نظمت فعاليات حقوقية ومدنية وبيئية يوم أول أمس الأحد مسيرة على الأقدام من مدينة المضيق إلى مرجة اسمير، تنديدا بتفويت البحيرة إلى شركة عقار أجنبية. واستنكر المشاركون في اللجنة المحلية بالمضيق تفويت مرجة اسمير الذي سينعكس سلبيا على البيئة والسكان. وتأتي مسيرة اللجنة المحلية، التي تضم في تمثيليتها خمس جمعيات، تطبيقا لتوصيات اجتماع عقد سابقا قصد تدارس موضوع تفويت المرجة، حيث أوصى في نهاية أشغاله باعتبار اليوم الدراسي الذي نظمته «جمعية مرجة اسمير» منطلقا حقيقيا لاتخاذ كافة الأشكال النضالية لإعلانها محمية طبيعية. كما تمت مراسلة رئيس المجلس البلدي بمدينة المضيق بتاريخ 26 دجنبر الماضي بخصوص وضعية بحيرة اسمير، وهي المراسلة التي أفاد رئيس المجلس بشأنها بأنه لم يتم إشعاره بخصوص عملية التفويت، مشيرا إلى أن بلدية المضيق لم تكن حاضرة أثناء إصدار القرار. وأضاف الرئيس في رده أن الجماعة الحضرية للمضيق كانت دائما تولي أهمية قصوى لهذه المرجة، حيث طالبت الجهات المختصة بإدراجها ضمن قائمة المحميات الطبيعية الوطنية. من جهته، ذكر عبد السلام بوليف، عضو اللجنة المحلية بالمضيق التابعة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن «هذه المبادرة تأتي للمحافظة على هذا المكتسب البيئي الذي يمثل تراثا طبيعيا لساكنة تطوان، وضد تفويتها لشركة أجنبية». وذكرت مريم الجباري، وهي باحثة متخصصة في علوم الأرض والحياة بكلية العلوم بتطوان، أنه في حالة تفويت المرجة فإن «مئات الطلبة الباحثين والمختصين في العلوم البيولوجية والأرض والبيئة سيحرمون من منطقة تعتبر مرجعا طبيعيا أساسيا لدراساتهم وأبحاثهم العلمية، ناهيك عن كونها المتنفس الطبيعي الوحيد بالمنطقة». ووجه ائتلاف يضم عددا من جمعيات المجتمع المدني بالمضيق رسالة أخرى إلى عامل عمالة المضيق-الفنيدق لاستفساره حول التطورات الأخيرة التي يعرفها ملف تفويت المرجة إلى إحدى الشركات قصد إقامة مشاريع سياحية متعددة فوقها. وأشارت الرسالة إلى توصل الجمعيات إلى «معلومات مؤكدة بوجود ثلاثة سيناريوهات بهذا الخصوص»، من بينها تحويل مجرى مياه وادي اسمير جنوبا ثم تجفيف مساحات واسعة من مستنقعات المرجة قصد إقامة مسالك للغولف ومبان سكنية، ما «يهدد بانتقال الفيضانات التي تعرفها المنطقة كل فصل موسم شتاء إلى مدينة المضيق». وأثبتت دراسة التأثير القبيلي التي أنجزها مكتب الدراسات لصالح الشركة المستفيدة حجم هذه الأخطار التي أكدت أن جميع السيناريوهات المحتملة ستكون لها «انعكاسات على حاضر ومستقبل مرجة اسمير». وطالبت فعاليات المجتمع المدني بالمضيق عامل المدينة بالكشف للرأي العام عن «الضمانات والاحتياطات التي قد يحملها دفتر التحملات لمواجهة هذا الوضع»، إضافة إلى الإعلان عن «الإجراءات التي ستتخذ لحماية الملك العمومي بالمرجة، حتى لا تتحول إلى مجال مغلق لن تستفيد منه سوى فئة خاصة»، على حساب أبناء المنطقة وباقي المواطنين والباحثين. وفي نفس السياق، أعلن عدد من المشاركين توجيه تقرير في الموضوع إلى منظمة السلام الأخضر الدولية (غرين بيس) لحماية البيئة، للعمل من أجل وقف تدمير محمية بيئية لفائدة شركة عقارية أجنبية لن تجلب لسكان المنطقة سوى مزيد من العزلة والإقصاء. وتقع مرجة اسمير بمحاذاة الطريق الرابطة بين تطوانوالفنيدق، بمساحة إجمالية تقدر ب200 هكتار، 20 هكتارا منها عبارة عن بحيرة و180 هكتارا عبارة عن مستنقعات، حيث تعتبر المنطقة الرطبة الوحيدة المطلة على الواجهة المتوسطية لجبال الريف الغربية. وحسب خبراء البيئة، فإن مرجة اسمير تلعب أدوار مهمة من الناحية البيئية كتقليل التغييرات المناخية وتصفية المياه. وتعرف البحيرة، التي تعتبر الرئة المتبقية التي يتنفس بها الساحل المتوسطي لجهة طنجة-تطوان، حالة احتضار نتيجة زحف شركة العقار الإسبانية عليها، والتي توجه إليها الجمعيات البيئية بالمنطقة تهمة «تغيير معالم جنة ومحمية طبيعية إلى بانوراما من الإسمنت والرافعات»، كما تحتل موقعا منفردا عبارة عن منخفض يقع تحت مستوى سطح البحر، لاستراحة الطيور المتنقلة بين أوروبا وإفريقيا، حيث تعتبر مكانا موافقا لتوالد بعض الطيور المهاجرة النادرة ولإيواء حيوانات محمية كالزواحف النادرة جدا (بعض أنواع الحرباء)، وكذا الأسماك التي تتدفق إليها من البحر الذي تصب فيه. واستأثرت مرجة اسمير باهتمام العشرات من الباحثين ممن قاموا بدراسة تأثيرها في النظام الإيكولوجي من إسبانيا، وكندا وفلندا وإيطاليا. لكن يبدو أن آخر مكتسب بيئي لمدينة تطوان سيعرف تدميرا ممنهجا جراء «تسونامي شركات البناء» على طول امتداد الشريط الساحلي تجاه مدينة الفنيدق. إحساس سكان تطوان بالاستياء بعد كشفهم لمحاولة حرمانهم من إرثهم البيئي لا ينبع من فراغ، فشركة العقار، والتي بيعت مؤخرا لشركة مغربية، دمرت الغابات والتلال الرملية باسم الإنعاش السياحي بالمنطقة. وكانت حكومة إدريس جطو، بحضور وزيري البيئة والمالية، قد أبرمت خلال شهر ماي من السنة الماضية، اتفاقية مع مؤسسة العقار الأجنبية، تقضي بتفويت بحيرة اسمير للاستثمار بتكلفة ثلاثة ملايير درهم، بهدف مواكبة زحف شركات العقار في ما بات يعرف دوليا بساحل تمودا باي، بقوة استيعاب فندقية تصل إلى 5000 سرير، لكن خلاصات الاجتماع لا تزال تراوح مكانها، في حين بدأت جرافات الشركة تحط رحالها حول البحيرة. وحسب أنخيل غوتييريس، وهو خبير بيئي إسباني، فإن بحيرة اسمير مصنفة دوليا كموقع بيولوجي مهم، حيث كانت تؤوي في السابق أكثر من 100 نوع من الطيور المهاجرة، حيث يبني الثلث منها أعشاشه هناك، وأكثر 300 نوع من الحشرات والحيوانات الزاحفة المهددة. «فهذه المنطقة هي محمية بموجب اتفاقية المحافظة على المرجات ذات الاهتمام الدولي»، يقول محدثنا. فبعد الخصاص الذي أضحت تعرفه إسبانيا على مستوى الأراضي العقارية، سارعت أغلبية الشركات الإسبانية العملاقة إلى مناطق شمال المغرب بهدف الاستثمار في المجال السياحي، حيث تم تفويت آلاف الهكتارات لها من أملاك الدولة الغابوية أو عن طريق نزع ملكية آخرين بحجة «المصلحة العامة»، كل ذلك لفائدة شركات عقارية إسبانية ومغربية، «تسيل لعاب الكثيرين بينما تحرم آخرين من تراثهم البيئي وأراضيهم الفلاحية»، يقول مستشار جماعي ببلدية المضيق.