في إطار سلسلة اللقاءات التي تقوم بها شبكة طنجة الإخبارية مع مجموعة من الفنانين كانت لنا دردشة مع الفنانة الحمداوية التي عبرت وبكل صدق وتلقائية عما في خاطرها حول حياتها سواء الفنية أو الشخصية. س : الفنانة الحاجة الحمداوية نرحب بك باسم شبكة طنجة الإخبارية، وأنت لست غريبة عن مدينة طنجة فهي التي احتضنتك، هل لك بأن تحدثينا عن الفترة التي قضيتها في كنف هذه المدينة ؟ ج : أنا مدينة لهذه المدينة ولأهلها بالشيء الكثير فهذه المدينة لها الفضل وكل الفضل في هذه اللحظة التي أعيشها بين ظهرانيكم وما قبلها من الفترات التي كنت على شفا حفرة وأنا منهكة ومهملة بين أربعة جدران في أحد المنازل التي عمرت فيها سبعة سنين، وشاءت الأقدار الإلهية أن تمتد إلى الأيادي التي أغاثتني من جديد ولها الفضل بعد الله تعالى في ذلك حيث أنني أحسن بكوني قد ولدت من جديد، هذه الأيادي هما أمينة السوي وزوجها جزاهما الله عني بكل خير ومنذ ذلك الحين أصبح هما قدوتي في الحياة ومبعث أمالي، ومن هنا جاءت محبتي التي لا تدر ولا توصف بهذه المدينة وأهلها، وقد ظهرت قصة هذا الحب العذب الذي جمعني بهذه المدينة منذ أزل وكان ذلك في أيام الحماية الفرنسية الذين كانوا يحاولون الإمساك بي والتجأت إلى طنجة التي حمتني وساعدتني أهلها على عبور المضيق إلى الضفة الأخرى وهذا ما جعل بذرة الحب الأولى تنغرس في قلبي ووجداني وأزهرت هذه الحبة لتنبت أكاليل المحبة والله شهيد على ما أقول. س : من المعروف عن الحاجة الحمداوية أنها إنسانة مناضلة، وأنت من بين الفنانات اللواتي اشهروا سيوف فنهن في وجه المستعمر الغاشم، كيف وظفتم الفن الشعبي والعيوط لمناهضة الفرنسيين؟ ج : كثير من القطع الغنائية أثارت حفيظة الفرنسيين خصوصا لما رددت في إحدى القطع بعض الجمل التي تندد ببعض العملاء الذين كانوا يعملون لصالح المستعمر الفرنسي وأغلبهم من أنصار عرفة ومن بين هذه الفقرات التي صالت وراجت ليس في الدارالبيضاء وحدها ولكن على صعيد المغرب ككل والتي كانت كالتالي : "فمو مهدوم وخوك خدام ليهم .. كدم كرعة ومات بالخلعة" إلخ.. س : الحاجة الحمداوية أنت والدة أحد الرياضيين الكبار الذين قدموا الشيء الكثير لكرة القدم المغربية، ماذا يمكن أن تقولي لنا في حق هذا البطل ؟ ج : إنه اللاعب بيشو وهو ابني بالرضاعة هذا اللاعب الذي ترعرع وتربى في بيتي وبين أحضاني قبل أن تحتضنه الملاعب المغربية، وكان رحمة الله عليه نجما ساطعا من نجوم كرة القدم، والتاريخ يشهد له بهذا واليوم لدي حفيدان ولوعان بكرة القدم وأنا كلي أمل بأن يدمجا في فريق اتحاد طنجة خصوصا وأني عاقدة العزم للعودة إلى أحضان هذه المدينة التي سأقضي فيها ما تبقى لي من العمر. س : الحاجة الحمداوية في مرحلة من المراحل تناساها الزمن وفجأة عادت الحمداوية لتساير الركب والدرب من جديد وليصبح اسمك وضاء وهو لازال في سماء الأغنية الشعبية وفن العيطة وهنا نريد منك توضيحا حول كيفية الانتقال ما بين المرحلتين المتناقضتين؟ ج : الفضل في هذا لله سبحانه وتعالى وهو الذي ابتلاني بمرض عضال ألزمني الفراش لمدة ليست بالهينة وشاءت الأقدار أن أتشافى بوقته وإرادته وبفضل عدد من المحسنين وكثير من المقاومين –جزاهم الله عني ألف خير- س : كثيرا ما نقرأ أو نسمع أو نعايش قضايا عديدة تتعلق بفنانين مغاربة عاشوا فقراء وقد لازمتهم هذه الصفة إلى أن توفوا فقراء وإني أخص بالذكر هنا عدد من الفنانين القدامى سواء على مستوى الغناء أو التمثيل أو غير ذلك، كالأستاذ محمد الحياني أو العربي الدغمي، وهذا ما لا نرضاه لروادنا المغاربة؟ ج : بالنسبة لي شخصيا أنا لا أعاني من هذا الجانب، أنا أطلب الكفاف والعفاف والغنى عن الناس، وهذا من فضل ربي سبحانه وتعالى، وبفضل الرعاية المولوية التي شملني بها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، وقد شملني بهذا العطف كذلك وريث سره جلالة الملك محمد السادس وهذا تشريف لي ولفني وتقدير للرسالة النبيلة التي قام بها طول حياته. س : من المعلوم أن الساحة الآن أصبحت تعج بالمطربات والراقصات صاحبات "اللوك" الجديد في الأغنية الشعبية وأنت لا زلت تعيشين على أرشيفك (السبعينات) فرأيي أنت لازلت قادرة عل العطاء وما أدلنا على ذلك الدويتو الأخير الذي سجلته رفقة حميد بوشناق والذي اكتسح العالم ؟ ج : الدويتو الأخير الناجح الذي هو "الكاس حلو" ليس بجديد بل تغنى به الراحل حسين السلاوي وقد قام حميد بوشناق بإعادة توزيعه وسجلناه بالطريقة العصرية التي هي رائجة ومطلوبة على مستوى الجمهور والمستمعين، وبالنسبة للجديد فإن للسن حكم قاص في هذه القضية ويمنعني من مسايرة الموجة الحديثة بجديدها وتقنياتها ولكن هذا لا يمنع أبدا بأن الحمداوية حاضرة وستظل كذلك إلى آخر نفس من حياتها لأنني شربت الفن الذي يسرني في شراييني، فإذا قررت التوقف عن هذا توقفت حياتي، وبهذا فأنا أمارس الفن لتستمر الحياة ولست أسترزق به. س : حبذا لو تحدثينا عن المرحلة التي اشتغلت فيها مع المطرب سالم الهلالي، وكانت بالنسبة إليك مرحلة عانقت فيها الفن لأول مرة؟ ج : الحديث عن سالم الهلالي المطرب اليهودي لا يمكن أن نوجزه في سطور ولو بين دفتي كتاب، فقد كان إنسانا قبل أن يكون فنانا فكان يحسن المعاشرة وكان رجلا ونعم الرجال، وفي نظري شخصيا هو أول من عمل على نشر الأغنية المغاربية والمغربية بالخصوص، وقد حلقت بها في بقاع العالم وكان فنان عالميا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ورغم أنه قد ودعنا إلى عالم البقاء فقد خلف لنا أرشيفا غنيا لا زال يردده فطاحل الفن الشعبي والتراثي في الدول المغاربية إلى يومنا هذا وفنه أغنى الخزانة الفنية المغاربية واليهودية ببلاد المغرب العربي بإطلالته على التراث المغاربي الذي انهال من منهله وشبر من ينابيعه فكانت هذه الإطلالة بمثابة مصباح أضاء طريق الفن المغاربي ولا ننسى في هذا الباب الحسين السلاوي، لكن يبقى تأثير سالم الهلالي أرحب وأوسع.