبة أكادير اوفلا؟ يرجع السبب الرئيسي في تأسيس قصبة أكادير اوفلا أو كما سماها البرتغاليون" البيكو"EL BICO لتمييزها عن الحصن الذي شيده البرتغاليون "سانتا كروز". وفي روايتين لوثيقتين مختلفتي المصادر يتضح تقارب الأحداث : ب– قد ذكرت الوثائق الفرنسية اسم المغامر البرتغالي الذي اسس الحصن المذكور وهكذا جاء في الوثائق المترجمة عن الكونط دي كسر السلسلة الاولى فرنسا مايلي : " أسس جان لوبز دو سكيرة البرتغالي سنتاكروز سنة 1505م من عند نفسه ثم راى إيمانويل ملك البرتغال إذ ذاك مركزها المهم فاعطى للمذكور ما أداه في بنائها، فبنى هناك قصبة وذلك المكان أبرز نقطة في البحر المحيط من الشاطئ المغربي وبه تنتهي سلسلة جبال الأطلس". الرواية البرتغالية: حيث إن الملك البرتغالي إمانويل الأول أمر يوحنا لوبص دي شكيرا على إقامة هذا الحصن على أسس جديدة. وقد عمل يوحنا لوبص دي شكيرا على إقامة هذا الحصن في "كود نبار دو كاب دو كير"في 1505 بموافقة الملك إيمانويل الاول. فباعه بعد ذلك لنفس الملك لأنه لم يكن قادرا للدفاع عنه فنحاه الملك على ذلك ولا يبدو أنه كان هناك استيلاء برتغالي قبل 1505. وفي مقاربة بسيطة لهاتين الوثيقتين الفرنسية والبرتغالية يتضح ان لوبز دي شكيرا عمل على بناء الحصن دون ان تكون له نية في الإستيلاء على المنطقة، أما مخطط الإستيلاء أو الإستعمار فيمكن ترجيح الملك البرتغالي إمانويل الذي دفع أموالا طائلة إلى لوبز دي شكيرا من أجل التنازل عن الحصن. وفكرة تشييد الحصن البرتغالي لم تأت عبثا، بل جاءت للأهمية القصوى لماء العين التي سميت"فونتي داكوا دي نربا"وهي ماء عين بالغة العذوبة، حط الرجال البرتغاليون بجوارها وبنوا قلعة،كانت في البداية حصنا من خشب أقامه دييكو لوبيز دي شكيرا عل نفقته داخل هذا الرأس من أجل صيد السمك في ذلك البحر، ولما علم الملك دم مانويل فيما بعد بالاهمية البالغة لهذا المكان بالنسبة للملاحة في البحر، ولغزو إفريقيا أخذ الحصن وأدى إلى دييكو لوبيز دي شكيرا جميع ما صرف عليه من النفقات. ثم وسع هذا المكان وأحاطه بأسوار وأبراج مشيدة مشيدة بالجير والحجر كمدينة محصنة والعين التي تسيل بالقرب من سيدي بو القنادل كانت مطوقة داخل الحصن، ووجودها هناك بالذات هو الذي الهم البرتغاليين اختيار المكان الذي بنوا فيه حصنهم.فالتموين بالماء مضمون والبحر الذي كان يرتطم بأسفل الأسوار يضمن الإتصال بالمملكة إذ لم ينقطع معها حتى في حالة حصار. وقد جاءت فكرة بناء حصن اكادير اوفلا في إطار صراع المغاربة ضد الإحتلال البرتغالي للمنطقة، واحتلال البرتغاللأكادير جعل السكان ينظمون صفوفهم ويدعون إلى الجهاد. وقد رسخ مفهوم الجهاد في المنطقة الملوك السعديون وعلى رأسهم محمد الشيخ السعدي، وقد تضامنت مع السعديين عدة قبائل، مايقارب خمسين قبيلة كل قبيلة ساهمت بما يقارب خمسيين فردا مجهزا،وفي نفس الوقت اعتمد محمد الشيخ السعدي على اعوان وأتراك وعلوج كثيرين وأضحت فرقة زمانه أفضل من فرقة سلطان فاس كل هذا من أجل الجهاد ضد الكفار أو العدو البرتغالي،وبعد المقاومة الوطنية الأولى من أجل طرد وإجلاء المستعمرين البرتغاليين عن أكادير بصفة خاصة وباقي الثغور المغربية بصفة عامة، لكن سرعان ما اتفق الطرفان على هدنة بين الملك البرتغالي ومحمد الشيخ السعدي، وإن كان المؤرخون سواء المغاربة أو الأجانب يختلفون في تحديد مدة الهدنة فهناك من يقول ثلاثة أشهر وهناك من يقول ثلاث سنوات. واتجاه ثالث يقول بأن الهدنة دامت اربع سنوات، وقد جرت هذه الهدنة على إثر مفاوضات قصد الهدنة في 28 مارس 1536 بين لويس دي لوريرو وشريف سوس، والمعلوم ان الهدنة انتهت قبل نهاية 1540 وهو التاريخ الذي بدأ فيه الشريف محمد الشيخ السعدي استعداداته لمحاصرة سانت كروز، ولما انتهت مدة صلاحية الهدنة في شتنبر 1540 صرح محمد الشيخ أنه لن يجدد العقدة مرة أخرى وبدأ مباشرة في تنصيب الحصار أمام الحصن. ولما لاحظ المحاصرون وصول قطع السلاح، وبناء قلعة على البيكو أي قلعة اكادير أوفلا، طلب الحاكم الإغاثة لكن جاءت متأخرة إذ حالت أحوال الجو دون إرسال التعزيزات اللازمة. مع العلم أن محمد الشيخ قد رصد جيوشا كثيرة حول حصن سانتا كروز، من رماة البنادق والفرسان: وبعد خمسة عشر يوما، أتوا بمدافع ثقيلة توجد من بينها ستة من نوع "ميمونة". حاصر الملك اكادير أياما عديدة، فاستسلمت له حاميتها، وسبى كل البرتغاليين الذين كانوا يتواجدون فيها...وحقق الشرفاء نصرا بينا بقضائهم على البرتغاليين في اكادير. بعد سقوط الحصن في يد السعديين،أدرك الملك البرتغالي يوحنا الثالث معنى التحذير الذي كان يوجهه له الشريف محمد الشيخ من إجلاء البرتغاليين عن اكادير، بل أكثر من ذلك يسجل سقوط سانتاكروز حدثا تاريخيا مهما، إذ يعتبر أول هزيمة للبرتغاليين في المغرب،حيث تفادى البرتغاليون الدخول في مواجهات أخرى مع محمد الشيخ وغادروا أزمور وآسفي انطلاقا من أواخر 1541. افلا تستحق هده الامجاد والبطولات ان ننفض عنها غبار النسيان ونرد الاعتبار لقصبة كثر اللغط حولها اكثر من الفعل والاجراة؟