هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنية الزمان في ديوان "انتظار.." للشاعرة فاطمة الزهراء الخمليشي
نشر في تطوان بلوس يوم 12 - 10 - 2015

عيوني تتوق لسحر الزمان/ تجافي سدولاً/ حافيات الظلِّ/ تحجب الأيامَ/ المفعمات بالأمان
قد تغدو قراءة النص الشعري الحديث، والنص الشعري عموما، من منظور مقوم الزمان لدى البعض إجراء قرائيا غريبا، استنادا إلى أن هذا المفهوم أكثر ارتباطا بالأجناس الأدبية السردية الأخرى كالرواية والقصة وغيرهما. وقد يبدو هذا الرهان مغامرة صعبة فيها نوع من التكلف والتصنع. ولكن الأمر على خلاف ذلك، إذ أثبتت كثير من الدراسات الحديثة أن مقوم الزمان حاضر بالقوة وبالفعل حضورا مكثفا في كل الأجناس الأدبية على اختلاف أشكالها وأنواعها.
وعليه، يمكن اعتبار مكون الزمان من أهم مكونات الخطاب الشعري حيث يؤشر على نموه ويتفاعل معه صوتيا ودلاليا وأيقونيا ويتفرع عن هذه الفرضية أمران: الأمر الأول أن الزمان مكون معرفي في النص الشعري وفي غيره من الخطابات. الأمر الثاني أن الزمان مفهوم إجرائي يمكن توظيفه في تحليل الخطاب الشعري لتفسير مكوناته وتجلياته .
ولا شك أن ما يشجع القارئ على المراهنة على هذا الاختيار استناده إلى جملة مؤشرات نصية وبدائل معجمية ومستويات أسلوبية تستجيب لهذا المطلب وتحفز على الفعل القرائي وفق هذا الأفق المغاير والتي تحضر في بعض الأعمال الشعرية، ويهمنا منها في هذا المقام/المقال تحديدا الديوان الثاني للشاعرة المغربية فاطمة الزهراء الخمليشي (انتظار..) الصادر سنة 2014، بعد سنتين من ديوانها الأول (2011) الموسوم ب (حلم سما بي)، ويلاحظ القارئ افتراض تداخل قائم بين عنوان الديوان الأول وعنوان الثاني، ذلك أن الحلم، على نحو من الأنحاء، سمو والانتظار أفق وامتداد عبر الزمان. أنا بوسلة:/ لاتدري بعدُ/ مسار زمان يسري/ كليل حالك..
عنوان الديوان من طينة العناوين المختزلة في كلمة واحدة، لكنها مشحونة دلاليا وتأويليا لقابلية احتمالها أكثر من معنى، ذلك أن تنكير المركب الإسمي (انتظار) مؤشر من مؤشرات هذا الاحتمال، وتعضد هذا المنحى التأويلي نقطتا الحذف التي ينتهي بها العنوان. مما ينم عن قصدية خلق الانزياح عن المتداول واحتمال اللامتوقع. كما تستحضر كلمة العنوان الزمان بكل حمولاته الفكرية والوجودية، إذ لا انتظار بدون زمان، والحال أنه زمان سلبي لأن المنتظر مرجأ إلى الغد إلى المحتمل إلى المستقبل بما يحبل به من مفاجآت وانتظارات. وتجسد كلمة العنوان، في انفرادها وتفردها، تيمة الصمت بما يوحي به وإليه من دلالات التأمل والتفكروالعزلة والوحدة والإقصاء..
وبناء على هذه الاحتمالات الدلالية والتأويلية، لا يجد القارئ أي تعارض بين عتبة عنوان الديوان ولوحته الفنية التي تتوسط الواجهة الأولى للغلاف مما ينم عن حسن التوليف والرغبة في خلق الانسجام بين العتبتين. إذ يبدو الشخص في لوحة الغلاف جالسا في حالة انتظار وقد وضع رجلا فوق الأخرى ويده اليمنى على خده، ولا تعكس اللوحة ملامح الشخص بدقة، ويبدو التعتيم مقصودا ليتم التركيز على الوضع والشكل الذي يدل على اليأس والحسرة وطول الانتظار.
1 زمنية الفضاء النصي:
لا مراء من القول بأن الفضاء امتداد زماني، والكتابة تشكيل لهذا الفضاء، على نحو من الأنحاء، والتي تحضر على مستويات، إذ تختلف درجة تكثيفها باختلاف الأجناس الأدبية، إلا أنها في النص الشعري خاصية مركزية، ولا تتحقق للنص شعريته بدونها. والمتأمل لعناوين نصوص ديوان (انتظار..) للشاعرة فاطمة الزهراء الخمليشي يلاحظ أن النصوص الشعرية الأربعة والسبعين تمتد عبر فضاء زمني يشغل خمسا وسبعين صفحة. وهو ما يعكس وعيا قبليا لزمان التشكيل النصي في الديوان والذي يتأسس على تحقيق التوازن بين كل النصوص الشعرية التي تشغل صفحتين في الغالب الأعم، وتُستثنى من هذا التوصيف نصوص قليلة جدا. ونفس التوصيف ينسحب على تشكيل عناوين النصوص بحيث جاءت جلها مركبة من مركبين إسميين باستثناء القليل منها عنوان قصيدة (انتظار..) التي اختارته الشاعرة عنوانا للديوان.
ويهيمن التركيب الإضافي على عناوين كثيرة (مرفأ التغيير، مزايا الأنوار، طيب مبسم، خضرة الإحساس، صوت السمو، همس الوجود، صرخات الروابي، ألوان النقاء، سحر الزمان، هَزَج القوافي، إصرار الضاد، قطرة طل، رماد السحاب، عذرية الأشجار..). وتأتي بعض العناوين مركبة من صفة وموصوف من قبيل (وطنيٌّ أبِيٌّ، قلب خائر، غسق شاحب، الأمل الأخضر، الأيام الخوالي). كما تأتي عناوين قليلة على شكل جمل إسمية إستفهامية مثل (أين المعالي؟، متى الصبح؟) وتقريرية مثل (عقد فريد المعاني)، أو على شكل جمل فعلية مركبة، وغير مركبة، مثل (لم تزهر بعد، أتصفح الأيام، لا تسألوني..). كل هذا، وغيره كثير، ينم عن الطابع التركيبي والتشكيلي المنسجم والمتناغم.
كما ينحو السطر الشعري في جل قصائد الديوان نحو الاعتدال من حيث الكثافة اللغوية شكليا وتشاكليا، ظاهريا وضمنيا؛ ويمتد فضاء السطر الشعري زمنيا في جل القصائد ليحتضن ما بين كلمتين إلى ست كلمات في أقصى المسافات، ونادرا ما يتقلص السطر الشعري إلى كلمة واحدة وعندما يحدث ذلك فإنها تأتي متبوعة بنقط حذف متتابعة اثنين أوثلاثة. من أمثلة ذلك (قيتارتي.. / والأعوام... / يا بحر... / هيهات..! / تنتظرْ... / الشاسع...)
وهكذا يلاحظ القارئ أن السطر الشعري لا يمتلئ امتلاء كليا ولا يضمر ضمورا قويا. وتجنح الكتابة نحو يمين الصفحة، إذ تنطلق من اليمين في اتجاه اليسار، وينم اختلافها وتفاوتها عن توازي الدفقات الشعورية وتناغم النبضات الحركية، بين مد وجزر، مما يؤكد على أن جغرافية النص الشعري عند الشاعرة فاطمة الزهراء الخمليشي تتموضع بين الامتداد والانحسار، فترسم الأسطر الشعرية جسد النصوص التي تبدو، باكتساح سوادها لبياض الصفحات، وكأنها تمارس بدورها نفس الدور الذي أعلنته نصوص الديوان، كما أعلنته عتبتاه من قبل، العنوان واللوحة الفنية. وما أزال بلا كلل/ أخط خارطة لأفكاري/ أقول لها: ارسخي/ في دفاتر أسراري! .
ولا شك أن هذا الميسم التشكيلي ليس اعتباطيا بقدر ما كشف ويكشف عن لاوعي النص الشعري أي عن طبيعة زمان الكتابة وعن أوجهها ومستوياتها، كما يكشف عن نفسية الشاعرة، وعن نمط الرؤيا الفكرية والفنية والجمالية التي تصدر عنها نصوص الإضمامة الشعرية.
2 القيمة الزمنية للرتبة:
يمكن الافتراض منذ البدء، في قراءة نصوص الديوان من هذا المنظور، أن الانتظار إرجاء حدث متوقع ومحدد إلى مستقبل غير محدد، وهو تجاوز للكائن ورهان على الممكن المبني على الاحتمال والتوقع، ومن هذا المنطلق تغدو للزمان في الديوان المقروء قيمته الفكرية والفنية. ذلك أن نصوص الديوان استشرافية على كل المستويات، نصوص تتجاوز الزمان المعيش لتؤسس لزمان الحلم، ولا تقف عند الحاضر بكل إكراهاته إلا من أجل التوق إلى الغد المنتظر، فتصوره النصوص كما يتراءى للذات الشاعرة بكل تجلياته ورؤاه وآفاقه.
واستنادا إلى هذه الاعتبارات تعيش الذات الشاعرة زمانا منشطرا ومفارقا، إذ يمكن الوقوف عند ثلاثة أوجه زمانية؛: زمان الخيبة، وزمان الحلم، وزمان الانتظار. وهي أزمنة متداخلة، قد تعيشها الذات داخل النص الواحد، وهو ما يؤكد فرضية الانشطار، واختلاف وتعدد الإكراهات والتحديات التي تعترض الذات، خاصة عندما يصعب الفصل بين لحظاتها الزمانية، والتي تتفاعل داخل كثير من النصوص تفاعلا كبيرا، وتتجاذب الذات الشاعرة لحظة انكتاب النص وكتابته. وهكذا تعيش الذات انشطارا بين ثلاثة أزمنة.
زمان الخيبة وهو الزمان الكائن : ويحيل في الغالب على الواقع، الواقع العربي الممزق الذي أخطأ الطريق نحو اللحظة الحضارية الموعودة: يا عالم العربِ العريقَ/ المشتت الأوصال/ التائه الخطوات والأقدامِ؟!/ أين المعالي...؟؟
زمان الحلم وهو الزمان الممكن: وهو زمان نشاز، لا يحضر إلا على سبيل التذكر، والحسرة، والتمني، والرجاء، ويشكل المعادل الرمزي لما هو كائن، وعالما بديلا للذات الشاعرة التي ترنو إلى السمو والتعويض (أصبو لرقي المكان/ والزمان والمسار../ أتصفح الأيام/ في مجلدات التاريخ/ المغبرة، الغاصة بالأسرار!) وحين تمضي الحياة دون طائل (حين تمضي الحياة في انتظار وانتظار...!) . وحين يراود الأمل الذات فترنو نحو الأفق الحالم (يمني النفس في أفقه الحالم) . وحين تعيش الذات صراعا بين الأمل والألم الذي يترتب عنه عدم وضوح الرؤية لضبابية الأفق الغائم، (بين أنامل الأمل الأخضر/ تُلَوِّحُ في أفق غائم) .
زمان الأفق أوزمان الانتظار: وهو الزمن المهيمن على جل النصوص، والذي تؤشر عليه عتبة العنوان، ويؤشر عليه معجم خاص مهم يهيمن على جل القصائد. وما يلفت نظر القارئ حضور لفظة الأفق بكثافة وبصيغ اشتقاقية مختلفة، فيغدو فضاءا للترقب والتذكر (تترقب في الأفق خيلا) ، وقد يغدو كتابا تتصفح الذات فصوله عبر الزمان بأيامه ولياليه، بأفراحه وأتراحه، حتى إذا ما كسته ظلمة حالكة، وملأ اليأس القلوب (تعيد البريق للأفق..) ، فترنو أعينها الملهمات إلى الأفق الغائم، في انتظار سحاب ماطر، وانتظار تجليات نور ثاقب، يضفي على الأفق أزهى الألوان فتعزف الذات عبر قيثارتها ألحانا خالدة ومعاني راقية، تغمر الأفق فيغدو لوحة فنية جميلة، تمني النفس بالبشر والأنس والحياة. ولا تتوانى الشاعرة أمام جبروت الزمان وإكراهات الواقع من أن تستعير عصى موسى ببعدها الرمزي والإيحائي لتعيد التوازن للعالم وتملأ الأرض عدلا وجمالا (أبحث في الأفق/ عن ملائكة كرامْ)
3 التشاكل والبلاغة الزمنية:
التشاكل وجه بلاغي وتكثيف زماني ولغوي تتميز به اللغة الشعرية التي تسعى إلى تحقيق الانزياح على المألوف على المستوى التركيبي والدلالي والتداولي ويتحقق هذا الوجه البلاغي في الديوان عبر صور فنية كثيرة وكثيفة تعتمدها الشاعرة للتعبير عن رؤاها الفكرية والجمالية. والملاحظ أن الصور البلاغية في الديوان المقروء يُؤطر تشكيلَها الخصبُ الذي يرمز إلى الحياة، واللحن أوالنغم الذي يرمز إلى الخلود، والنور أو الضياء الذي يرمز إلى الحقيقة.. ولنا أن نقرأ المقاطع التالية في ضوء هذه الملاحظات ليتبين أن اللغة تشكل مقوما فنيا ومركزيا في تركيب الصور البلاغية القائمة على التشبيه والاستعارة والمجاز:
بليلة هاذي المناديل/ في أكف القرية والمدينة!/ تكفكف أدمعا سكبتها عيونٌ/ تبيت حيْرى/ وتستفيق حزينة.
قيثارتي.../ لحن، وشعر/ ينشد البسمة/ في شفاه الأجنة/ يرسم الألفة/ في خلايا الأعنة/ يزرع الآمال.../ وسْط الفجاج والنجود .
اسْتعرْتُ من النور جناحه/ وحلقتُ في الكونِ/ في حِلكة الظلامْ/ أبحث في الأفق/ عن ملائكة كرامْ/ يزيحون الضجر البغيض/ والعسْرَ الغامرَ والآلامْ ...
وتتزود الذات الشاعرة بذخيرة قيمية تسعفها وتمكنها من خوض المواجهة التي تعرف عبر قصائد الديوان لحظات صراع تؤججها الأحاسيس والمشاعر التي تنتاب الذات بين الفينة والأخرى فتقبل على الحياة تارة، وتدبر في أحايين كثيرة، لكنها لا تعرف الاستسلام أبدا. وتظل الذات الشاعرة مدركة إدراكا عميقا أن الزمان كائن منفلت تعسر ملاحقته، ولحظات هاربة تتأبى عن القبض، وتظل في انتظار وانتظار وانتظار: أنا بوصلة زمانٍ/ تاهت صروح الليل/ في أرجائه ..
وتعمد الشاعرة إلى تشخيص الزمان، فيغدو كائنا يتشكل وفق صور فنية مختلفة، وتجعله الشاعرة يتعرض، على سبيل الاستعارة والمجاز، لكل ما يصيب الإنسان نفسه عبر مسار الدهر، ولكل الإكراهات التي تعيشها الذات الشاعرة، وبكل الجراحات التي يخلفها الزمان الذي يسير بخطوات سريعة، فيبدو تارة كلاعب يقامر، وتارة يبدو كساحر يثير انتباه الذات الشاعرة ويجعل أعينها تتوق لتقلباته المباغثة، ويظل الزمان كائنا منفلتا تقصر عن إدراكه الرؤى التي تصدر عنها قصائد ديوان "انتظار" للشاعرة فاطمة الزهراء الخمليشي.
وهكذا تتجاذب قصائد الديوان، كما تتجاذب الذات، عدة نزعات تجعل نصوص المجموعة الشعرية منفتحة على الذاتي والرومانسي، الواقعي والثوري، الفكري والديني، الفني والجمالي. ومن أجل ذلك تحتضن مجالات تُخصبها وتثري مضامينها وأبعادها الدلالية والتأويلية. فتستحضر النصوص الشعرية الطبيعة في مختلف تجلياتها، وفي ذلك عودة إلى الأصل وسفر بالذات عبر الزمان، إلى عوالم طهرانية تستقي منها قيمها التي تمنحا قوة الحضور والتواجد في الزمان والمكان.
وتتخذ من الواقع الكائن موقفا رافضا لما عم فيه من جور وظلم واضطهاد وتخلف، كما تحدوها الرغبة في إسماع صوتها وترسيخ أفكارها النيرة وإيصال رسالتها للقارئ. وهو ما يجعل نصوص الديوان تترك في القارئ انطباعا خاصا يعتمل ويعمل في الذات ما يعمله الشعر الجميل والكلمة الطيبة والأسلوب الأسيل والمعاني الراقية المؤسسة لرؤى قوامها الحلم والأمل والجمال، مما ينم عن إدراك عميق لخصوصيات اللغة الشعرية بمستوياتها الإيقاعية والأسلوبية والتعبيرية، ووعي عميق وصادق يتخذ الصورة مقوما أساسيا في بناء النصوص وتشكيلها على المستوى الفكري والفني والجمالي.
وتغدو نصوص الديوان استشرافية لا تقف عند الزمان الحاضر بكل إكراهاته إلا من أجل التوق إلى المستقبل بكل إشراقاته وتجلياته وآفاقه ورؤاه: أبْحَثُ عَنْ مَرايا/ يُغازلُ النُّورُ في عُمْقِها/ سَلاما أخْضَرَ../ يَرْسُمُ الْألْوانَ الزَّاهِياتِ/ على جَوانِحِ الْكَوْنِ الْهائِماتِ/ وَفي تاريخِهِ الْمُحَلِّقِ الطّائِرٍ
1 انتظار، فاطمة الزهراء الخمليشي، الطبعة الأولى، مطبعة سجلماسة الزيتون، مكناس، 2014 قصيدة (سحر الزمان) ص5.
2 في معرفة الخطاب الشعري: دلالة الزمان وبلاغة الجهة، إسماعيل شكري، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2009.
3 لا تسألوني، ص32.
4 مرفأ التغيير، ص7
5 أين المعالي، ص2
6 أتصفح الأيام، ص13.
7 هكذا توأد الأفكار، ص20.
8 لا تسألوني، ص35
9 الأمل الأخضر، ص62
10 لم تزهر بعد،ص8
11 أتصفح الأيام، ص14
12 كعصا موسى، ص2312
13 قيثارتي، ص17
14 كعصا موسى، ص23
15 لا تسألوني، ص33.15
16 همس الوجود، ص3716


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.