لا يتعلق الأمر ببرنامج تلفزي، ولكنها حلقة من حلقات معاناة الساكنة الطنجاوية مع شركة النقل الحضري بطنجة. فيوم السبت الماضي 9 أكتوبر 2010 انتظر المواطنون قدوم حافلة النقل الحضري على الخط الرابط بين المجمع الحسني وحي "ادرادب" ، لأكثر من ساعة كاملة من السادسة مساء إلى حدود السابعة وعشر دقائق، الحافلة الحضرية التي تتفنن كعادتها في استفزاز أعصاب زبنائها، في ظل سوء خدمات مركبات النقل المزدوج وارتفاع تعريفتها هذه الأيام بشكل مفاجئ بالتزامن مع تطبيق مدونة السير، في تناقض صارخ وفاضح ينم عن غياب الرقابة على خدمات النقل، كل ذلك ينضاف إلى ندرة التاكسيات الكبيرة، وغلاء أسعار سيارات الأجرة الصغيرة . وربما تعود الركاب وخاصة منهم تلاميذ الثانويات والمدارس على ماراتون الانتظار الممل والمقرف والمذل . لكن جديد هذه الرحلة كان استثنائيا في لائحة خدمات شركة النقل الحضري السيئة، ولست بحاجة إلى ذكر الكثير عن سمعتها المفلسة ، بالنظر إلى لائحة قتلاها الطويلة، منذ أن تم الترخيص لها باحتكار النقل الحضري بطنجة منذ حوالي سبع سنوات. انطلقت رحلة السابعة وعشر دقائق وبدأ صياح أحد الركاب غير العاديين، وسبه وشتمه للركاب بألفاظ نابية، وظلت استفزازاته المخيفة للأطفال الصغار والنساء والفتيات، في الوقت الذي كانت تنبعث منه رائحة "السيليسيون" القوية. واستمر مسلسل معاناة الركاب مدة نصف ساعة، بالرغم من تدخل عدد منهم لثني "الشمكار" عن تصرفاته المستفزة. قبل أن يتم التدخل سريعا من طرف أحد أفراد شرطة الاستعلامات، الذي ألقى عليه القبض بمساعدة بعض الركاب انطلاقا من محطة "كاسابراطا"، وتدخل فرقة شرطة للمساندة. الطريف أن المعتقل الذي قاوم اعتقاله بشدة أثارت رعب جميع الأطفال والنساء بالحافلة، كان قد حصل على تذكرة ركوب من السائق، وقد احتج بها كثيرا للتعبير في ما اعتبره حقه الطبيعي في امتطاء الحافلة. ولم يتم إنزاله من الحافلة إلا بشق الأنفس، لتدوم رحلة الركاب القصيرة ساعة كاملة من الجحيم. للأسف فإن شركة "أوطاسا" لم تعد تهتم لضبط أوقات انطلاق وعبور حافلاتها، وتقتصد أكثر فأكثر في تغذية مختلف الخطوط بالحافلات الكافية، من دون أن تعبأ للتبعات السيئة لهذا الاستهتار، والتي لن تكون سوى فوضى مجتمعية تستهتر أكثر فأكثر بقيمة الوقت في حياة المواطن، وتخلق مشاكل عدة للتلاميذ والموظفين والركاب في مواعيد الدخول والخروج والتنقل عموما. ولسنا بحاجة لأن نذكر الشركة الأم لأوطاسا بهذا التناقض في خدماتها، بين تلك التي يتم تقديمها بإسبانيا وهذه التي نراها منها كل يوم بطنجة، ولسنا بحاجة إلى أن نعبر ضفة المتوسط لإقامة مقارنة على مستوى خدماتها الرديئة، بل إن عدة أمثلة وطنية تعد أهون بكثير مما يجري حاليا من اختناق ومشاكل بالنقل الحضري بطنجة، كمثل حالة النقل الحضري بالرباط، وتطوان ومراكش، وجميعها لا تجعلك تنتظر كثيرا لولوج الحافلة. إن المجلس الجماعي لطنجة يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عن هذا الوضع المزري الذي بلغته طنجة هذه الأيام، والتي يفرضها تحمل مسؤولياته المنصوص عليها بهذا الخصوص ضمن المادة 39 من القانون رقم 17.08 بمثابة ميثاق جماعي، والمرتبط بقلة العرض الخاص بالنقل الحضري، وإن أحد مؤشراته البادية للعيان ، تتمثل في كثرة الركاب الذين ينتظرون على قارعة الطريق ، وفي محطات الحافلات وسيارات الأجرة . إن مسؤولية المجلس الجماعي عن هذا الوضع تتمثل في مراقبة سلامة وحسن تطبيق عقد التدبير المفوض المخول لشركة النقل الحضري أوطاسا، لكن المجلس بعيد كل البعد عن تحمل مثل هذه المسؤولية، بالنظر إلى انشغاله بصراعاته المصلحية والسياسية ومواسمه الانتخابية. ما يفرض ضرورة تدخل وزارة الداخلية وفق ما تنص عليه المادة 139 من القانون 17.08 قصد حسن تنظيم النقل والسير بالمجال الحضري. إن المواطن الطنجاوي بحاجة إلى من يلتفت إلى حاجاته اليومية الحقيقية، مثل توفير النقل الحضري وفق شروط تصون كرامته وتحفظ أمنه، إنه بحاجة إلى مراقبة لأسعار الخضر، حتى لا يصبح غلاؤها فاحشا كما حصل هذه الأيام، إن المواطن الطنجاوي بحاجة كذلك إلى حلول تساهم في تنمية المدينة وتخلق فرص الشغل والأمن والراحة والسكن، ولسنا بحاجة إلى تطاحن سياسي يعطل مصالح المواطنين، ويهدد مستقبل المدينة. إن ما أعلنت عنه شركة "أوطاسا" من تعزيز لأسطولها باثنتين وثلاثين حافلة جديدة، لا يعدو أن يكون درا للرماد في العيون، على خلفية قرب انتهاء عقدها السنة القادمة. وهو أسلوب قديم سيء النية يعتمده كثير من السياسيين خلال المواسم الانتخابية، التي يتم خلالها تعبيد كل الحفر التي تراكمت خلال ست سنوات من عهدة الانتداب الجماعي أو البرلماني. والأكيد أن السنة القادمة ستجعل الكثيرين من أعضاء المجلس الجماعي لطنجة، من أولئك الغارقين في زهوة الانتداب الجماعي، وغفلة الجري وراء مصالحهم الشخصية، يلتفتون مجددا إلى ذلك المواطن البسيط الذي يملك ناصية رقابهم بتصويته العقابي.