وما يزال الاستيلاء على الأراضي من طرف مافيا العقار حديث السكان، حيث تمارس الخروقات القانونية الفظيعة التي تجري باسم القانون نفسه، وما ذلك إلا بسبب تواطؤ المسؤولين بما فيهم المجالس البلدية والوكالة الحضرية ومصلحة مراقبة البناء في ولاية مدينة طنجة. مساحات خضراء شاسعة كانت في الأصل محميات طبيعية يتم قطع أشجارها واستغلالها أبشع استغلال، مثل الغابة الدبلوماسية وغابة السانية وكثير من المحميات الطبيعية في طريق المنار المؤدية إلى القصر الصغير، ومتنفسات المدينة الطبيعية التي كان يأوي إليها السكان تغلق الواحدة تلو الأخرى، والعمارات الشاهقة تنبت الواحدة تلو الأخرى أمام خليج المدينة، بحيث يرخص هناك ببناء عمارات من أزيد من 15 طابقا، حتى إن مدينة طنجة قد بدأت تتحول إلى مجال ضيق مختنق لا مكان فيه لضوء النهار، وفي نفس الآن يتمادى اللوبي العقاري في المزايدة على الأسعار ليصل ثمن المتر الواحد للشقق في بعض الحالات إلى أزيد من 20 ألف درهم! في "زنقة الفرزدق" التي تقع في "بلاص موزار" بطنجة، وهي منطقة كان تصميم تهيئتها لا يسمح بأكثر من أربعة طوابق، فذلك أقصى ما يمكن أن تتيحه طريقها الضيقة، رغم ذلك تم تحويل تصميم تهيئتها فجأة ليسمح بسبعة طوابق، والمصيبة أنه حتى تصميم التهيئة الجديد لم يحترم، لأن المضارب العقاري الذي استولى على ذلك الحي قام ويقوم ببناء عمارات من عشرة طوابق كاملة! وألحق أضرارا بالغة بأحد المنازل الكائنة بزنقة الفرزدق، حيث عرَّى على أساسه بخمسة أمتار في عمق الأرض وهو لا يتجاوز طابقا واحدا، وأحدث به شقا عميقا. فمن المُحَاسَبُ إذن؟ هل هو المضارب العقاري الذي أغرقه الطمع والنهم فأصمَّهُ وأعمى بصره عن كل شيء، أم هي الإدارة المتواطئة المشتركة في الجريمة؟ وأي إرادة تتحكم في ذلك؟ هل هي إرادة الإدارة أم إرادةٌ أخرى تتلاعب بالإدارة وتسير بها إلى حيث تشاء؟ أما تجزئتا "منى" و"الزهور" عند مفترق الطرق بشارع مولاي رشيد ففضيحة أخرى، فعلى جوانب طريق ضيقة لا يتجاوز عرضها سبعة أمتار، وبين عشرات الفيلات المبنية، ترخص الوكالة الحضرية لمدينة طنجة ببناء عمارة من ثمانية طوابق! وقد شرع في بناء أخرى إلى جانبها، وأخرى أمامها بين فيلتين، ويقوم أحد الذين يحاولون تبييض أموالهم القذرة بشراء قطع أخرى بتجزئة "منى" بين عشرات الفيلات الأخرى، وقد شرع بالفعل في أعمال الحفر دفعة واحدة، رغم أنف عشرات السكان ضحايا هذا الإجرام، ورغم أن الخبرة المجراة بالمنطقة قد أثبتت أن بنيتها التحتية لا تقدر على استيعاب أكثر مما هيئت له، وهو فيلات من النوع المتوسط. فما الذي يجعل اللوبي العقاري بالمدينة يمتد طمعه إلى مثل تلك المناطق؟ إن الهدف بوضوح كان هو الحصول على القطع الأرضية بثمن زهيد، ثم بناء عمارات عليها بعد ذلك، وهو ما حصل بالفعل في تجزئتي "منى" و"الزهور"، حيث تواطأ اللوبي العقاري مع المسؤولين لتغيير تصميم التهيئة إلى منطقة عمارات، ولم يراع في ذلك ما تنص عليه المادة 25 من قانون التعمير المغربي بضرورة إجراء بحث علني، وهو الأمر الذي جعل ملاك الأراضي هناك لا يعلمون بأن قيمة ممتلكاتهم قد ارتفعت بعد أن أصبحت قابلة لتبنى عليها عمارات، وظلوا يبيعون القطع التي في حوزتهم بثمن الأراضي المخصصة لبناء الفيلات، وحتى يظل الأمر مخفيا وبتواطؤ واضح من طرف المسؤولين، إستمرت الإدارة في الترخيص ببناء فيلات على القطع المتواجدة بالتجزئتين المذكورتين، وذلك بعد تاريخ المصادقة على تصميم التهيئة الجديد الذي جعلها منطقة عمارات، ومنها حالة القطعة رقم 21 من تجزئة الزهور، حيث مُنِحَ صاحبُها إذنا ببناء فيلا يحمل رقم 131/04، وكان ذلك بتاريخ 9/4/2004، بينما تصميم التهيئة القديم الذي يقضي بأن تجزئتي الزهور ومنى هي منطقة خاصة بالفيلات قد انتهى العمل به سنةً قبل هذا التاريخ، وهو ما يخالف بشكل سافر مقتضيات المادة 27 من قانون التعمير، والتي تقضي بأنه لا يجوز الإذن في أي عمل من أعمال البناء التي تخالف تصميم التهيئة المعمول به. والذي يزيد من تأكيد ذلك أن تصميم تجزئتي "الزهور" و"منى" وضيق طرقاتهما والحالة الضعيفة لبنيتهما التحتية تجعل من المستحيل تصور تحويلهما إلى منطقة عمارات، وقد استبعد سكان التجزئتين أن تقدم الجماعة الحضرية على مثل هذا الأمر. ولم يفاجأ السكان بواقع تصميم التهيئة الجديد إلا عندما علق مالك إحدى القطع القليلة الفارغة بتجزئة منى لا فتة بالبيع، ورد فيها أن هذه الأرض صالحة للبناء العمودي R+4، ويتعلق الأمر بالأرض الواقعة على شارع مولاي رشيد بمحاداة معهد مولاي عبد العزيز، فسارع السكان المتضررون للتأكد من الأمر فاكتشفوا باستغراب واستنكار أن تصميم التهيئة قد تغير، وقاموا بمراسلة الوالي محمد حصاد في الموضوع بتاريخ 21 يوليوز 2005، وكان ذلك مباشرة بعد توليه لمنصبه الجديد كوالي مدينة طنجة، وحملت الرسالة توقيعات السكان، ثم قام السكان من جديد بمراسلته مرة ثانية بتاريخ 26 فبراير 2006، ولم يتلقوا أي رد! واستمرت المراسلات بعد ذلك دون انقطاع، ولم تستثن أية جهة من الجهات المسؤولة. بعد ذلك أصبحت التجزئتان المذكورتان هدفا مباشر للمضاربين العقاريين الذين يستولون على مدينة طنجة ويتحكمون في مصيرها بتواطؤ مع الإدارة، وقد قاموا فعلا بشراء القطع الفارغة بالتجزئتين وشرعوا في أعمال البناء بسرعة خيالية، وفي غضون 4 أشهر فقط تم بناء عمارة عشوائية بين الفيلات، ولم يحترم فيها حتى تصميم التهيئة الجديد، وتجاوزت سبعة طوابق في مخالفة سافرة لكل المعايير والمقاييس، وبتواطؤ مكشوف مع المسؤولين، بشكل جعلهم يضربون عرض الحائط الاحتجاجات المتواصلة للسكان على هذا العبث الحاصل. ذلك مثال من بين كثير من الأمثلة التي تطرح للمسؤولين وغير المسؤولين مأساة حقيقية تعيشها مدينة طنجة هذه الأيام، مأساة تحز في أنفس السكان وتستفز مشاعرهم المتعلقة بمدينتهم التي يحبونها، إلا أن أحدا منهم لا يستطيع فعل شيء، إذ كيف يمكن فعل شيء إذا اجتمعت سلطة المال التي يمتلكها اللوبي العقاري مع تواطؤ المسؤولين، ذلك ما يجعل الأمر في غاية التعقيد والصعوبة، وما يهدد بمزيد من الخطر! عبد الله آيت وابي طنجة