الساعة تشير إلى الثامنة صباحا كنت ذاهبا إلى قضاء بعض الأشغال الخاصة وعندما عزمت على قطع الطريق السيار بساحة الثيران (بلاصا طورو) استوقفني منظر كثبان وأكوام من الطين جمعها عمال البلدية وتركوها أمام البالوعات (الروغاريس)، وعادتي أن أحمل آلة التصويرمعي، فقلت مع نفسي لماذا لا ألتقط صورا لهذه الأكوام من الطين أمام البالوعات المفتوحة وأجعلها مادة لمقال أوضح من خلاله هذا العمل العشوائي المتهور الذي تقوم به الشركة المسؤولة عن تطهيرمجاري الصرف الصحي، لكني عدلت عن الفكرة واكتفيت بالقول في حديث مع نفسي أنه لو تساقطت أمطار قليلة سيختتنق كل المجاري ويكون تجميع ذلك الطين أمام أفواه البالوعات طريقة للتخلص من الطين ليذهب في أعماقها " عين ما شافت قلب ما وجع" ويتكرر السيناريو المعهود الفيضان. وحينما قمت بإنجاز المهمة التي كنت في الطريق إليها، توجهت إلى شارع مولاي يوسف حيث حاصرتني الأمطار الغزيرة والرياح القوية ولذتُ بالفرار من أجل الإحتماء والإختباء أمام أبواب العمارات لعل وعسى تتوقف الأمطار وأكمل الرحلة لأصل لوجهتي التالية، ولما مر من الوقت ما يقارب نصف ساعة والأمطار لا زالت تتهاطل بعنف مع بعض الرياح القوية التي كسرت جزء من شجرة أمامي واقتلعت سقف محطة صغرى لشركة أوطاسا وبين الحين والآخر كانت تسمع إنفجارات رعدية قوية تسبقها أشعة وخيوط البرق تضيء المكان فكنت أدندن بالدعاء هامسا مع نفسي وبيدي آلة التصويرأحاول أن التقط صور لإزدحام السيارات الذي يغلق الطريق بالمرة أحيانا. فكرت وعدلت عن وجهتي فتوجهت سيرا على الأقدام نحو المحطة الطرقية، فكانت تحاصرني بعض الزخات المطرية وأختبيء أمام باب أول عمارة أو مقهى أو حائط عمارة أجده أمامي، فلما وصلت إلى محطة البنزين الأقرب من المحطة الطرقية بدأت تتجلى لي الكارثة التي كنت متأكدا من وقوعها لو استمر الأمر على ماهو عليه، من خلال طريق السيارات التي أصبحت مثل نهر جاري يصب في سد من السدود، في هذه اللحظة وأنا أقترب من مفترق الطرق لا حظت سيارة صغيرة متوقفة وغارقة في المياه التي ملأت " رياض تطوان"، وكلما أتقدم إلى الأمام في إتجاه مسجد السوريين أرى نفسي أغوص أكثر وعمق فمنسوب المياه يتزايد. هنا وجدت صديقين لي أعرفهما كانا ينتظران قدوم الحافلة، فلما أتت لم تتوقف كالمعتاد في المحطة المفروض أن تتوقف فيها قانونيا، فاقترحت عليهم السير قدما حتى نصل إلى " بلاصا طورو " فوافقا، وتوكلنا على الله وبدأنا السير ونحن نحذر بعضنا البعض من البالوعات المفتوحة التي قد تبتلع في أي لحظة بدون سابق إنذار أحدنا، مع العلم أن الماء كان يفوق المتر (الما كان للنص )، لكن صديقي لم يستوعب جيدا التحذيرات ويلتزم المشي ببطىء شديد حسب التعليمات حتى لا يقع في مكروه لا قدر الله وأن يقدم رجلا بعد أخرى في ثبات ورزانة، لأنك تسير ولا تعرف أين سوف ينزل قدمك، فقلت لهم أن نشد في أيدي بعضنا البعض مشكلين سلسلة حتى إذا سقط أحد منا يكون من السهل إنقاذه ( النجدة قريبة)، لكنه المسكين وقع حيث هوى في بالوعة كانت مفتوحة ولولا القرب من بعضنا البعض لجرفه الماء والتيار الذي كان يجر ويذهب ليسكن مع " الطوب في القوادس " لكن الحمد لله لم يقع مكروه بعناية الله وتعاونا معه وخرج سالما غانما مبلل من أخمص القدمين إلى عنقه، لقد خرج من البالوعة التي بلعته "مخلوع"، وصلنا إلى " بلاصا طورو" فغادر إلى منزله وبقيت أنا وصديقي الآخر، كما إنضاف إلينا بعض الزملاء، الماء يتسرب إ لى داخل المقاهي في " بلاصا طورو" خاصة التي تحادي الطريق السيار. والسيارات أغلبها غارق للنصف. نحن نسير في الماء كالبط والكثير من المارة الآخرين عمال وتلاميذ وغيرهم، أسير في الماء وأراقب البالوعات الموجودة على جنب الطريق وكأني أسير في حقل ألغام، وعادت بي الذاكرة إلى الطفولة الغابرة إلى أيام زمان، عندما كنا نقف في عتبة الباب و نرمي بالمحفظات داخلا ونذهب لحصة الشغب واللعب "بالغيس" وفي الماء مثل ابناء الإبط والإوز... والوالدة كانت تشقى في تصبين سراولنا الله يسمحنا من حق الوالدين ... في وسط المعمعة نلتقط الصور من هنا وهناك تحدثت مع بعض العمال والعاملات الذين كانوا يأتون من كل فج عميق من جهة مغوغة عن الحالة. فنصحوني " الله يكثر خيرهم بعدم المغامرة بحياتي " ولما لا حظو آلة التصوير في يدي قالوا لي هل تريد إلتقاط الصور؟ قلت لهم نعم . فقالوا إذهب فالحالة " ما فيها ماتشوف كلشي حاصل ...." الناس محاصرون والمعامل غارقة والطريق مقطوعة ... فتوجهت نحو قنطرة مغوغة مرورا بمقر البوليس ( السيمي) الذي بدورهم طاردتهم المياة وأخرجهم الفيضان من جحرهم، ولما رأيت سياراتهم خارج المكان المعتاد توهمت أن هناك تأهب أمني ويقظة أمنية، "الساعة الأمن بدوره يبحث عن الأمان المفقود " ... السيارات مرابطة خارج ثكناتهم التي أصبحت سدا وبحيرة وأتممت طريقي إلى حيث الكارثة أعظم. كل الشاحنات والسيارات متوقفة في عقبة القنطرة ويصدق عليهم وقف حمار الشيخ في العقبة. والواد المجاور للقنطرة أغرق المكان عن آخره حتى أصبح المرور إلى القنطرة مغامرة والسكة الحديدية وبعض القاطرات غارقة تكاد لا تظهر " الواد فاض " الواد حامل " رد بالك من الحملة عنداك تديك " رغم أن الحملة فيها وفيها ... وصلنا إلى القنطرة، محطة " التريمواي السريع " غارقة حتى أذنها وكذا المعامل وبعض السيارات التي لا يظهر منها إلا السقف، الكثير من الناس واقفون ينتظرون ويتكلمون في الهواتف أغلبهم من العمال الذين تم تسريحهم قبل حلول الكارثة أو تحسبا لها، والآخرين من أصحاب السيارات المرابطة فوق القنطرة، لكن أغلب العمال ظلوا في المعامل محاصرون يقرأون اللطيف، وفي هذه اللحظة لا تنفع إلا الأماكن العالية الشاهقة التي لا تصلها المياه ...سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، لا عاصم اليوم ... ومما أثار إنتباهي خلال حلول الفاجعة هو كثرة الرافعات ( التراكسات) التي تغدو وتروح في الطريق، لأن المسؤلين استعدو للمواطنين بالرافعات لرفعهم من الأرض أحياء أو جثث . وطبعا قليل من رجال الوقاية المدنية معهم أسطول بحري ( بَطيرَا) يحاولون إنزالها ليبحروا في سد مغوغة - المنطقة الصناعية، المكان لا يخلوا بطبيعة الحال من العسكر ورجال الأمن الذين يضفون جمالية على المكان، مهمتهم دفع الناس ليبتعدوا وقد يصل الأمر إلى التعنيف اللفظي أو الجسدي لأننا أثرنا حفيظتهم، وخاصة عندما حاولنا تصوير رجال الأمن وهم يقودون مواطن بسيط " كان كيتفجج من على القنطرة " فتكلم معه كبيرهم، ذلك المواطن لم يفعل شيء لجره بطريقة مهينة، كما أغضبني بعض رجال الأمن والعسكر كانوا يهرولون جميعهم نحو شخص واحد " بغينا الخدمة تبنان أعربان فظهر العريان ... الحمد لله فالمطر مع البسطاء وضدهم في الوقت ذاته، يفضح هؤلاء المشؤومين الذين ينهبوا ثروات دافعي الضرائب ليبنوا ويجهزوا فيلاتهم الفخمة ويدرسون أبناءهم في البعثات الأجنبية ولي بغا يموت يموت ولي بغى يعيش يعيش أنا ومن بعدي الطوفان، أناس يبيعون ويشترون من وراء ظهورنا تحت مسميات كثيرة ويوهموننا بأن طنجة " زيانت " وأصبحت عروسة البحر أو بعبارة أدق سفينة البحر المثقوبة التي يتسرب الماء إلى داخلها بسرعة " في رمشة عين " وتغرق بدون سابق إنذار يقولون إذا عمت هانت، وربما ساكنة طنجة " ولفت الفيضانات والكوارث " وبالتالي هي في مرحلة التطبيع مع مثل هذه الأشياء التي تقع في كل العالم والمغرب وطنجة ليس إستثناء لكن شتان بين الأعمى والبصير، " اللي جات من عند الله مرحبا بيها " المشكلة هذه آتية حتى من عند البشر والمسؤولون الذين يدفعوا لنا لنصوت لحسابهم وبالتالي يحسبون نفسهم في عملية إستثمارية عطى 100مليون خصو يربح 200 مليون أين تذهب أموال دافعي الضرائب، في المهرجنات العارية والماجنة ونبدرها على "لالة ومالي والشطيح والرديح " وعندما تمطر نفتح فمنا، من أين جائت هذه . تجهلون من أين جاءت، فهي من عند أنفسكم وكفى ... "بلا دخول وخروج فالهضرة..." نختم هذا الحديث بمعاناة ساكنة حي بنكيران " الحومة ذ الشوك " خاصة الذين يسكنون بجوار الواد ( السد) والذي يفيض عليهم كلما تمطر مطرا غزيرا مثل اليوم . للتذكير ففي السنة الماضية غرقت منازل عدة ووصل عمق المياه إلى 3 أمتار ويزيد، وتدخل أهل الخير والإحسان وأجبروا الضرر وآزروا الساكنة وجمعوا المال والتبرعات، كما تدخل بعض أصحاب القلوب المريضة وأصحاب المآرب الخاصة ولعلمكم فالنازلة وقعت قبل الإنتخابات وتدخل الكثير كل حسب بغيته " وجابوا البونجات والملاطي والفلوس " رغم العشوائية التي سادت توزيع تلك التبرعات فكان الواحد يأخد مرة وأخرى وثالثة ويذهب ويجيء وهو ليس من المتضررين أصلا ولا أعمم ...هناك حالات .... والآن وأنا أخط هذه الكلمات العشوائية، أشير إلى أن الحالة الإجتماعية لأغلب المتضررين مزرية جدا ويعيشون فقرا مذقعا، ( كاد الفقر أن يكون كفرا) ولو كان رجلا لقتلته بالحيلة لأن بطن الجائع لا تسمع إلا صوت ينادي بالخبز، والإنسان ليس بالخبز وحده يعيش . فهل سنرى أهل الخير والإحسان يتحركون مرة أخرى ليقدموا يد العون لهؤلاء المتضررين والمنكوبين بالنكبة الفاجعة و"بلا بها " هؤلاء الفقراء المحتاجين قبل الكارثة وبعدها أكثر، فلنفعل على قدر المستطاع... الحاصول الكلام وما فيه أنني خرجت لقضاء بعض الأغراض الشخصية حتى وجدت نفسي أركض وأبحر في مياه ملوثة حتى " للنص" ألتقط الصورة تلوى الأخرى . " خرجنا من الدار صبحنا في البحر بلا نواية " إنها لا تأتيكم إلا بغتة .....الحاضي الله.