بعد الخصاص الذي أضحت تعرفه إسبانيا على مستوى الأراضي العقارية، سارعت أغلب شركاتها إلى مناطق الشمال بهدف الاقتراض من البنوك المغربية للاستثمار في المجال السياحي، حيث تم تفويت آلاف الهكتارات لها من أملاك الدولة الغابوية أو عن طريق نزع الملكية لآخرين بحجة «المصلحة العامة» رغم فقدان شركة «مارتينسا-فاديسا» الإسبانية، المختصة في الإنعاش العقاري والمتواجدة بالعديد من دول العالم من بينها المغرب، 33.8 في المائة من قيمة أسهمها في البورصة، فقد أكدت عنبر الدليرو، المسؤولة عن التسويق بشركة فاديسا بالمغرب لوكالة إيفي، أن «الأزمة لن تؤثر علينا في المغرب في أي شيء». وحسب نفس المصدر، فإن «50 في المائة من رأس مال الشركة الإسبانية أصبح في يد مجموعة الضحى، ». كما أنه «ليست هناك أية تداعيات لأزمة فاديسا في المغرب، لأن الشركة اقترضت أموالا خاصة بها من البنوك المغربية»، تقول عنبر الدليرو، التي اعترفت بأن بعض زبنائها في المشاريع الحالية المقامة بالمغرب بدؤوا يشعرون بالقلق. وتستدرك الدليرو«بل إننا كنا نساعد شركة مارتينسا-فاديسا بإسبانيا»، في إشارة منها إلى أن فاديسا المغرب كانت تقدم إعانات للشركة الأم بإسبانيا تفاديا لإفلاسها. ومن بين المشاريع التي أعلنت في الأشهر الأخيرة من قبل فاديسا المغرب يبرز الاتفاق الموقع في شهر، من أجل بناء ملاعب للغولف ومراكز التسوق و30،000 سرير في كلميم-السمارة على الساحل المغربي قبالة جزر الكنارى، حيث يتعلق الأمر بشاطئ يمتد على طول 40 كيلومترا، ويغطي مساحة 695 هكتارا، حيث تم الإعلان عن بناء فنادق من صنف 4 و5 نجوم، وملعبين للغولف من 18 حفرة. كما أن فاديسا المغرب، والتي تملك مجموعة الضحى نصف أسهمها، انطلقت في مشاريع عقارية بقروض مغربية، في كل من الدارالبيضاء، السعيدية، مراكش، أسمير بالمضيق، وطنجة، وأكادير، والرباط، وبذلك تعتبر من أكبر المستثمرين الأجانب الذين يستثمرون داخل المغرب بقروض مغربية، حيث تفتخر الشركة بوعائها العقاري الذي تبلغ مساحته 4.720 ملايين متر مربع. أكثر من ذلك، فإن الامتيازات التي تحظى بها الشركة في المغرب، بينما هي على وشك الانهيار بإسبانيا، لا تعد ولا تحصى. ففي سنة 2007، تم الإعلان عن الانطلاق في إنجاز مشاريع سكنية وسياحية ضخمة في السواحل المتبقية بعمالة المضيق والفنيدق بقيمة مالية قدرها 300 مليون أورو على مساحة 84 هكتارا في منطقة أسمير و145 هكتارا بمرجة اسمير، وهي المرجة التي تعتبر محمية طبيعية دولية. تحالف من نوع خاص أما في تطوان، فتتكرر للمرة الثانية مأساة عدد من أصحاب الأراضي الفلاحية والمنازل السكنية مع قضايا نزع الملكية في الشمال لأهداف تم تحديدها مؤخرا في الجريدة الرسمية بإنجاز «التجهيزات الكبرى» على الطريق المؤدية إلى مدينة سبتة، أو ما يطلق عليه في مدينة تطوان بمنطقة النيغرو. يتساءل العديد من سكان تطوان حول الهدف الحقيقي لعمالة المضيق–الفنيدق، بالاشتراك مع مؤسسات عقارية ضخمة، من وراء نزع ملكية 124 هكتارا لأكثر من 1300 أسرة مستفيدة من ملك أراض الأحباس الخاصة، و«أحباس ليلة القدر» للكوف الفوقي والكوف السفلي الكائن بتطوان جبالة، جماعة الملاليين، بقيادة الفنيدق. وحسب المادة الثالثة من القرار الصادر في الجريدة الرسمية عدد 27 فبراير 2008، فإنه «يفوض حق نزع الملكية إلى مجموعة التهيئة العمران البوغاز»، حيث تقول المادة الرابعة من نفس القرار: «يعهد إلى وزير السكنى وتهيئة المجال وإلى المدير العام لمجموعة-البوغاز بتنفيذ ما جاء في مشروع المرسوم، كل واحد في ما يخصه». تشريد باسم السياحة تقول عائلة البطيوي، وهي إحدى الأسر التي سيتم نزع ملكية أراضيها في المنطقة، إنها تقيم في أرضها منذ سنة 1903،حين استقر جدهم هناك لمقاومة المستعمر المتواجد في الثكنة العسكرية بكدية السلة، وتضيف العائلة أنهم فكروا منذ سنوات في إنجاز مشروع على تلك الأرض مع مستثمر من مدينة سبتة، لكن كان العائق الوحيد دائما هو إعداد ملف التحفيظ. وتصف الأسرة قرار نزع الملكية بالغامض، خاصة وأن المسؤولين بعمالة المضيق-الفنيدق يرفضون الإجابة عن تساؤلاتها في هذا الشأن، وتتخوف الأسرة على مصيرها ومستقبلها بعد طردهم من أراضيهم ونزع ملكيتها عنهم، بحجة بناء مركبات سياحية هم أنفسهم مستعدون لإقامتها. من جهتهم، يعتبر ورثة اللبا دي، وهم ملاك أحباس ليلة القدر للكوف الفوقي والسفلي، أن قرار الدولة بنزع ملكية 16 هكتارا من أصل 33 تقع ضمن أملاكهم، هو قرار مستهجن «مادامت الدولة لم تحدد أصلا حقيقة المنفعة ولا طبيعة التجهيزات الكبرى المعلنة». وحسب عائلة اللبادي، فإن تواجدهم في قطعتهم الأرضية يعود إلى سنة 1313 هجرية، حسب ما هو مثبت عندهم من ظهائر سلطانية ووثائق تتجدد إلى يومنا هذا، وذلك بصفتهم «ذوي الحقوق العينية على الأرض تحت عقد «الجزاء بالتبقية» المبرم مع أحباس ليلة القدر الذي خولهم حق الاستغلال والتصرف مقابل مبلغ يدفع كل سنة بمناسبة حلول ليلة القدر». وتقول العائلة إنها عملت منذ ذلك الحين في المجال الفلاحي بأرضهم، كما أقاموا دورا سكنية لهم وإسطبلات لماشيتهم، حيث تعاقدوا في سنوات العشرينات مع أحد فلاحي المنطقة للإشراف على تسيير واستغلال الأرض فلاحيا. معاناة ورثة البادي مع المحافظة العقارية هي نفس معاناة الآخرين بمصلحة التحفيظ العقاري التي ترفض تقديم طلب التحفيظ بمبررات غير معروفة، وهو ما يطرح التساؤل حول «معرفة هذه المصلحة مسبقا بأهمية هذه الأرض» التي أصبحت تسيل لعاب الكثيرين، نظرا لموقعها الاستراتيجي والتي سيلتهمها تسونامي العقار تحت يافطة «إنعاش السياحة». «حاولنا عدة مرات وبمرافقة النواب الشرعيين تحفيظ الأرض عقاريا تحت اسم أحباس ليلة القدر الخاصة، لكن واجهتنا عراقيل كثيرة من طرف الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية منعتنا من تحقيق ذلك وحماية الملك الحبسي»، يقول محمد رضا اللبادي. معاناة ورثة اللبادي مع نزع الملكية ليست وليدة اليوم، فالورثة مازالوا يجهلون مصير مبلغ 600 مليون سنتيم التي تم تخصيصها لأحباس ليلة القدر ولذوي الحقوق منذ سنوات خلت كتعويض لهم عن نزع ملكية أرضهم من أجل تشييد مركبات سياحية في المنطقة خلال الثمانينيات. كما يستغرب الورثة رفض الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية قبول مطلب التحفيظ، بينما قبلت بذلك في حالة مماثلة تخص ورثة عبد القادر الرزيني. لكن الوكالة، وفي محاولة منها لاستدراك خطأ قبول مطلب تحفيظ الرزيني، أصبحت تماطل في التحفيظ لصالح الورثة منذ ذلك الحين إلى غاية اليوم بحجة «التعرض»، وهي الأرض التي سيشملها أيضا قرار نزع الملكية. لكن نفس المحافظة العقارية لم تطرح أبدا إشكالية «التعرض» المعروفة على الوزير والسفير السابق والمنعش العقاري المعروف أحمد السنوسي، الذي تمكن بتاريخ 13 يونيو 2005 من تحفيظ الملك المسمى «غنيوات» بمساحة 127 هكتارا، وهي أرض سلالية مسكونة وفي ملكية السكان، كانوا يستغلونها فلاحيا منذ عقود. وقد احتج حينها السكان على هذا التحفيظ منذ مدة طويلة، إلا أن المحافظة العقارية سلمت السنوسي شهادة تحفيظ رقم 836/19، جاء في نصها أنه «لم يتقدم عليه إلى حد الآن أي تعرض». إن جل الأسر الذين التقت بهم «المساء» في هذا التحقيق يستنكرون نزع ملكيتهم مثلما يتخوفون على مصيرهم، كورثة الحاج هلال، وبولعيش الذي توفي أحد إخوته مؤخرا بسبب نوبة قلبية بعدما علم بقرار نزع الملكية. لقد أصبحت أراضي مدينة تطوان، وخصوصا على الشريط الساحلي المعروف بتامودا بي، بمثابة منجم ذهب، فتهافت شركة شركات العقار عليها أصبح يطرح أكثر من تساؤل حول «حقيقة وهوية الأشخاص المستفيدين من هذه المشاريع المدرة للملايير من الأرباح على أصحابها باسم تأهيل المنطقة سياحيا»، فيما كل سكان تطوان يعرفون جيدا نهاية كل ذلك، الذي يتلخص في إقامة محميات سكنية خاصة للأثرياء الأجانب والمغاربة محاطة بمتاريس تمنع الولوج إلى شاطئ البحر الذي هو ملك للجميع، والذي يعتبر المتنفس الوحيد لسكان المدينة، مثلما يحدث حاليا بمدينة الفنيدق حيث يتم تشييد شريط من الشاليهات في ظروف غير معروفة، على بعد 20 مترا من شاطئ البحر، ضد كل القوانين الدولية في هذا المجال والتي تقول إن الشاطئ ملك بحري لا يجوز الاستيلاء عليه ولا البناء فوقه إلا في حالات خاصة جدا وهي الحالات التي لا ينطبق عليها ما سبق ذكره. الإيداع والتدبير لمدينة تطوان سوابق وحالات متعددة من نهب العقار تتشابه فيما بينها في الشكل وتختلف في الصفة، آخرها ما يحدث مؤخرا بين ورثة عبد القادر الرزيني وصندوق الإيداع والتدبير،الذي شرع منذ 2006 في التسويق لمشروعه «تامودا هيلز»، الذي من المقرر أن تنطلق أشغاله صيف هذه السنة. في حين يعترض، متضررون على المشروع باعتباره سيشيد على أرض محبسة أصلا للخواص. وسبق لعبد السلام الرزيني ممثل ورثة الرزيني، الذين يملكون حقوق الجزاء في ملك أحباس ليلة القدر بجماعة الكوف الفوقي والسفلي، أن التقى سنة 2006 بعامل المضيق/الفنيدق، حيث أكد له هذا الأخير أن «إدارته ستقدم له دعمها في حالة توفره على مشروع استثماري جدي». بناء عليه، سيوجه عبد السلام رسالة إلى عامل الإقليم يشعره فيها بأن رئيس مجموعة سويدية رائدة في قطاع التعمير والبناء على استعداد للقائه من أجل تقديم المشروع، لكن ثلاثة أيام فقط قبل موعد اللقاء، سيلغي العامل الاجتماع المقرر عقده مع المجموعة الاسكندنافية. بعدها بثلاثة أشهر، سيقوم العامل باستدعاء الورثة، حيث اقترح عليهم قطعة أرضية بديلة لكون «الوضعية العقارية للأحباس تطبعها بعض الإشكاليات»، وبعدما رفض ورثة الرزيني «عرض» العامل، «هددنا بنزع ملكية أرضنا»، يقول عبد السلام. وفي 31 يناير 2007، سيقوم الورثة مجددا بإيداع مشروع استثماري ضخم تحت اسم «جوهرة المتوسط- سمير» بغلاف مالي قدره 300 مليون أورو. قدم الورثة ملفهم لدى المجلس الجهوي للاستثمار طنجة-تطوان، ومديرية الاستثمارات ووزارة السياحة، بالإضافة إلى ولاية تطوان. وبعد إحالتهم من طرف مديرية الاستثمارات على عمالة المضيق-الفنيدق، رفضت هذه الأخيرة المشروع السياحي برمته لكون «القطعة الأرضية غير متاحة وأنها موضوع العديد من التعرضات»، وذلك حسب إشعارها الموجه إلى مديرية الاستثمارات. المفارقة الغريبة في هذا الملف هو أن الورثة علموا فيما بعد أن صندوق الإيداع والتدبير يتوفر على مشروع على نفس العقار الذي وصف سابقا من طرف عمالة المضيق ب«غير المتاح وأنه موضوع العديد من التعرضات». وأشار الورثة إلى أن المجلس الجهوري للاستثمار بطنجة–تطوان أكد لهم أن «صندوق الإيداع والتدبير سبق له أن تقدم بمشروع على نفس القطعة الأرضية». ويقول عبد السلام الرزيني إن قرار نزع الملكية هو «مجرد تحايل مادامت لا توجد أية منفعة عامة ولا إنجاز لأية مشاريع هامة، بل يتعلق الأمر بإنجاز مشاريع تجارية لفائدة شركة عقارية محظوظة»، وهي نفس المشاريع التي كانت ستقيمها المجموعة السويدية. «لقد شطبت عمالة المضيق-الفنيدق على المشروع السياحي «جوهرة المتوسط»، الذي يعد مشروعا مبتكرا بمفهوم سياحي حقيقي، لتعوضه بمشروع «تمودا هيلز» الذي يجهل صاحبه الحقيقي. وفي انتظار نهاية فصول هذه الأحداث، تتخوف 1300 أسرة على مصيرها ومصير أفراد عائلتها باعتبارهم يسكنون ويشتغلون في تلك الأراضي الفلاحية منذ 50 سنة، حيث سيتم هدم منازلهم تحت لافتة الإنعاش السياحي. من جهته، نفى مسؤول من عمالة المضيق-الفنيدق، في لقاء له مع «المساء»، أن تكون للعمالة أية علاقة بقرار نزع الملكية الصادر في الجريدة الرسمية، وإن كان لم يخف تأكيده على عدم ضياع مستحقات ذوي الحقوق في المناطق المذكورة. وأوضح المسؤول أهمية موقع الأراضي المتواجدة بالشريط الساحلي، «لذا فإن صاحب الجلالة أراد أن تضاهي المنطقة في معمارها وهيكلتها مدينة سبتة»، يقول المسؤول، مشددا على أنه «من الأولى أن يتم إحداث هيكلة سياحية بالأراضي المعنية حتى تحقق لساحل تطوان جمالية لا تتصور».